< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/08/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم

 

قوله: (ونقل وجوبه)

أي نقل السّيِّد المرتضى (رحمه الله) وجوب القضاء خاصّة، حيث قال -بعد حكمه بأنَّ الأشبه-: ©وقال قومٌ: إنَّ ذلك ينقض الصَّوم وإن لم يبطله، وهو أشبه، وقالوا في اعتماد الحقنة أو ما يتيقَّن وصوله إلى الجوف من السّعوط واعتماد القي‌ء، وبلع الحصى: أنَّه يُوجب القضاء من غير كفَّارة...®(1).

***

قوله: (ولا تسقط الكفَّارة بعروض الحيض والسَّفر الضَّروريّ، على الأشبه)

إذا أفطر مُتعمِّداً ثمَّ سقط فرض الصَّوم بسفر أو حيض أو شبهه، فهل تسقط الكفَّارة أم لا؟

هناك قولان في المسألة:

الأوَّل: عدم السُّقوط، ذهب إليه كثير من الأعلام، منهم الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف، بلِ ادَّعى عليه الإجماع، ومنهم ابن الجنيد، والمُحقِّق، والعلَّامة (رحمه الله) في المنتهى، بل ذهب إليه أكثر الأعلام.

قال الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف: ©إذا وطأ في أوَّل النَّهار، ثمَّ مرض أو جُنّ في آخره، لزمته الكفَّارة، ولم تسقط عنه -إلى أن قال:- دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً قدِ اشتغلت ذمَّته بالكفَّارة حين الوطء بلا خلاف، وإسقاطها يحتاج إلى دليل®(2).

القول الثَّاني: هو السُّقوط حكاه المُحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع عن بعضهم، واختاره العلَّامة (رحمه الله) في أكثر كُتبه، قال في المختلف: ©وقيل: بالسُّقوط، وهو الأقرب عندي إن كان المسقط من قبل الله تعالى، كالحيض والمرض والإغماء والجنون، أو من قبله، وإن كان باختياره لا لذلك، كالسفر، أمَّا لو كان غرضه من فعل المسقط إسقاط الكفَّارة فلا، كما لو أفطر ثمَّ خرج إلى السَّفر لإسقاطها فإنَّ الكفارة لا تسقط عنه.

لنا: إنَّ هذا اليوم غير واجبٍ صومه عليه في علم الله تعالى، وقد انكشف لنا ذلك بتجدُّد العذر فلا تجب فيه الكفَّارة، كما لو انكشف أنه من شوال بالبينة®(3).

وحاصل هذا الدليل أنَّ المكلَّف إذا كان لا يجب عليه الصَّوم في هذا اليوم في علم الله تعالى لحصول عذر من الأعذار، كالحيض والسَّفر والإغماء والمرض، ونحو ذلك، فصومه باطل من أوَّل الأمر، فالإفطار قبل حصول العذر إفطار في صوم باطل، فلا أثر له في وجوب الكفَّارة.

ولا ينافيه وجوب الإمساك إلى أن يحصل العذر؛ لمكان كونه احتراماً للشَّهر لا لوجوب الصَّوم حقيقةً، فيكون الإمساك المذكور من قبيل الإمساك بعد الإفطار عمداً، فإنَّه لا يدلّ على كونه صوماً حقيقةً.

فمَثَل هذا المكلَّف مثل ما لو انكشف بعد الإفطار كون ذلك اليوم من غير شهر رمضان، كما لو ثبت بالبيّنة أنَّه من شوال، فإنَّ الكفَّارة ساقطةٌ عنه قطعاً.

أقول: ما ذهب إليه أكثر الأعلام من عدم سُقوط الكفَّارة هو الصَّحيح، فإنَّ إطلاقات أدلَّة الكفّارة تشمل كلّ مَنْ أفطر في نهار شهر رمضان مُتعمِّداً من غير عذرٍ، وعدم وجوب إتمام صيام هذا اليوم في علم الله تعالى، بل وفي علم المُكلَّف، كما إذا جزم بالسَّفر واشتغل بمقدِّمات الخُروج، وقرب وصوله إلى حدّ التَّرخص، أو ظهرت أمارات مجيء الحيض، أو وضع الحمل، ونحو ذلك، لا ينافي وجوب مراعاة الصَّوم، وحرمة الإفطار عليه في اليوم إلى حصول العذر؛ إذ قد يكون مبنى الكفَّارة هو التَّكليف ظاهراً بعدم هَتْك حرمة شهر رمضان، والَّذي بسبب الإفطار يحصل هَتْك حرمة شهر رمضان، والجُرأة عليه.

وممَّا يؤكّد ما ذكرناه: أنَّ العلماء اتَّفقوا على حرمة الإفطار على العازم المشتغل بالسَّفر قبل وصوله إلى حد التَّرخص، وليس معنى حرمة الإفطار إلَّا وجوب الإمساك والصِّيام، وإذا كان الإفطار محرماً فيأثم المكلَّف بالإتيان به.

وعليه، فما المانع من وجوب الكفَّارة عليه لإسقاط هذا الإثم أو تخفيفه.

وأمَّا القول: باختصاص الكفَّارة بالإفطار في الصِّيام الَّذي يجب إتمامه في الواقع شرعاً إلى اللَّيل، فلا دليل عليه، بل قد عرفت أنَّ إطلاقات أدلَّة الكفَّارة تشمل كلّ مَنْ أفطر في نهار شهر رمضان من غير عُذْر.

ولو كان الأمر كما ذكره العلَّامة (رحمه الله) فلا وجه حينئذٍ لما قاله من أنَّ مَنْ أفطر ثمَّ خرج إلى السَّفر لإسقاطها، فإنَّ الكفَّارة لا تسقط عنه.

وجه الإشكال: أنَّه أيضاً في هذه الصُّورة ممَّنْ علم الله تعالى عدم وجوب صوم هذا اليوم عليه، وقد انكشف لنا ذلك بتجدّد العذر، فالمفروض عدم الكفَّارة عليه، فلماذا أوجبت عليه الكفّارة؟!

كما أنَّه يظهر لك أنَّ قياسه على مَنْ أفطر ثمَّ انكشف أنَّ اليوم من شوال بالبيّنة ليس تامًّا؛ لأنَّ الكفّارة إنَّما تتعلَّق بمَنْ أفطر في نهار شهر رمضان، والمفروض كونه من شوال.

وبالجملة، فإنَّه قياس مع الفارق.

ثمَّ إنَّ الظَّاهر أنَّ موضع الخلاف ما إذا لم يكن المسقط من فعل المكلَّف، بحيث يقصد به إسقاط الكفَّارة، وإلَّا فلا تسقط قطعاً؛ لأنَّه لو لم يكن كذلك لصار عذراً لسائر العصاة المتناولين للمحرّمات.

________________

(1) الجمل -ط الآداب، النَّجف الأشرف-: ص90.

(2) الخلاف: ج2، ص219.

(3) المختلف: ج3، ص452.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo