< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم

 

ومنها: رواية إسحاق بن عمَّار ©قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله عليه‌السلام: آكل في شهر رمضان باللَّيل حتَّى أشكّ؟ قَاْل: كُلْ حتَّى لا تشكّ®(1).

وهي ضعيفة بجهالة جعفر بن مثنّى الخطيب؛ لأنَّه هو الَّذي يروي عن إسحاق، وكذا غيرها من الرِّوايات الدَّالّة على جواز تناول المفطر ما لم يتبيّن الفجر.

إن قلت: إنَّه يجب الإمساك من باب المقدِّمة العلميّة في جُزء من اللَّيل ليحصل له العلم بإمساك تمام النَّهار.

قلتُ: إنَّ الحاكم بوجوب المقدِّمة هو العقل؛ بملاك دَفْع الضَّرر المحتمل -أي الضَّرر الأُخرويّ، وهو العقاب-، فإذا وجد ما يرفع الضَّرر المحتمل من أمارة أو أصل عمليّ على من استصحاب أو براءة، فينتفي موضوع حكم العقل.

وفي مقامنا هذا، فإنَّ الضَّرر المحتمل -الَّذي هو الملاك في حكم العقل بوجوب المقدِّمة العلميّة- مرفوع بالاستصحاب، حيث إنَّه يستصحب بقاء اللَّيل، وعدم طُلوع الفجر، فيجوز له تناول الطَّعام والشَّراب، حتَّى يتيقّن بطلوع الفجر.

وعليه، فهناك مُؤمِّن العقاب، وهو الاستصحاب، فلا موضوع لحكم العقل بالإمساك في جُزء من اللَّيل.

هذا كلُّه بالنِّسبة لجواز الفعل قبل المُراعاة.

وأمَّا بالنِّسبة لِسقوط الكفَّارة، فهو المعروف بين الأعلام، بل هو متّفق عليه؛ للأصل، وإباحة الفعل؛ إذ قد عرفت أنَّه لا إشكال في جواز فعل المفطر مع الظَّنّ الحاصل من استصحاب بقاء اللَّيل، بل مع الشَّكّ في طُلوع الفجر، فينتفي المقتضي للتَّكفر، بعد اختصاص عموم وجوبها بالإفطار بصُورة العمد.

وأمَّا وجوب القضاء قبل المُراعاة، ففي الجواهر: ©بلا خلاف أجده فيه نصًّا وفتوى، بل في صريح الانتصار والخلاف وظاهر الغنية الإجماع عليه...®.

أقول: يدلّ على ذلك جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) ©أنَّه سُئل عن رجلٍ تسحَّر، ثمَّ خرج من بيته، وقد طلع الفجر وتبيَّن؟ قَاْل: يتمُّ صومه ذلك، ثمَّ ليقضه...®(2).

وهي، وإن كانت مطلقةً من حيث مُراعاة الفجر وعدمه، إلَّا أنَّها تقيّد بعدم مُراعاة الفجر في شهر رمضان؛ لما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

ومنها: موثَّقة سُماعة عن مهران ©قَاْل: سألتُه عن رجلٍ أكل أو شرب بعدما طلع الفجر في شهر رمضان؟ قَاْل: إن كان قام فنظر فلم يرَ الفجر فأكل، ثمَّ عاد فرأى الفجر، فَلْيتمَّ صومه ولا إعادة عليه، وإن كان قام فأكل وشرب، ثمَّ نظر إلى الفجر فرأى أنَّه قد طلع الفجر، فَلْيتمّ صومه ويقضي يوماً آخر؛ لأنَّه بدأ بالأكل قبل النَّظر فعليه الإعادة®(3).

ومضمرات سُماعة مقبولة، وقد فصَّلت بين المُراعاة وعدمه، وبها تُقيّد صحيحة الحلبيّ المتقدِّمة.

ومنها: رواية عليّ بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم (عليه‌السَّلام) ©قَاْل: سألتُه عن رجلٍ شرب بعدما طلع الفجر، وهو لا يعلم في شهر رمضان؟ قَاْل: يصوم يومه ذلك، ويقضي يوماً آخر، وإن كان قضاء لرمضان في شوَّال أو غيره، فشرب بعد الفجر، فَلْيُفطر يومه ذلك ويقضي®(4).

ولكنَّها ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة البطائنيّ، وعدم وثاقة القاسم بن مُحمّد الجوهريّ.

نعم، هي مطلقة من حيث المُراعاة للفجر وعدمه، ومع قطع النَّظر عن ضعف سندها تُقيّد بعدم المُراعاة؛ لما تقدَّم.

وأمَّا سُقوط القضاء مع المُراعاة بنفسه، بأن نظر وفحص، فلم يرَ الفجر، فأكل، ثمَّ تبيَّن الخلاف، فهو المعروف بين الأعلام.

وفي الجواهر: ©لا خلاف فيه، بل في صريح الانتصار وظاهر المحكيّ عن المنتهى وغيره الإجماع عليه...®(5).

أقول: يدلّ عليه -مضافاً للتَّسالم بينهم- موثَّقة سُماعة المتقدِّمة، وصحيحة معاوية بن عمَّار ©قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله عليه‌السَّلام: آمر الجارية (أن تنظر طلع الفجر أم لا)، فتقول: لم يطلع بعد، فآكل، ثمَّ أنظر فأجد قد كان طلع حين نظرت؟ قَاْل: اِقضه، أمَا إنَّك لو كنتُ أنت الَّذي نظرت لم يكن عليك شيءٌ®(6).

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّه لا يكفي مجرَّد الاعتقاد ببقاء اللَّيل اعتماداً على السَّاعة، ونحوها، بل المعتبر النَّظر والفحص بنفسه.

ثمَّ إنَّ مقتضى إطلاق موثَّقة سُماعة سُقوط القضاء مع المُراعاة، سواء جزم ببقاء اللَّيل أو ظنّ أو شكّ.

فما في الجواهر وغيره من الاستشكال فيه مع الشَّكّ أو الظَّنّ بالطُّلوع، ليس تامًّا.

______________

(1) الوسائل: ج10، ص120.

(2)و(3) الوسائل باب44 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح1و3، وباب 45 من أبواب ما يمسك عن الصائم ح1.

(4) الوسائل باب45 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح3.

(5) الجواهر: ج16، ص277.

(6) الوسائل باب46 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح1.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo