< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/07/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم

إذن، يقع الكلام في صورتَيْن:

الأُولى: في جواز إكراهها على الجماع.

ذكر جملة من الأعلام أنَّه لا يجوز له إكراهها على الجماع.

منهم صاحب المدارك (رحمه الله)، حيث قال: فالأصحّ التَّحريم؛ لأصالة عدم جواز إجبار المسلم على غير الحقّ الواجب عليه.[1]

وبالجملة، فإنَّه ليس لأحد السَّلطنة على غيره بإكراهه، وإجباره على فعل شيءٍ أو تركه، إلَّا لأجل أخذ حقِّه الثَّابت له عليه.

ومن هنا، جاز له إكراه وإجبار المديون على أداء الدَّين، فيما لو امتنع من ذلك.

ولكن قد يُستشكل في مقامنا هنا: باعتبار أنَّ الزَّوج له حقُّ الانتفاع بالبضع، فيجوز له إكراه الزَّوجة الممتنعة عن أداء هذا الحقّ.

ومن جهة أخرى: أنَّه لا يجوز لها تمكين الزَّوج من الجُماع؛ لحرمة الإفطار عليها عمداً.

ولا تجب عليها الإطاعة هنا؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

والإنصاف: أنه لا يوجد عندنا دليلٌ يدلّ على ثبوت حقِّ الانتفاع بالبضع للزَّوج مطلقاً، وفي جميع الأحوال، وذلك لأنَّ إطلاق وجوب الإطاعة مقيّدٌ بغير المعصية؛ للنَّبويّ المعروف بين الفريقَيْن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.[2]

وهذه الرِّواية، وإن كانت ضعيفةً بالإرسال، وذكرنا في كتاب الحجّ أنَّ الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) ذكر هذه الرِّواية في موضعَيْن:

الأوَّل: في كتابه مَنْ لا يحضره الفقيه، بطريق ضعيف.

والثَّاني: في الخصال، بسند ضعيف.

وبالجملة، فجميع طُرق هذه الرِّواية ضعيف السَّند.

إلَّا أنَّ مضمونها موافقٌ للواقع؛ إذ لا يُعقل إطاعة المخلوق في المورد الَّذي يكون فيه معصية للخالق، فراجع ما ذكرناه هناك[3]

ويؤيِّد ما ذكرناه: ما ورد في جملة من الرِّوايات أنَّ الزَّوجة إذا كانت مستطيعةً، ولم يأذن لها الزَّوج في الحجّ، ونهاها أن تحجّ، فإنَّها تذهب للحجّ، ولا تطيعه:

منها: صحيحة معاوية بن وهب قَاْل: قلتُ لأَبي عبد الله ( عليه السلام ): امرأةُ لها زوجٌ، فأبى أن يأذن لها في الحجِّ، ولم تحجّ حجّة الإِسلام، فغاب عنها زوجها وقد نهاها أن تحجّ، فقال: لا طاعة له عليها في حجَّة الإِسلام ولا كرامة، لتحجَّ إن شاءت [4] ، وكذا غيرها.

والخُلاصة: أنَّه لا يجوز له إكراه زوجته على الجُماع.

نعم، لو أكرهها لا يتحمّل عنها الكفَّارة؛ لأنَّ النَّصّ مختصٌّ بما إذا كانا صائمَيْن، فلا يشمل ما لو كان الزَّوج مفطراً لسبب من الأسباب، وكذا الإجماع، فإنَّ القدر المتيقَّن منه ما لو كان الزَّوج والزَّوجة صائمَيْن.

هذا، وقد ذكر السّيِّد أبو القاسم الخُوئيّ (رحمه الله): لا دليل على حرمة إكراه الغير على ما ليس له فيه الحقّ على نحو الكُبرى الكلّيّة.

نعم، لو كان العمل المُكرَه عليه محرّماً، كشرب الخمر، أو كان المتوعّد عليه شيئاً لا يسوغ ارتكابه في حدّ نفسه، كما لو هدّده بالقتل أو الضَّرب -إلى أن قال:- كان الإكراه المزبور حراماً حينئذٍ كما هو ظاهر.

و أمَّا لو لم يكن لا هذا ولا ذاك فيلزمه، ويكرهه على عمل سائغ، وإن لم يكن له فيه الحقّ بتوعيده بما هو أيضاً سائغ في حدّ نفسه... .[5]

وفيه: أنَّ ما ذكره (قُدِّس‌سرُّه) خارجٌ عمَّا نحن فيه، فإنَّ المراد بالإكراه فيما نحن فيه هو التوعُّد على ترك شيءٍ أو فعله بما يكون مضرًّا به في نفسه، أو مَنْ يجري مجراه، بحسب حاله، مع قدرة المتوعّد على فعل ما توعّد به.

وأمَّا إذا لم يكن من هذا القبيل، كما لو قال شخص لشخص: إن لم تفعل هذا المباح، أو تتركه لا أعطيك المال، أو إن لم تفعل هذا المباح أو تتركه لا أصحبك معي إلى الحجّ، أو إلى الزِّيارة، أو ما أشبه ذلك، فكلُّ ذلك خارجٌ عما نحن فيه، وما ذكره (قُدِّس‌سرُّه) فهو من هذا قبيل، والله العالم.

 

قوله: (ولو نزع المُجامع لمَّا طلع الفجر فلا شيء عليه)

إذا طلع على المُجامِع الصُّبح بعد إدخاله فنزعه من حينه فوراً فلا شيء عليه من القضاء والكفَّارة، فإنَّ ذلك تَرْكٌ للجُماع، فلا يتعلَّق به حكم الجُماع.

وقال بعض الجمهور، كابن حامد والقاضي: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّزْعَ جُمَاعٌ يَلْتَذُّ بِهِ، فَتَعَلَّقَ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِدَامَةِ، كَالْإِيلَاجِ.

وفيه: أنَّ الكلام فيما لو نزع غير ملتذّ، ولو فرضنا لُزوم شيءٍ من هذا القبيل للنَّزع المأمور به فلا يوجب شيئاً إن لم يقصده.

ثمَّ لا يخفى أنَّ ما ذكرناه مشروطٌ بإرصاده قبل الجُماع ومشروطٌ بحصول ظنِّه المعتبر بسعة الوقت للجُماع والغُسْل، ثمَّ ظهر خلافه، وإلَّا فإن ظنَّ الضِّيق وجامع فيجب عليه القضاء والكفَّارة؛ لإفساده الصَّوم بالجُماع أو البقاء على الجنابة مُتعمِّداً.

وأمَّا إذا لم يكن الضِّيق مظنوناً له، ولم يرصد، فيجب عليه القضاء خاصَّة، على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- بعد هذا من قوله (رحمه الله): ويجب القضاء خاصَّة بتناول المفسد ظانّاً بقاء اللَّيل، ولم يرصد مع القدرة عليه....

 

قوله: (ولو استدام كفَّر)

لو استدام كفَّر وقضى؛ لفساد الصَّوم؛ لأنَّه مُتعمِّد للجماع بقاءً لا حدوثاً، ولظُهور الأدلَّة في الأعمّ منهما.

 

قوله: (وكذا لو نزع بنيّة الجُماع)

لما عرفت أنَّ النَّزع مع نيَّة الجُماع هو جُماع أيضاً؛ إذ لا يختصّ الجُماع بالإيلاج أيضاً.

 

قوله: (وتتعلَّق الكفَّارة بتناول غير المعتاد من المأكل والمشرب، خلافاً للمرتضى، وأسقط القضاء أيضاً)

ذكرنا هذه المسألة بالتَّفصيل عند الكلام عن مفطريّة الأكل والشُّرب، فراجع.


[1] المدارك، ج6، ص119.
[2] مسند أحمد -ط مؤسسة الرِّسالة-: ج6، ص5، وفيه: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: كَيْفَ بِكَ يَا عَبْدَ اللهِ، إِذَا كَانَ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُضَيِّعُونَ السُّنَّةَ، وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا؟ قَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: تَسْأَلُنِي ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ، كَيْفَ تَفْعَلُ؟! لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
[3] مدارك الدُّروس (الحجّ)، ج1، ص153و154.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo