< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

قوله: (وفي صيام بدلها قولان، أحوطهما: الوجوب)

هناك قولان في المسألة:

أحدهما: الوجوب، ذهب إليه الشَّيخ (رحمه‌الله) في النِّهاية، وموضع من المبسوط، وتبعه ابن حمزة (رحمه‌الله)، وحُكي عن الشَّيخ الصَّدوق (رحمه‌الله) أيضاً.

ثانيهما: عدم الوجوب، اختاره الشَّيخ أيضاً في الخلاف، وموضع من المبسوط، وكذا اختاره ابن البرَّاج، وأبو الصَّلاح، وابن إدريس، والمحقِّق، والعلَّامة (قُدِّس‌سِرُّهم)، وجمع من متأخِّري المتأخِّرين.

وظاهر المُصنِّف (رحمه‌الله) التوقُّف في المسألة، حيث قال: ©ولو وافقت نذره لم يصمها، وفي صيام بدلها قولاً، أحوطهما: الوجوب...®.

أقول: قدِ استدلّ للوجوب بروايتَيْن:

الأُولى: صحيحة عليّ بن مَهْزِيار -في حديث- ©قَاْل: كتبتُ اليه ـيعني: إلى أبي الحسن عليه‌السلام-: يا سيّدي! رجلٌ نذر أنْ يصومَ يوماً من الجُمعة دائماً ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطرٍ، أو أضحى، او أيّام التَّشريق، أو سفرٍ، أو مرضٍ، هل عليه صومُ ذلك اليوم ، أو قضاؤه؟ وكيف يصنع -يا سيّدي-؟ فكتب إليه: قد وضع الله عنه الصِّيام في هذه الأيام كلِّها، ويصوم يوماً بدل يوم -إن شاء الله-، وكتب إليه يسأله: يا سيّدي! رجلٌ نذر أن يصوم يوماً، فوقع ذلك اليوم على أهله، ما عليه من الكفَّارة؟ فكتب إليه: يصوم يوماً بدل يومٍ، وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ®(1).

قال في الوسائل: ©ورواه الشَّيخ بإسناده عن عليِّ بن مَهْزِيار، إلَّا أنَّه قال : يوم فطرٍ أو يوم جُمعةٍ...®(2).

وفاعل (كتب) هو بندار مولى إدريس الَّذي روى عنه ابن مَهْزِيار، ولا تضرُّ جهالته بعد اعتراف ابن مَهْزِيار بأنَّ المكتوب إليه هو الإمام (عليه‌السَّلام).

وهذه الرِّواية لا إشكال في صحّتها بطريق الشَّيخ (رحمه الله) في التهذيب(3)؛ لأنَّ إسناده إلى عليّ بن مَهْزِيار صحيحٌ.

وأمَّا طريق الكُلينيّ، فقد يُقال: إنَّها ضعيفة؛ لأنَّ الكُلينيّ (رحمه الله) ذكر هذه الرِّواية في باب النُّذور، وقال في الحديث العاشر: ©أبو علي الأشعريّ عن مُحمّد بن عبد الجبَّار، عن عليّ بن مَهْزِيار، قال: كتب بندار مولى إدريس: يا سيدي! نذرت أن أصوم كلّ يوم سبتٍ...® ، إلى آخر المكاتبة.

ثمَّ قال في الحديث الحادي عشر: ©وعنه عن عليّ بن مَهْزِيار قال: قلتُ لأبي الحسن (عليه‌السَّلام): رجلٌ جعل على نفسه...®، إلى آخر الرِّواية.

ثمَّ قال في الحديث الثَّاني عشر: ©مُحمّد بن جعفر الرزَّاز، عن مُحمّد بن عيسى، عن عليّ بن مَهْزِيار، مثله، وكتب إليه: يا سيدي! رجل نذر أن يصوم يوم الجمعة دائماً ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر، أو أضحى، أو أيام التَّشريق، أو السَّفر، أو مرض...®(4)، إلى آخر المكاتبة.

فيحتمل أن يكون سندها مُحمّد بن جعفر الرزَّاز، عن مُحمّد بن عيسى، عن عليّ بن مَهْزِيار، لتخلُّل هذا السَّند بين الرِّوايتَيْن، ومُحمّد بن جعفر الرزَّاز مجهول.

ولكنَّ الظّاهر: أنَّ سندها هو سند الحديث العاشر، وهو صحيح؛ لأنَّ الضَّمير في كتب راجع إلى بندار مولى إدريس.

والخُلاصة: أنَّ الرِّواية صحيحةٌ بكلا طريقَيْها.

وأمَّا الكلام عن متنها، فسيأتي -إن شاء الله تعالى- بعد ذِكْر الرِّواية الثانية.

وأمَّا الرِّواية الثَّالثة المستدل لها للوجوب: فهي مكاتبة القاسم بن أبي القاسم الصَّيقل ©قَاْل: كتبتُ إليه -يا سيدي!-: رجلٌ نذر أنْ يصومَ يوماً من الجُمعة دائماً ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطرٍ أو أضحى، أو أيام تشريق أو سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه، أو كيف يصنع -يا سيدي-؟ فكتب إليه: قد وضع الله عنك الصِّيام في هذه الأيام كلِّها، ويصوم يوماً بدل يومٍ -إن شاء الله تعالى-®(5).

وهي ضعيفة؛ لجهالة الكاتب والمكتوب إليه.

وقد أشكل على الرِّوايتَيْن: بأنَّ القضاء فيهما معلّقٌ على المشيئة بلفظ (إن)، فتُحملان على الاستحباب، كما عن فخر المحقِّقين (رحمه الله)؛ لأنَّ القضاء لو كان واجباً لم يعلّقه بالمشيئة بلفظ (إن)؛ لأنَّ (إن) يختصّ بالمُحتمل لا المُتحقِّق.

وفيه: أنَّ هذا التَّعليق للتّبرُّك، لا للشَّكّ؛ لوضوح أنَّه لا فرق بين الواجب والنَّدب في عدم التَّعليق على المشيئة.

وأشكل على خُصوص صحيحة ابن مَهْزِيار: بأنَّها مشتملةٌ على ما أجمع الأعلام على خلافه من مساواة يوم الجُمعة ليومي العيدَيْن في تحريم الصَّوم.

وفيه أوَّلاً: أنَّ يوم الجُمعة مذكورٌ في خُصوص رواية التَّهذيب دون الكافي، وهو أضبط من التَّهذيب بكثير؛ إذِ الموجود في التَّهذيب هكذا: ©فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر، أو أضحى، أو يوم جُمعة...®.

وأمَّا في الكافي، فلا يوجد ©أو يوم جمعة®.

وثانياً: لو سلَّمنا اشتمالها في رواية الكافي على يوم الجُمعة، إلَّا أنَّ هذا لا يضرُّ بالاستدلال بباقي الفقرات، كما نبّهنا على ذلك في أكثر من مناسبة.

وقدِ استُدلّ لوجوب القضاء أيضاً: بأنَّه نذر صوماً على وجه الطَّاعة ظاهراً، ولم يسلم له الزَّمان، فكان عليه القضاء؛ لانعقاد نذره، كما يلزم على المُسافر والمريض.

وأُجيب عنه: بأنَّ نذره لا ينعقد واقعاً إلَّا في الأيام الَّتي يصحُّ صومها شرعاً، وأمَّا ما لا يصحُّ صيامه فلا نقول: بانعقاد نذره فيه.

ولو قلنا: بوجوب قضاء اليوم المنذور على المسافر والمريض، فالفرق واضح؛ لصلاحيّة زمان السَّفر والمرض للصَّوم، وإنَّما رخَّص لهما في الإفطار للإرفاق بهما، وهذا بخلاف العيد وأيام التَّشريق، فإنَّ العيد زمان لا يقع فيه الصَّوم، وكذا أيام التَّشريق لمَنْ كان بمنى.

وبالجملة، فإنَّ هذا الدَّليل ليس تامًّا.

ولكنَّه لا يضرّ بما ذكرناه من وجوب القضاء؛ لصحيحة ابن مَهْزِيار المتقدِّمة؛ لأنَّ القضاء ليس تابعاً للأداء، وإنَّما هو بأمر جديد، والأمر موجود في صحيحة ابن مَهْزِيار.

وممَّا ذكرنا تعرف عدم صحَّة ما ذكره العلَّامة (رحمه الله) دليلاً لعدم وجوب القضاء، حيث قال في المنتهى: ©لو نذر صوم يوم بعينه، فظهر أنَّه العيد، أفطر إجماعاً، وهل يجب عليه قضاؤه أم لا؟ فيه تردد، أقربه: عدم الوجوب، لنا: أنَّه زمان لا يصحُّ صومه، فلا يتعلَّق النَّذر به، ولا أثر للجهالة؛ لأنَّه لا يخرج بذلك عن كونه عيداً، وإذا لم يجبِ الأداء سقط القضاء، أمَّا أوَّلاً: فلأنَّه إمَّا يجب بأمر جديد ولم يوجد، وأمَّا ثانياً: فلأنَّه يتبع وجوب الأداء، والمتبوع منتفٍ فيكون منتفياً®(6).

ووجه عدم صحَّة ما ذكره: هو أنَّ القضاء ليس تابعاً للأداء، بل هو بأمر جديد، وقد عرفت أنَّ الأمر موجود في صحيحة ابن مَهْزِيار المتقدِّمة، فقوله: ©بعدم وجوده®، غريب منه (رحمه الله).

والخُلاصة إلى هنا: أنَّ الأقرب وجوب القضاء عليه، والله العالم.

_________________

(1) الوسائل باب10 من أبواب كتاب النَّذر والعهد ح1.

(2) الوسائل، الحُرّ العامليّ: ج23 ص310.

(3) التَّهذيب: ج8، ص305، ح12.

(4) الكافي: ج7، ص456، ح10و11و12.

(5) الوسائل باب10 من أبواب من يصح منه الصوم ح2.

(6) المنتهى: ج2، ص616.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo