< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم

 

ومنها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) ©في رجلٍ أجنب في شهر رمضان باللَّيل، ثمَّ ترك الغُسْل مُتعمِّداً حتَّى أصبح، قَاْل: يعتق رقبةً، أو يصوم شهرَيْن متتابعَيْن، أو يطعم ستِّين مسكيناً، قَاْل: وقال: إنَّه حقيقٌ أن لا أراه يدركه أبداً®(1).

ومنها: صحيحة عبد الرَّحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) ©قَاْل: سألتُه عن رجلٍ أفطر يوماً من شهر رمضان مُتعمِّداً، قَاْل: عليه خمسة عشر صاعاً، لكلِّ مسكين مُدٌّ بمُدّ النَّبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أفضل®(2).

وكذا غيرها ممَّا اقتصر فيه على ذِكْر الصَّدقة لا غير، كموثقة سُماعة ©قَاْل: سألتُه عن رجلٍ لزقَ بأهله فأنزل؟ قَاْل: عليه إطعام ستِّين مسكيناً مُدّ لكلِّ مسكينٍ®(3).

وكذا نحوها، فإنَّ الأمر بالإطعام محمولٌ على أنَّه أحد الخِصال، أي أنَّه محمول على التَّخيير بقرينة الرِّوايات المُتقدِّمة، وإلَّا لم يناسب إطلاق الأمر بالإطعام.

وأمَّا القول بالتَّرتيب -أي العتق أوّلًا-: فإن لم يجد فالصِّيام فإن لم يستطع فالإطعام، فتدلّ عليه جملةٌ من الرِّوايات:

منها: رواية عبد المؤمن بن الهيثم الأنصاريّ عن أبي جعفر (عليه السلام) ©أنَّ رجلاً أتى النَّبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فقال: هلكتُ وأهلكتُ! فقال: وما أهلكك؟ قَاْل: أتيتُ امرأتي في شهر رمضان وأنا صائمٌ، فقال له النَّبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): أعتق رقبةً، قَاْل: لا أجد، قَاْل: فصم شهرَيْن متتابعَيْن، قَاْل: لا أطيق، قَاْل: تصدَّق على ستِّين مسكيناً، قَاْل: لا أجد، فأتى النَّبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بعذق(4) في مكتل(5) فيه خمسة عشر صاعاً من تمر، فقال له النَّبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): خُذْ هذا فتصدَّق بها، فقال: والَّذي بعثك بالحقّ نبيًّا ما بين لابتيها(6) أهل بيت أحوج إليه منَّا، فقال: خذه وكله أنت وأهلك، فإنَّه كفَّارة لك®(7).

وفيها أوّلًا: أنَّها ضعيفة بالحكم بن مسكين، وأبي كهمس، الواقعَيْن في إسناد الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى عبد المؤمن بن الهيثم (القاسم).

كما أنَّها ضعيفة بجهالة عبد المؤمن بن الهيثم (القاسم).

وثانياً: أنَّها مشتملة على كون الصَّدقة به على أهله هو كفَّارة له، وهذا مخالف لما هو المعروف بينهم.

وذكر صاحب الجواهر (رحمه الله) أنَّها ليست صريحة في التَّرتيب، ولا ظاهرة فيه، وإن وقع التَّرتيب في الذِّكر.

والإنصاف: أنَّها، وإن لم تكن صريحة في التَّرتيب، إلَّا أنَّها ظاهرة فيه جدًّا.

ومنها: رواية المشرقيّ المُتقدِّمة عن أبي الحسن (عليه السَّلام) ©قَاْل: سألتُه عن رجلٍ أفطر من شهر رمضان أياماً مُتعمِّداً ما عليه من الكفَّارة؟ فكتب: مَنْ أفطر يوماً من شهر رمضان مُتعمِّداً فعليه عِتْق رقبةٍ مؤمنةٍ، ويصوم يوماً بدل يومٍ®(8).

وهي ظاهرة في كون العتق واجباً عينيًّا، فتكون دالّةً على الترتيب.

ولكنَّها ضعيفة بالمشرقيّ الَّذي هو هشام بن براهيم، أهو هاشم بن إبراهيم، وهو غير موثَّق.

ومنها -وهو العمدة-: صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السَّلام) ©قَاْل: سألتُه عن رجلٍ نكح امرأته وهو صائمٌ في رمضان، ما عليه؟ قَاْل: عليه القضاء، وعِتْق رقبةٍ، فإن لم يجد فصيام شهرَيْن متتابعَيْن، فإن لم يستطع فإطعام ستِّين مسكيناً، فإن لم يجد فَلْيستغفر الله®(9).

والجواب عن هذه الرِّوايات -مع قطع النَّظر عن ضعف الأُولى والثَّانية سنداً-: هو الحمل على الاستحباب.

ثمَّ لو سلَّمنا التَّعارض بين هذه الرِّوايات والرِّوايات الدَّالّة على التَّخيير، فالتَّرجيح للرِّوايات الدَّالّة على التَّخيير؛ لأنَّ الرِّوايات الدَّالّة على التَّرتيب موافقة للعامَّة، حيث حُكي القول بالتَّرتيب عن أبي حنيفة والثُّوري والشَّافعي والأوزاعيّ.

إن قلت: كيف تحمل رواية عبد المؤمن على التَّقيّة، مع أنَّ الحكم صادرٌ من النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) ولا تقيّة في زمانه (صلى الله عليه وآله).

قلتُ: إنَّ المراد بالتَّقيّة هو أنَّ أبا جعفر (عليه السَّلام) نقل الرِّواية على حسب ما رَوَوه تقيةً.

وأمَّا التَّقيّة في صحيحة عليّ بن جعفر باعتبار أنَّ الإمام الكاظم (عليه السَّلام) ذكر الحكم على حسب ما عندهم.

إن قلت: إنَّ من جملة المُرجِّحات الشُّهرة الرِّوائيّة، والرِّوايات الدَّالّة على التَّخيير مشهورةٌ جدًّا، فتُقدَّم على تلك الرِّوايات.

قلتُ: إنَّ التَّرجيح بالشُّهرة الرِّوائية غيرُ ثابتٍ عندنا، كما عرفت في علم الأصول.

ثمَّ إنَّه لو سلَّمنا استقرار التَّعارض، وأنَّه لا ترجيح لإحدى الطّائفتَيْن على الأُخرى، فيتساقطان، وبعد التَّساقط يكون المرجع هو الأصل العمليّ.

ومقتضاه: البراءة عن التَّعيين؛ لأنَّ الأمر دائرٌ بين التَّعيين والتَّخيير، والأصل هو البراءة عن التَّعيين؛ لأنَّ فيه كلفةً زائدةً يشكّ في ثُبوتها، فالأصل البراءة فيها.

وتكون النَّتيجة: هي التَّخيير.

نعم، لو كان الشَّكّ بين التَّعيين والتَّخيير في الحُجيّة، أو في الحكمَيْن الفعليَّيْن المتزاحمَيْن، فالأصل حينئذٍ هو التَّعيين.

والخُلاصة إلى هنا: أنَّ ما ذهب إليه المشهور من القول بالتَّخيير هو الصَّحيح، والله العالم بحقائق أحكامه.

______________

(1) الوسائل باب16 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم.

(2)و(3) الوسائل باب8 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح10و12.

(4) العِذْق: كلُّ غصنٍ له شُعب.

(5) المِكْتل: الزَّنبيل الكبير، أي القُفَّةُ الكَبيرَةُ، أو الجِرابُ، أو الوِعاءُ.

(6) اللّابة -بالفتح، والتشديد-: الأرض ذات الحجارة السود، ولابتاها الحرّتان اللّتان تحيطان بالمدينة.

(7)(8)و(9) الوسائل باب8 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح5و11و9.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo