< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم (9)

 

إذا عرفت ذلك، فقد استدل للقول الأول -أي عدم الإفساد الَّذي ذهب إليه الأكثر- بأربعة أدلة:

الأول: الأصل، أي الأصل عدم المفطرية بالإكراه.

وفيه: أنَّ الأصل منقطع بالدليل على الإفساد، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الثاني: أنَّه يشارك الناسي في عدم الإثم بالتناول.

وفيه: أنَّ المشاركة للناسي في عدم الإثم لا توجب المشاركة في عدم القضاء لحرمة القياس عندنا.

الثالث: أنَّ أدلة المفطرات منصرفة إلى غير المكره.

وفيه: أنَّ دعوى الانصراف تحتاج إلى إثبات ودونها خرط القتاد.

الرابع: حديث الرفع، كما في صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) ©قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه...®(1).

وأحمد بن مُحمّد بن يحيى العطار الواقع في السند، والذي هو شيخ الصدوق، وإن لم يوثق بالخصوص، إلَّا أنَّه من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته.

قالوا: والمراد رفع حكمها، ومن جملته القضاء والكفارة.

وقد أشكل عليه الشهيد الثاني في المسالك بأنَّ المراد من الرفع هو رفع المؤاخذة فقط، ووافقه صاحب الجواهر (رحمه الله).

قال صاحب المسالك (رحمه الله): ©و قد تقرَّر في الأصول أنَّ المراد برفع الخطأ، وقسيمَيْه، في الحديث، رَفْع المؤاخذة عليها، لا رفع جميع أحكامها، ومثله الإفطار في يوم يجب صومه للتَّقيّة أو التَّناول قبل الغُروب لها®(2).

أقول: ذكرنا في محله أنَّ المراد رفع مطلق الآثار الشَّرعيّة القابلة للرفع الَّتي لولا الرفع لوقع المكلف بسببها في المشقة.

نعم، حديث الرفع يرفع التكليف، ولا يثبت تكليفاً آخر، ففي مقامنا لما أكره المكلف على تناول الأكل أو الشرب أو أي شيء من المفطرات ، فالتكليف المتعلق بالإمساك عن المفطرات، والتي منها ما أكره عليه قد ارتفع بسبب الإكراه، وإثبات تكليف آخر متعلق بالإمساك عن باقي المفطرات يحتاج إلى الدليل، وهو مفقود، وحديث الرفع لا يتكفله؛ إذ شأنه الرفع لا الإثبات.

وعليه، فلا يمكن إثبات الصحة، أي صحة الإمساك عن باقي المفطرات بحديث الرفع.

إن قلت: إنَّ إثبات الصحة بحديث الرفع، وإن كان غير ممكن، إلَّا أنَّه يمكن نفي القضاء بحديث الرفع والقضاء من الآثار الشَّرعيّة.

قلت: إنَّه لا يمكن نفي القضاء بحديث الرفع؛ لأنَّ المنفي بالحديث هو آثار الفعل الَّذي ارتكبه عن إكراه والقضاء، وليس مترتباً على فعل المفطر حتَّى ينتفي الإكراه، بل القضاء مترتب على عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، فهو أثر للعدم لا للفعل ، فلا يرفتع بحديث الرفع.

والخلاصة: أنَّ هذا الدليل الرابع ليس تاما.

وأمَّا ما ورد في إكراه الزوجة على الجماع من أنَّ على الزوج كفارتين، فمع قطع النظر عن ضعف سنده -كما سنذكره قريباً إن شاء الله تعالى- فلا يدل على عدم إفطارها وأنَّ صومها صحيح، بل التأمل فيه يدل على أنَّها أفطرت بقرينة تعدد الكفارة.

والنتيجة في نهاية المطاف: أنَّ ما ذهب إليه الأكثر من الإفساد بارتكاب المفطر إكراهاً في غير محله، بل الصحيح هو فساد صوم المكره.

وعليه، القضاء؛ وذلك لأنَّ إطلاقات الأدلة الدالة على وجوب القضاء عند تناول شيء من المفطرات تشمل ما نحن فيه.

أضف إلى ذلك: أنَّ حقيقة الصَّوم ليست إلَّا الإمساك عن المفطرات، وهو غير متحقق فيما نحن فيه؛ إذ الصَّوم عند المتشرعة هو الإمساك ، وعدم حصول المفطر.

وأمَّا صحة صوم من أفطر نسياناً أو عن غير عمد ، فهو في الواقع في حكم الصَّوم، لا أنَّه صوم حقيقة.

وبالجملة، فلولا الدليل الَّذي دلّ على عدم القضاء في مورد النسيان وغير العمد لكان مقتضى الإنصاف هو القضاء.

وبعبارة أخرى: أنَّ من أكل وشرب في اليوم ولو نسياناً فضلا عمَّا لو صدر منه ذلك عمداً لا يصح أن يقال: إنَّه صام عن الطعام والشراب، إلَّا أن يدل عليه دليل تعبُّدي ، فيكون في حكم الصَّوم، كما ورد في الناسي وغير العامد.

___________________

(1) الخِصال: ج2، ص417.

(2) المسالك: ج2، ص20.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo