< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/07/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

ومنها: رواية ثالثة لزُرارة -وهي صحيحة أو موثقة- ©قَاْل: قلتُ لأبي جعفر (عليه‌السلام): رجلٌ قتل في الحرم؟ قَاْل: عليه ديةُ وثُلث، ويصوم شهرَيْن متتابعَيْن من أشهر الحرم، قَاْل: قلتُ: هذا يدخل فيه العيد وأيام التَّشريق؟ فقال: يصومه، فإنَّه حقٌّ لزمه®(1).

وإنَّما قلنا: موثَّقة أو صحيحة؛ لأنَّ أبان بن عثمان كان فطحيًّا، ويقال: قد رجع عنها.

ومنها: رواية رابعة لزُرارة، وهي صحيحة ©قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجلٍ قتل رجلاً خطأ في أشهر الحرم؟ فقال: عليه الدِّية، وصوم شهرَيْن متتابعَيْن من أشهر الحرم، قلتُ: إنَّ هذا يدخل فيه العيد وأيام التَّشريق، قَاْل: يصومه، فإنَّه حقٌّ لزمه®(2).

أقول: لا يبعد أن تكون هذه الرِّوايات عن زُرارة هي رواية واحدة رواها عن الإمام (عليه‌السَّلام)، أي سمع ذلك من الإمام (عليه‌السَّلام) مرّةً واحدةً في مجلس واحد، ورواها زُرارة لعدّة أشخاص.

ومن هنا، وصفها المُحقِّق (رحمه الله) في المُعتبر بأنَّها نادرةٌ، ولا يقوى الخبر الشَّاذّ على تخصيص العموم المعلوم.

ومهما يكن، فإنَّ الرِّواية الثَّالثة والرَّابعة سندهما مُعتبرٌ بلا إشكال، وكونها نادرةً شاذّةً لا يمنع من تخصيص العموم الدَّالّ على حرمة الصَّوم يوم العيد، أي يحرم الصَّوم يوم العيد، إلَّا في هذا المورد، وهو فيما لو قتل خطأ في أشهر الحرم.

وأمَّا ما عن العلَّامة (رحمه الله) بأنَّ في طريقها سهل بن زياد، وهو ضعيف.

فيرد عليه: أنَّ هذا إنَّما هو في الرِّواية الأُولى له فقط.

وأمَّا الثَّالثة والرَّابعة: فقد عرفت أنَّ سندهما مُعتبرٌ جدًّا.

بقي شيءٌ في المقام لا بأس بالتَّنبيه عليه، وهو أنَّه من المعلوم أنَّه يكفي في حصول التَّتابع -في صوم الشّهرَيْن المشترط فيهما حُصول التَّتابع- أن يصوم شهراً هلاليّاً كاملاً وشيئاً الآخر، فإذا حصل القتل في شهر رجب أمكنه أن يصوم شهر ذي القعدة ويوماً قبل العيد، ويصوم الباقي بعد أيام التَّشريق.

وكما إذا حصل القتل في شهر ذي الحِجّة، أو في مُحرّم، فإنَّه يُؤخّر الصَّوم إلى السَّنة الآتية، فيصوم شهر ذي القعدة كاملاً، ويوماً من ذي الحجّة قبل العيد، ويُؤخِّر الباقي إلى ما بعد أيام التَّشريق.

ويجوز أيضاً عندنا وعند جماعة من الأعلام التَّلفيق فيه ، فيصوم مقداراً من الشَّهر الأوَّل، ومقداراً منه في الشَّهر الثَّاني، بحيث يتمّ ثلاثين يوماً، ويوصلها بيوم آخر.

ولكن في خُصوص هذا المورد -وهو قتل الخطأ في أشهر الحرم- يظهر من روايات زُرارة المُتقدِّمة أنَّ صوم شهرَيْن متتابعَيْن من أشهر الحرم يلازم دُخول العيد وأيام التَّشريق، وقد أقرّه الإمام (عليه‌السَّلام)، وهذا معناه أنَّه لا يكفي أن يصوم شهراً، ويوماً آخر من الشَّهر الثَّاني، ويأتي بالباقي بعد ذلك، بل لابُدّ من صومهما كاملَيْن.

وفيه: أنَّه لا مانع من الالتزام بذلك في خُصوص المورد.

والنَّتيجة: أنَّه في كلّ موردٍ وجب فيه صوم شهرَيْن متتابعَيْن كفى في حُصول التَّتابع صوم شهرٍ، ويوماً من شهر آخر، ثمَّ يأتي بالباقي بعد ذلك، إلَّا في كفارة قتل الخطأ في أشهر الحرم، فإنَّه لابُدّ من صوم شهرَيْن كاملَيْن، كأن يصوم ذا القعدة، وذا الحِجّة بتمامهما، أو يصوم ذي الحِجّة ومُحرّم بتمامها، والله العالم.

    

 

قوله: (ولا أيام التَّشريق لِمَنْ كان بمنى)

قال صاحب المدارك (رحمه‌الله): ©المراد بأيام التَّشريق: اليوم الحادي عشر والثَّاني عشر والثَّالث عشر من ذي الحِجّة، سُمِّيت بذلك لأنَّ لُحوم الأضاحي تشرّق فيها، أي تقدّد، أو لأنَّ الهدي لا ينحر حتَّى تشرق الشَّمس، ذكرهما في القاموس، وقد نقل المُصنِّف في المعتبر، وغيره إجماع علمائنا على تحريم صومها لمَنْ كان بمنى...®(3).

أقول: تسالم الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار على تحريم صوم أيام التَّشريق لمَنْ كان بمنى -إلَّا ما استُثني، كالقاتل في أشهر الحرم، فإنَّه يجب عليه صوم شهرَيْن من أشهر الحرم، وإن دخل فيها العيد وأيام التَّشريق- .

وتدلّ على ذلك -مضافاً للتَّسالم بين الأعلام- جملةٌ من الرِّوايات بلغت حدّ الاستفاضة:

منها: رواية الحسين بن زيد، عن الصَّادق، عن آبائه (عليهم‌السَّلام) ©أنَّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى عن صيام ستّة أيامٍ: يوم الفطر، ويوم الشَّكّ، ويوم النَّحر، وأيام التَّشريق®(4).

وهي ضعيفة؛ لأنَّ في إسناد الشَّيخ الصَّدوق إلى شُعيب بن واقد حمزة بن مُحمّد العلويّ، وهو مهمل.

كما أنَّ فيه عبد العزيز بن مُحمّد بن عيسى الأبهريّ، وهو غير مذكورٍ، كما أنَّ شُعيب بن واقد، غير موثّقٍ.

وأمَّا الحسين بن زيد، فهو أيضاً غير موثّقٍ، قال النَّجاشيّ (رحمه الله): ©الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين (عليهما‌السلام) أبو عبد الله يلقّب ذا الدّمعة، كان أبو عبد الله عليه‌السلام تبنّاه وربّاه وزوجه ببنت (بنت) الأرقط...®(5).

وكان يُلقّب ذا الدَّمعة لكثرة بكائه، روى يحيى بن الحسين بن زيد ©قال: قالت أمّي لأبي: ما أكثر بكائك! فقال: وهل ترك لي السَّهمان والنَّار لي سروراً يمنعني من البُكاء®، يعني بالسَّهمين اللَّذَيْن قُتل بهما أبوه وأخوه، تُوفي الحسين وله ستٌّ وسبعون سنةً.

__________________

(1)و(2) الوسائل باب3 من أبواب ديّات النَّفس ح3و4.

(3) المدارك: ج6، ص137.

(4) الوسائل باب1 من أبواب الصَّوم المُحرّم والمكروه ح4.

(5) رجال النَّجاشيّ: ص52.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo