< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/07/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

إن قلت: إنَّ النِّسبة بين هاتَيْن الرِّوايتَيْن، وإطلاق أدلَّة المفطريّة، هي العموم والخُصوص من وجه؛ إذ الرِّويتان خاصّتان بالجاهل وعامّتَيْن من حيث القضاء والكفَّارة.

وأمَّا أدلَّة المُفطرِّيّة، فإنَّها خاصَّة بالقضاء، وعامَّة من حيث العالم والجاهل، فيجتمعان بالجاهل من حيث الحكم بالقضاء، فإنَّه غير واجبٍ بمقتضى الرِّوايتَيْن، وواجب بمقتضى إطلاق أدلَّة المُفطرِّيّة.

وقد ذكر بعضهم أنَّ التَّرجيح لإطلاق أدلَّة المُفطريّة؛ وذلك للشُّهرة الفتوائيّة.

وفيه: أنَّ الشُّهرة الفتوائيّة لا تصلح للتَّرجيح، كما لا يخفى.

وقيل: إنَّه مع عدم التَّرجيح، فاللَّازم الَّذهاب إلى التَّساقط، وبعد التَّساقط نرجع إلى الأصل العمليّ، والأصل يقتضي نفي المُفطرِّيّة.

وتكون النَّتيجة: هي عدم فساد الصَّوم بارتكاب المفطر جهلاً، سواء أكان الجهل عن قُصور أم تقصير.

قلتُ: مقتضى الإنصاف هو تقديم أدلَّة المُفطرِّيّة؛ وذلك لأمرَيْن:

الأوَّل: ما ذكرناه من أنَّه لا يمكن تقييد أدلَّة المُفطرِّيّة بصورة العلم بالحكم، أي العلم بكونه مُفطِّراً؛ لما عرفت من لُزوم الدَّور.

الثَّاني: أنَّ الرِّوايتَيْن المُتقدِّمتَيْن لا تشملان القضاء، بل تختصّان بنفي الكفَّارة فقط؛ وذلك لأنَّ المنفيّ فيهما حال الجهل هو الأثر المترتِّب على الفعل، وأنَّه ليس عليه شيءٌ من جهة الفعل الصَّادر عن جعل، والأثر المُترتِّب على الفعل -وهو الإفطار- هو الكفَّارة فقط، فهي المنفيّ.

وأمَّا القضاء، فليس هو من آثار الفعل حتَّى يكون منفيًّا، وإنَّما هو من آثار ترك الصَّوم وعدم الإتيان به.

وبالجملة، فهو أثر للعدم لا للوجود، والرِّوايتان المُتقدِّمتان لم تتعرّضا للآثار المُرتِّبة على عدم الصَّوم.

والنَّتيجة إلى هنا: أنَّ القول الثَّاني ليس تامًّا.

وأنَّ الأقوى: عدم الفرق في وجوب القضاء بين العالم والجاهل بالحكم قاصراً كان أم مُقصِّراً.

وأمَّا الكفّارة، فقد ذكر صاحب المدارك (رحمه الله) أنَّه ©لا دلالة في شي‌ءٍ من الرِّوايات الَّتي وصلت إلينا في هذا الباب على تعلُّق الكفَّارة بالجاهل؛ إذِ الحكم وقع فيها معلّقاً على تعمُّد الإفطار، وهو إنَّما يتحقَّق مع العلم بكون ذلك الفعل مُفسداً للصَّوم، فإنَّ مَنْ أتى بالمفطر جاهلاً كونه كذلك لا يصدق عليه أنَّه تعمّد الإفطار، وإن صدق عليه أنَّه مُتعمّد لذلك الفعل...®(1).

ويرد عليه: أوّلاً: أنَّ تعمُّد الإفطار يتناول الجاهل؛ ضرورة صدقه على مَنْ أكل المفطر في الواقع، وإن لم يعلم أنَّه كذلك.

وثانياً: أنَّ مقتضى إطلاق كثير من الرِّوايات ترتّبها على مَنْ تناول المفطر مطلقاً، عالماً كان أم جاهلاً:

منها: موثَّقة سُماعة ©قال: سألتُه عن رجلٍ لزق بأهله، فأنزل؟ قال: عليه إطعام ستِّين مسكيناً، مُدّ لكلّ مسكينٍ®(2)، ومضمرات سُماعة مقبولة.

ومنها: صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج ©قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرَّجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتَّى يُمني؟ قَاْل: عليه من الكفَّارة مثل ما على الَّذي يُجامع®(3)، وكذا غيرها.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّها لا تجب على الجاهل، سواء أكان قاصراً أم مُقصِّراً -إلَّا الجاهل المُلتفت المُتردِّد بين الأمرَيْن، بحيث لا يدري أنَّ هذا مفطر أم لا، كما سيأتي إن شاء الله تفصيله-؛ وذلك لموثَّقة أبي بصير وزُرارة المتقدِّمة ©قالا جميعاً: سألنا أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجلٍ أتى أهله في شهر رمضان، وأتى أهله، وهو مُحرّم، وهو لا يرى إلَّا أنَّ ذلك حلالٌ له؟ قَاْل: ليس عليه شيءٌ®(4).

قلنا سابقاً: إنَّما المراد بـ (ليس عليه شيءٌ)، أي ليس عليه كفّارة، وهي شاملة للجاهل القاصر والمُقصِّر، ولا موجب لتخصيصها بالقاصر.

نعم، موردها مَنْ كان قاطعاً بالحلّ غير المُلتفِت، أو الجازم بالخلاف، ولو كان عن تقصيره في ترك التّعلُّم، فلا تشمل الجاهل المُلتفِت المُتردِّد المُقصِّر في الفحص والسُّؤال.

فالأقوى: وجوب الكفَّارة؛ لإطلاقات أدلَّة الكفَّارة.

وممَّا ذكرناه يتَّضح لك ما في بقيّة الأقوال، والله العالم.

***

 

قوله: (وإن كان في النَّفل؛ للرِّواية)

المعروف بين الأعلام أنَّه لا فرق في عدم إفساد الصَّوم بارتكاب المفطر سهواً بين جميع أقسام الصَّوم الواجب والمندوب، والمعين وغيره.

وهو أيضاً قضية إطلاق أغلب الروايات فما عن العلامة (رحمه‌الله) في التذكرة من أنَّه يفسد الصَّوم في ارتكاب المفطر سهواً في الواجب غير المعين، والمندوب في غير محله؛ لما عرفت من إطلاق أغلب الروايات.

ولخصوص مُعتبرة أبي بصير الواردة في الصَّوم المندوب ©قَاْل: قلتُ لأبي عبدالله (عليه‌السلام): رجلٌ صام يوماً نافلةً، فأكل وشرب ناسياً؟ قَاْل: يتمُّ يومه ذلك، وليس عليه شيءٌ®(5).

والموجود في السَّند هو وهيب بن حفص الثِّقة لا وهب بن حفص غير الموثَّق.

***

 

قوله: (علماً وجهلاً)

هذا تعميم لإفساد الصَّوم علماً وجهلاً، وقد عرفت الدَّليل على ذلك في الأمر الثَّالث من الأمور الثَّلاثة المُتقدِّمة، فراجع.

_______________

(1) المدارك: ج6، ص67.

(2) الوسائل باب8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح12.

(3) الوسائل باب4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح1.

(4) الوسائل باب9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح12.

(6) الوسائل باب9 من أبواب ما يمسك عنه الصَّائم ح10.

 

***

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo