الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
45/07/10
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الصَّوم
أمَّا الأمر الأوَّل -أي إذا وقعت هذه الأُمور بدون بقصد واختيار-: فقدِ اتَّفق الأعلام قاطبةً على أنَّه إذا وقع بدون قصدٍ واختيارٍ، كالذُّباب الَّذي يطير إلى الحَلْق، وكما لو دخل شيءٌ في جوفه قهراً عند المضمضة، أو غيرها، وكما في الغُبار الَّذي يدخل من غير قصدٍ -بناءً على مفطريّة الغُبار- فإنَّه لا يفسد الصَّوم.
وفي الجواهر: ©فإنَّه لا يفسد الصَّوم بأقسامه قولاً واحداً ونصوصاً...®.
ويدلّ على عدم الإفساد -مضافاً للتَّسالم بين الأعلام-: بعض الرِّوايات المتقدِّمة.
مثل صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه (عليهالسَّلام) ©قَاْل: سألتُه عن الرَّجل يستاك، وهو صائم، فيقيء، ما عليه؟ قَاْل: إنْ كان تقيَّأ مُتعمِّداً فعليه قضاؤه، وإن لم يكن تعمَّد ذلك فليس عليه شيءٌ®(1).
فقوله (عليهالسَّلام): ©وإن لم يكن تعمُّد®، أي ليس قاصداً، بل حصل ذلك منه قهراً، وكذا ما ورد في بعض المفطرات أيضاً، حيث صرَّحت بكون ذلك بصورة العمد، فلا حاجة للإعادة.
وقدِ استدلّ أيضاً: بالرِّوايات الَّتي دلَّت على قضاء مَنْ أفطر مُتعمِّداً، حيث يُفهم منها أنَّه إذا كان ذلك بغير عمدٍ وقصد فلا قضاء:
منها: موثَّقة سُماعة ©قَاْل: سألتُه عن رجلٍ أتى أهله في شهر رمضان مُتعمِّداً؟ قَاْل: عليه عِتْقُ رقبةٍ، أو إطعامُ ستِّين مسكيناً، أو صومُ شهرَيْن متتابعَيْن، وقضاءُ ذلك اليوم، ومن أين له مثل ذلك اليوم®(2).
ومضمرات سُماعة مقبولة، وكذا غيرها من الرِّوايات الواردة في المقام.
إلَّا أنَّ الإشكال في هذه الرِّوايات: أنَّ التَّقييد بالعمد كان في كلام السَّائل، لا في كلام الإمام (عليهالسَّلام)، فلا يصلح لتقييد وجوب القضاء على مَنْ أفطر مطلقاً، سواء أكان عن عمل أم لا.
نعم، في رواية المشرقيّ عن أبي الحسن (عليهالسَّلام) ذكر التَّقييد بالعمد في كلام الإمام (عليهالسَّلام) ©قَاْل: سألتُه عن رجلٍ أفطر في شهر رمضان أياماً مُتعمِّداً ما عليه من الكفَّارة؟ فكتب: مَنْ أفطر يوماً من شهر رمضان مُتعمِّداً، فعليه عِتْق رقبة مؤمنة، ويصوم يوماً بدل يوم®(3).
ولكن أُشكل هذه الرِّواية بإشكالَيْن:
الأوَّل: أنَّها ضعيفة؛ لأنَّ المشرقيّ -الَّذي هو هشام بن إبراهيم، أو هاشم بن إبراهيم، على الخلاف في ضبط الاسم- غير موثّقٍ، بل فيه طعن.
الثَّاني: أنَّ الجزاء فيها مجموع الحُكمَيْن، وهما القضاء والكفَّارة، حيث قال (عليهالسَّلام): ©مَنْ أفطر يوماً من شهر رمضان مُتعمِّداً فعليه عِتْقُ رقبةٍ مؤمنةٍ، ويصوم يوماً بدل يومٍ®.
ومفهومه: أنَّ مَنْ لم يكن مُتعمِّداً فليس عليه مجموع الحُكمَيْن، أي أنَّ المنفيّ هو المجموع المُركَّب منهما، فالقضاء وحده ليس منفيًّا عند عدم التّعمُّد.
وبالنَّتيجة: لا يدلّ على تقييد القضاء بالعمد.
وفيه: أنَّ المفهوم عرفاً من جواب الإمام (عليهالسَّلام) أنَّ القضاء باستقلاله مترتّب على الشَّرط، وهو الإفطار العمديّ، وكذا الكفَّارة باستقلالها مترتّبة على الشَّرط.
وبالجملة، فيُفهم من الجواب أنَّ مَنْ لم يتعمّد فليس عليه قضاء، ولا كفاّرة.
والَّذي يهوِّن الخطب: أنَّ الرِّواية ضعيفة.
وعليه، فالعمدة في الرِّوايات هي صحيحة عليّ بن جعفر المُتقدِّمة، ونحوها ممَّا ورد في بعض المفطرات.
والعُمدة في أساس الحكم هو التَّسالم، والله العالم.
أمَّا الأمر الثَّاني -أي إذا وقعت هذه الأُمور سهواً عن الصِّيام، أي ناسياً له-: المعروف بين الأعلام أنَّه إذا تناول المفطر سهواً عن الصَّوم، أي ناسياً أنَّه صائم لم يفسد صومه، سواء أكان واجباً أو ندباً، فلا يترتّب عليه قضاء، ولا كفارة.
وفي الجواهر: ©بلا خلاف أجده فيه، كما عن المنتهى الاعتراف بذلك، قال: لا خلاف بين علمائنا في أنَّ النَّاسي لا يفسد صومه، ولا يجب عليه قضاء ولا كفَّارة بفعل المفطر ناسياً...®.
وعن النَّراقيّ (رحمه الله) في مستنده دعوى الإجماع المحقق، وحكاه عن بعض.
أقول: تدلّ عليه -مضافاً للتَّسالم بين الأعلام- جملةٌ من الرِّوايات المستفيضة:
منها: صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليهالسَّلام) ©أنَّه سئل عن رجلٍ نسي فأكل وشرب، ثمَّ ذكر؟ قَاْل: لا يفطر إنَّما هو شيءٌ رزقه الله فليتمّ صومه®(4).
ومنها: موثَّقة عمَّار بن موسى ©أنَّه سأل أبا عبد الله (عليهالسَّلام) عَنِ الرَّجل ينسى، وهو صائم، فجامع أهله؟ فقال: يغتسل، ولا شيء عليه®(5).
ومنها: صحيحة زُرارة عن أبي جعفر (عليهالسَّلام) ©في المحرم يأتي أهله ناسياً؟ قَاْل: لا شيء عليه إنَّما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان وهو ناسٍ®(6).
________________
(1) الوسائل باب29 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح10.
(2)و(3) الوسائل باب8 من أبواب ما يمسك عنه الصَّائم ح13و11.
(4)و(5)و(6) الوسائل باب9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح1و2و4.
(6) الوسائل باب9 من أبواب ما يمسك عن الصائم ح6.