< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم

 

قوله: (ولو أفطر على محرّم، كزنا، أو مال حرام، وجبت الثَّلاثة على الأقرب)

ذكر المُصنِّف (رحمه الله) أنَّه لو أفطر على محرّم وجبت ثلاث كفاراتٍ على الأقرب.

وحُكي هذا القول عن جماعة كثيرة، منهم الشَّيخ الصَّدوق في الفقيه، والشَّيخ في كتابي الأخبار، وابن حمزة، والعلَّامة في القواعد والإرشاد، وفخر المُحقِّقين في الإيضاح، والشَّهيد الثّاني في الرَّوضة، (قدِّس‌سرُّهم).

وجماعة من متأخِّري المتأخِّرين، منهم صاحب الحدائق (رحمه الله)، والشَّيخ الأنصاريّ (رحمه الله)، حيث قال: إنَّه قويٌّ جدًّا.

وقدِ استدلّ هؤلاء الأعلام برواية عبد السَّلام بن صالح الهرويّ قَاْل: قلتُ للرِّضا عليه‌السلام: يا بن رسول الله! قد روي عن آبائك عليهم‌السلام فيمَنْ جامع في شهر رمضان، أو أفطر فيه: ثلاث كفَّارات، ورُوي عنهم أيضاً: كفَّارة واحدة، فبأيِّ الحديثَيْن نأخذ؟ قَاْل: بهما جميعاً، متى جامع الرَّجل حراماً أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفاراتٍ: عِتْق رقبة، وصيام شهرَيْن متتابعَيْن، وإطعام ستِّين مسكيناً، وقضاء ذلك اليوم، وإن كان نكح حلالاً أو أفطر على حلال فعليه كفَّارة واحدة، وإن كان ناسياً فلا شيء عليه[1] ، ودلالتها تامَّة

ومقتضى الجمع بينها والرِّوايات المُتقدّمة الدَّالّة على التَّخيير، سواء أكان الإفطار على حلال أم حرام، تقييد تلك الرِّوايات بهذه الرِّواية.

ولكنَّ الكلام في سند هذه الرِّواية، وقد وصفها الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في الرَّوضة بالصَّحيحة.

كما أنَّ العلَّامة (رحمه الله) في التَّحرير حكم بصحَّة هذه الرِّواية.

وقد توقَّف جماعة من الأعلام في سند الرِّواية من جهة ثلاث أشخاصٍ واقعَيْن في السَّند:

الأوَّل: عبد الواحد بن مُحمّد بن عبدوس، شيخ الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله).

الثَّاني: عليّ بن مُحمّد بن قُتيبة.

الثَّالث: عبد السَّلام بن صالح الهرويّ.

قال العلَّامة (رحمه الله) في المختلف: عبد الواحد بن مُحمّد بن عبدوس النَّيشابوريّ، ولا يحضرني الآن حاله، فإن كان ثقةً فالرِّواية صحيحة يتعيَّن العمل بها...[2]

وظاهره أنَّه لا يستشكل فيها من جهة ابن قُتيبة، ومن جهة عبد السَّلام.

وقد ذكر جماعة من الأعلام، منهم صاحب المدارك (رحمه الله) أنَّ عبد الواحد بن عبدوس، وإن لم يوثَّق صريحاً، لكنَّه من مشايخ الصَّدوق المعتبرين الَّذي أُخذ عنهم الحديث، فلا يبعد الاعتماد على روايته.

وفيه: أنَّ كونه من مشايخ الصَّدوق (رحمه الله) لا يدلّ على وثاقته، ما لم يوثّق بالخُصوص.

واعتماد الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) على روايته لا يدلّ على التَّوثيق، فلعلَّه كان يعتمد على أصالة العدالة في الرَّجل، وهذا لا يكفي عندنا.

وأمَّا بالنَّسبة لعليّ بن مُحمّد بن قُتيبة، قال صاحب المدارك (رحمه الله): هو غير موثّقٍ، بل ولا ممدوح مدحاً يعتدّ به[3]

وعن جماعة من الأعلام أنَّه من مشايخ الكشيّ (رحمه الله)، وقد أكثر النَّقل عنه في كتابه، فلا أقلّ من أن يكون من مشايخ الإجازة المتَّفق بينهم على عدم احتياجهم إلى التَّوثيق، كما عن صاحب الجواهر (رحمه الله).

وقد ذكره في الخُلاصة في قسم الموثَّقين، حيث قال: عليّ بن مُحمّد بن قُتيبة، ويُعرف بالقتيبيّ النَّيسابوريّ أبو الحسن، تلميذ الفضل بن شاذان، فاضل، اعتمد عليه أبو عَمْرو الكشيّ في كتاب الرِّجال[4]

أقول: إن لم يثبت أنَّه من مشايخ الإجازة -مضافاً إلى أنَّ كونه من مشايخ الإجازة لوحده لا يفيد التَّوثيق، كما عرفت في أكثر من مناسبة- إلا أنَّ الرَّجل ممدوح من الشَّيخ (رحمه الله) في كتاب الرِّجال، حيث ذكر أنَّه فاضل، وهذا يكفي في المدح.

ويُؤيِّده: أنه جعله في الخُلاصة في قسم الموثَّقين.

كما يُؤيِّده: توثيق العلَّامة (رحمه الله) له في المختلف.

وأمَّا عبد السَّلام بن صالح الهرويّ، فهو ثقة، وقال النَّجاشيّ: إنَّه صحيح الحديث.

وأمَّا ما ذكره الشيخ في رجال من أنَّه عاميّ، فهو في غير محلّه قطعاً، بل هو من خلَّص شيعة الرِّضا (عليه‌السَّلام) وخواصّه.

وقد أورد الكشيّ روايات تدلّ على أنَّه من فضلاء الشِّيعة.

والخُلاصة: أنَّ الرِّواية ضعيفة من جهة عدم وثاقة عبد الواحد بن مُحمّد بن عبدوس، وقال المُحقِّق في المعتبر: أنَّ هذه الرِّواية لم يظهر العمل بها بين الأصحاب ظهوراً يوجب العمل بها، وربما حملناها على الاستحباب ليكون آكد في الزَّجر[5]

والخُلاصة: أنَّه لولا ضعفها سنداً لكانت مُقيّدةً للرِّوايات السَّابقة المطلقة.

وقد يستدلّ أيضاً لوجوب ثلاث كفاراتٍ على مَنْ أفطر على محرّم بما عن الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الفقيه، حيث قال: وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذي رُوِيَ فِيمَنْ أَفْطَرَ يَوْماً مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّداً أَنَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ‌ فَإِنِّي أُفْتِي بِهِ فِيمَنْ أَفْطَرَ بِجِمَاعٍ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، أَوْ بِطَعَامٍ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ لِوُجُودِ ذَلِكَ‌ فِي رِوَايَاتِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْأَسَدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‌ فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ[6] قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - يعني عن المهدي (عليه‌السَّلام)[7]

فقوله: يعني عن المهديّ، هذا من كلام صاحب الوسائل (رحمه الله)، وكلام صاحب الوسائل (رحمه الله) في محلِّه؛ إذ من الواضح أنَّ العَمْريّ رضي الله عنه لا يفتي بذلك من قبل نفسه، فالظَّاهر كونه مأخوذاً من صاحب الزَّمان (عجل الله فرجه الشَّريف)، كما ذكره صاحب الوسائل (رحمه الله) .

نعم، الإشكال في طريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى الأسديّ، وحيث لم يذكر طريقه إليه، فتكون الرِّواية مرسلة، فلا يمكن العمل بها.

ولو كانت معتبرةً لكان مقتضى القاعدة تقييد الرِّوايات السابقة بها.

والخُلاصة إلى هنا: أنَّه لا فرق في التَّخيير بين الأفطار على حلال أو حرام.

نعم، الأحوط الأولى في الإفطار على الحرام ثلاث كفارات، أي الجمع بين الكفَّارات الثلاث، والله العالم.

 

قوله: (ولو عجز عن بعضها ففي بدله نظر)

لو عجز في صُورة الإفطار على المحرّم -وقلنا بوجوب ثلاث كفاراتٍ- عن بعضها كالعتق مثلا، فهل يجب بدله حتَّى يجب عليه مثلاً صيام أربعة أشهر؟

قد يقال: بالوجوب لأجل أنَّ الصيام بدل عنه شرعاً، فيثبت مع العجز عن العتق، ووجوب صيام شهرَيْن بالأصالة فيما نحن فيه لا يمنع عن وجوب بدلاً أيضاً.


[2] المختلف، ج3، ص448.
[7] الفقيه.، ج2، ص118

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo