< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/07/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

ومنها: موثَّقة سُماعة قَاْل: سألتُه عن رجل صام في شهر رمضان، فأكل وشرب ناسياً؟ قال: يتمّ صومه، وليس عليه قضاؤه®(1).

ومنها: صحيحة مُحمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه‌السَّلام) ©قال: كان أمير المؤمنين (عليه‌السَّلام) يقول: مَنْ صام فنسي، فأكل أو شرب، فلا يفطر من أجل أنَّه نسي، فإنَّما هو رزقٌ رزقه الله تعالى فليتمّ صيامه®(2).

ومنها: رواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) ©في الرَّجل ينسى، ويأكل في شهر رمضان؟ قال: يتمّ صومه فإنَّما هو شيءٌ أطعمه الله®(3).

ولكنَّها ضعيفة بسهل بن زياد، وكذا غيرها.

ثمَّ إنَّ هذه الرِّوايات موردها الأكل والشُّرب والجُماع، وإتيان الأهل، فهي مختصّة بها، ولم ترد في غيرها من المفطرات، إلَّا أنَّه يمكن التَّعميم لجميع المفطرات بصحيحة مُحمّد بن قيس، حيث علَّلت ذلك بالنِّسيان، فيطّرد في الجميع، حيث ورد فيها: ©مَنْ صام، فنسي، فأكل وشرب، فلا يفطر من أجل أنَّه نسي...®.

فالتَّعليل بالنِّسيان يدلّ على شُمول الحكم لجميع المفطرات.

أضف إلى ذلك: أنَّ العرف يفهم عدم الخُصوصية لهذه الأُمور الثَّلاثة المذكورة في الرِّوايات، بل كثير من النَّاس لا يعرفون الصَّوم إلَّا عبارة عن ترك الأكل والشُّرب.

ومهما يكن من شيء، فالأمر واضح، والله العالم.

الأمر الثَّالث: إذا وقعت هذه الأُمور عن عمد -أي قصد واختيار- فهناك خمسة أقوال:

الأوَّل: أنَّه يفسد إذا وقعت هذه الأمور عن عمد واختيار، سواء أكان عالماً بالحكم -أي عالماً بكونه مُفطِّراً- أو كان جاهلاً بذلك، وسواء أكان الجهل عن تقصير أو قُصور.

ونُسِب في المدارك القول بعدم الفرق بين الجاهل والعالم إلى الأكثر، فقال -بعد أن نفي الرَّيب عن فساد صوم العامد العالم بذلك- ما لفظه: ©وإنَّما الخلاف في الجاهل، فذهب الأكثر إلى فساد صومه كالعالم®(4).

وظاهر المشهور أنَّه يجب عليه القضاء والكفَّارة؛ لإطلاق ما دلّ على وجوبهما.

الثَّاني: ما عن الشَّيخ (رحمه الله) في التَّهذيب وابن إدريس في السَّرائر أنَّه لا قضاء ولا كفَّارة على الجاهل.

قال ابن إدريس في السَّرائر: ©لو جامع أو أفطر جاهلاً بالتحريم ، فلا يجب عليه شيء…®.

ونحوه الشَّيخ (رحمه الله) في التَّهذيب، وإطلاق كلامهما يقتضي سُقوط القضاء والكفَّارة.

الثَّالث: ما عن المُحقِّق (رحمه الله) في المُعتبر ©الَّذي يقوى عندي فساد صومه، ووجوب القضاء، دون الكفّارة®(5).

قال صاحب المدارك (رحمه الله) : ©وإلى هذا القول ذهب أكثر المتأخِّرين، وهو المُعتمد®.

الرَّابع: قال في الجواهر: ©وربّما كان التَّفصيل بين الجاهل المُقصّر في السُّؤال، فيجب عليه القضاء والكفَّارة، وبين غير المُفطّر لعدم تنبّهه، فلا يجب الكفَّارة خاصَّة، واختاره بعض مشايخنا…®.

ثمَّ إنَّه رجَّح في ذيل كلامه هذا القول.

الخامس: واختاره الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه الله)، وهو هذا التَّفصيل، ولكن لم يُوجب على القاصر القضاء ولا الكفارة.

إذا عرفت ذلك، فنقول: أمَّا مَنْ ذهب إلى القول الأوَّل، -وهو فساد الصَّوم مطلقاً– فقد استدل له: بأنَّه يُفهم من إطلاق الأدلَّة أنَّ الإمساك عن المفطرات داخل في ماهية الصَّوم، بل لا معنى للصَّوم إلَّا الإمساك عن تلك الأشياء، فيمتنع تحقُّق مفهومه بدونه.

وأمَّا تحقُّقه من النَّاسي للصَّوم فهو تعبُّد شرعيّ، فصوم مَنْ أكل وشرب ناسياً صوم حُكميّ، لا حقيقيّ.

ويدلّ أيضاً على فساد الصَّوم مطلقاً: هو أنَّ تقييد مفطريّة المفطرات بالعلم بالمفطريّة الرَّاجع إلى اشتراط وجوب الإمساك عنها بالعلم بوجوبه هو أمر مستحيل لاستلزامه الدَّور.

وبالجملة، فإنَّ تقييد الحكم بالعلم به بأن يُؤخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه مستحيل ؛ للزوم الدَّور.

وأمَّا ما ذكره الميرزا النَّائينيّ (رحمه الله) من إمكان تصحيح أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه بواسطة مُتمِّم الجعل، كما في مسألة قصد امتثال الأمر، فليس تامًّا؛ إذ لا يمكن حلُّ إشكال الدَّور بالنِّسبة إلى أَخْذ العلم بالحكم في موضوع نفسه، وتصحيحه بتتميم بالجعل؛ وذلك لأنَّه مختلف عن مسألة قصد امتثال الأمر؛ إذ يمكن حلُّه هناك بالأمر، حيث يقول المولى: صلّ، فيكون الأمر قد تعلَّق بالصَّلاة بما هي، ثمَّ يقول ثانيا: صلِّ، بقصد امتثال الأمر الأوَّل، فيكون هذا الأمر الثَّاني قد تعلّق بقصد امتثال الأمر الأوَّل، وبالتَّالي توقَّف عليه، ولكنَّ قصد امتثال الأمر الأوَّل لم يتوقَّف على هذا الأمر الثَّاني، فينحلّ الدَّور.

وأمَّا هنا، فلا يمكن انحلال الدَّور، فلو قال: صلِّ، ثمَّ قال: تجب الصَّلاة على العالمين بها، فيكون الوجوب متوقِّفاً على العلم به، والعلم به متوقِّفٌ على الحكم نفسه، فلا ينحلّ الدَّور؛ لأنَّ المشكلة هنا ليست في الخطاب لتنحلّ بخطاب آخر، بل المشكلة في الحكم.

____________________

(1)و(2) الوسائل باب9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح1و2و4و5و9.

(3) الوسائل باب9 من أبواب ما يمسك عن الصائم ح6.

(4) المدارك: ج6 ، ص66.

(5) المعتبر: ج2، ص662.

 

إن قلت: إنَّ هناك بعض الأحكام مقيّدةٌ بالعلم، فتكون مختصّةً بخصوص العالمين بها.

ومعنى ذلك: أنَّه لا محذور في أَخْذ العلم بالحكم في موضوع نفسه، وأنَّه لا يلزم الدَّور، كما فيما لو صلَّى إخفاتاً في موضع الجهر أو العكس جهلاً، ولو كان الجهل عن تقصير، فإنَّها تصحّ صلاته.

كما في صحيحة زُرارة عن أبي جعفر (عليه‌السَّلام) ©في رجلٍ جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال: أيّ ذلك فعل مُتعمِّداً فقد نقض صلاته، وعليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسياً، أو ساهياً، أو لا يدري، فلا شيء عليه، وقد تمَّت صلاته®(1).

فهذا يكشف عن أنَّ موضوع وجوب الإخفات والجهر مقيّدٌ بالعلم بهما.

____________________

(1) الوسائل باب26 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح1.

(2) الوسائل باب17 من أبواب صلاة المسافر ح4.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo