< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/07/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم (10)

 

وقد استدل صاحب الجواهر (رحمه الله) لفساد صوم المكره ووجوب القضاء بما دلَّ على حكم اليوم الذي يفطر فيه للتقيَّة، قال: ©إذ هو في معنى الإكراه، كمرسل رفاعة عن الصَّادق عليه‌السلام أنَّه قال: «دخلتُ على أبي العبَّاس بالحيرة، فقال: يا أبا عبد الله! ما تقول في الصِّيام اليوم؟ فقلتُ: ذلك إلى الإمام إنْ صمتَ صُمنا، وإن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام! عليَّ بالمائدة فأكلت‌ معه، وأنا أعلم والله! أنَّه من شهر رمضان، فكان إفطاري يوماً وقضاؤه أيسر عليَّ أن يضرب عنقي، ولا أعبد الله»(1)، وفي آخر: «أفطر يوماً من شهر رمضان أحبُّ إليَّ من أن يضرب عنقي»(2)، حيث أطلق عليه اسم الإفطار...®(3)، إلى آخر ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله).

أقول: لولا ضعف الروايتين الأولى بالإرسال، وبسهل بن زياد، والثانية بالإرسال، لكان ما ذكره في محله.

ثم لا يخفى أنَّ التقية في مورد الروايتين إنما هي بالتطبيق، فقوله (عليه السَّلام) في مرسلة رفاعة: ©ذاك إلى الإمام...®، هو بيان للحكم الواقعي.

نعم، حصلت التقية في قوله (عليه السَّلام): ©إن صمت صمنا...®، حيث طبَّق الإمام (عليه السَّلام) الإمامة على أبي العباس تقية.

ثمَّ إنه ذكرنا في مبحث الطهارة في باب الوضوء جملة من العناوين والأحكام المتعلقة بالتقية، وقلنا: إنها تارة: تجزي، ولا تجب الإعادة أو القضاء معها.

وأخرى: لا تجزي، فإذا أتى بالعمل المتقى به في مقام الامتثال، ولكنه كان ناقصاً؛ لفقدانه جزءًا أو شرطاً، أو لاشتماله على المانع فيكون مجزياً.

وأما إذا أدَّت التقية إلى ترك الصلاة رأساً، فلابد من إعادتها في الوقت أو قضائها خارج الوقت.

ثمَّ إنه وقع الخلاف بين الأعلام في بعض الموارد هل أنها من باب الترك العمل رأساً أو من باب الإتيان بالعمل الناقص؛ وذلك كالإفطار في آخر يوم من شهر رمضان تقية اعتماداً على حكم حاكم المخالفين، وكالإفطار قبل الغروب أو استعمال ما لم يكن مفطراً عندهم.

وقد ذهب المحقق الهمداني (رحمه الله) في باب الوضوء إلى أنَّ الإفطار قبل الغروب كالإفطار في يوم حكم أهل الخلاف فيه بكونه عيداً، فيكون مفسداً للصوم إلا أن يل دليل خاص على خلافه.

وقد فصل السيد محسن الحكيم (رحمه الله) في المستمسك في باب الوضوء، فجعل الإفطار قبل الغروب تقيةً، كاستعمال ما لم يكن مفطراً عندهم من باب أداء العمل الناقص، فيكون مجزيّاً، لا من باب ترك العمل رأساً.

وهذا بخلاف الإفطار في يوم حكم قاضي المخالفين بكونه عيداً، فإنه ترك للعمل رأساً، فلابد من القضاء.

أقول: ما ذكره (رحمه الله) من كون الإفطار قبل الغروب كاستعمال ما لم يكن مفطراً عندهم، فيكون من قبيل أداء العمل الناقص، وبالتالي يكون مجزياً في مقام الامتثال، ففي غاية الصحة والمتانة.

وأما جعله (رحمه الله) الإفطار آخر شهر رمضان من باب ترك العمل رأساً، كما لو حكم قاضي السنة بكونه عيداً.

فالإنصاف: يقتضي التفصيل فيه، فإن كان الإفطار في يوم العيد عندهم فترة من الزمن لمقدار ساعة أو أقل أو أكثر حسب ما تقضيه التقية، فلابد من القول بكون ذلك كالإفطار قبل الغروب، فيكون من باب الإيتان بالعمل الناقض، فالإفطار صباحاً أول النهار في فترة قصيرة للتقية، كالإفطار آخر النهار غير مضر بصحة الصوم، ولا موجب للقضاء.

وأما إذا اقتضت التقية الإفطار كل النهار، كما لو اقتضى الحال أن يبقى معهم طول النهار، ففي هذه الصورة يصدق عليه ترك العمل رأسا، ولا موجب لعدم القضاء.

نعم، قد يستدل لوجوب القضاء في صورة الإفطار معهم، ولو في جزء من النهار في اليوم الذي حكموا فيه بونه عيداً بالمرسلتين المتقدمتين.

ولكنهما ضعيفتان، كما عرفت.

ومهما يكن، فإنَّ الفرق بين مسألة الإكراه والتقية واضح.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ من قبيل أداء العمل الناقص الوقوف في عرفة في اليوم التاسع من أيام الحج اعتمداً على حكم المخالفي، فإنه يزئ ولو لم يقف في اليوم التاسع عندنا، بلا فرق بين صورتي العلم بالمخالفة للواقع وعدمه، كما أنا استدللنا على صحة ذلك مطلقاً في باب الحج بمعتبرة أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السَّلام) ، فراجع.

ثمَّ إنَّ المدار في حصول صدق اسم الإكراه المجوز للإفطار هو خوف الضرر بمخالفة المكره بما لا يتحمل في العادة من تلف نفس أو قال: أو هتك عرض، ونحوها.

فما عن المصنف رحمه الله من أنَّ ذلك إنما يسوغ عند خوف التلف لعله أراد به مجرد التمثيل ، وغلا فلا ينحصر صدق اسم الإكراه بذلك، والله العالم.

***

 

قوله: (ولو أكره زوجته تحمّل عنها الكفارة لا القضاء)

قال صاحب الحدائق رحمه الله: ©قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف بان من أكره زوجته على الجماع في نهار شهر رمضان و هما صائمان فإن عليه كفارتين و لا كفارة عليها، و نقل المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى الإجماع على ذلك...®(4).

وقال صاحب الجواهر (رحمه الله) –تعليقاً على قول المحقق كان عليه كفارتان-: ©وتعزيران مجموعهما خمسون سوطا ، ولا قضاء عليها إن كان برفع الاختيار ، بل وبغيره في المشهور ، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه...®(5).

وفي المدارك: ©ونُقِل عن ظاهر ابن أبي عقيل أنَّه أوجب على الزَّوج مع الإكراه كفَّارة واحدة، كما في حال المطاوعة، وهو غير بعيدٍ، خُصوصاً على ما ذهب إليه الأكثر من عدم فساد صوم المرأة بذلك، فينتفي المقتضي للتَّكفير...®.

 

أقول: لا إشكال فيما لو كانت مطاوعة له، فإنه يفسد صومهما، وعلى كل واحد منهما كفارة عن نفسه، ويعزران كان كل منهما بخمسة وعشرين سوطاً.

وأما لو أكرهها على الجماع، فيقع الكلام في امرين:

الأول: فيما تقتضيه القاعدة لو لم يوجد نصّ في المقام.

الثاني: فيما يقتضيه النص.

أما الأمر الأول: فمقتضى القاعدة أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة، وتعزير عن نفسه، ولا يتحمل عنها الكفارة، ولا التعزير، فإنَّ التحمُّل على خلاف القاعدة؛ إذ كل إنسان يتحمل تبعات فعل نفسه، لا فعل غيره، إلا مع الدليل الخاص، والكلام فيما تقتضيه القاعدة.

______________

(1)و(2) الوسائل باب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصَّائم ح5و4.

(3) الجواهر: ج 16، ص259.

(4) الحدائق: ج13، ص234.

(5) الجواهر: : ج16، ص308.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo