< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم

 

ثمَّ إنَّ العاجز عن المُراعاة، كالأعمى والمحبوس، ونحوهما، إذا تناول المفطر، فصادف النَّهار، هل يجب عليه القضاء أم لا؟

المعروف بينهم أنَّه لا قضاء على العاجز عن المُراعاة، كالأعمى والمحبوس، ونحوهما، وعن الرِّياض: لا خلاف أجده...، وفي الجواهر: هو المعروف بين الأصحاب....

خلافاً لجماعة أخرى من الأعلام، حيث ذهبوا إلى وجوب القضاء عليه.

وأمَّا مَنْ ذهب إلى عدم الوجوب، فقدِ استدلّ: بالأصل، وأنَّ الرِّوايات المُتضمِّنة لوجوب القضاء متخصَّة -بحكم التَّبادر وغيره- بالقادر على المُراعاة.

وفيه: أمَّا الأصل، فلا معنى له مع وجود إطلاق دليل المُفطريَّة.

أضف إلى ذلك: أنَّ بطلان الصَّوم بتناول المفطر بعد طُلوع الفجر هو على وفق القاعدة لانتفاء حقيقة الصَّوم واقعاً، إلَّا أن يدلّ دليل شرعيّ تعبُّديّ على مضيّ عمله، كما في النَّاسي والمُراعي للفجر في شهر رمضان، وهو مُنتفٍ في المقام.

وأمَّا القول: بأنَّ الرِّوايات المتضمِّنة لوجوب القضاء مختصةٌ -بحكم التَّبادر وغيره- بالقادر على المُراعاة، فهو غير واضحٍ، بل هو خلاف الظَّاهر منها.

والخلاصة: أنَّ الأقوى هو وجوب القضاء عليه، كالقادر، والله العالم.

بقي شيء في المقام، وهو أنَّ المعروف بين الأعلام أنَّ من تناول المفطر في غير شهر رمضان بعد طلوع الفجر، فسد صومه، سواء كان الصوم واجباً أو مندوباً مع المُراعاة وبدونها؛ وذلك لاختصاص نُصوص الصِّحّة مع المُراعاة شهر رمضان، فإطلاق ما دلّ على المُفطريَّة يقتضي القضاء، لاسيّما أنَّ بُطلان الصَّوم بتناول المفطر بعد طُلوع الفجر هو على وفق القاعدة لانتفاء حقيقة الصَّوم واقعاً، فلا يجوز رفع اليد عن هذه القاعدة، إلَّا أن يدلّ دليل شرعيّ تعبُّديّ على مضيّ عمله، كما في النَّاسي والمُراعي للفجر في شهر رمضان، وهو منتفٍ هنا.

وممَّا يدلّ أيضاً على فساد الصَّوم بتناول المفطر بعد الفجر في غير شهر رمضان جملةٌ من الرِّوايات:

منها: إطلاق ذيل صحيحة الحلبيّ المُتقدِّمة، حيث ورد فيها: وإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر[1]

ومنها: رواية إسحاق بن عمَّار قَاْل: قلتُ لأبي إبراهيم عليه‌السلام: يكون عليَّ اليوم واليومان من شهر رمضان فأتسحَّر مُصْبحاً، أفطر ذلك اليوم وأقضي مكان ذلك يوماً آخر، أو أتمّ على صوم ذلك اليوم وأقضي يوماً آخر؟ فقال: لا، بل تفطر ذلك اليوم لأنَّك أكلت مُصْبحاً، وتقضي يوماً آخر[2]

ولكنَّها ضعيفة بجهالة مُحمّد بن إسماعيل بالبندقيّ النَّيشابوريّ، وليس هو مُحمّد بن إسماعيل بن بزيع؛ لأنَّ الكُلينيّ (رحمه الله) لا يروي مباشرةً عن ابن بزيع.

ومنها: رواية عليّ بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم (عليه‌السَّلام) قَاْل: سألتُه عن رجلٍ شرب بعدما طلع الفجر، وهو لا يعلم في شهر رمضان؟ قَاْل: يصوم يومه ذلك ويقضي يوماً آخر، وإن كان قضاء لرمضان في شوال أو غيره فشرب بعد الفجر فَلْيفطر يومه ذلك ويقضي[3]

وهي ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة البطائنيّ، وجهالة القاسم بن مُحمّد الجوهريّ.

والخُلاصة: أنَّه يفسد الصَّوم بتناول المفطر بعد الفجر في غير شهر رمضان، ولو مع المُراعاة.

نعم، الأحوط استحباباً: الإتمام والقضاء فيما لو كان الصَّوم واجباً مُعيّناً إذا كان ممَّا يقضي، والله العالم بحقائق أحكامه.

قوله: (سواء أخبره غيره ببقائه، أو زواله، أو لا، إلَّا أن يكون معلوم الصِّدق أو عدلَيْن، فيكفّر)

يقع الكلام في أمرَيْن:

الأوَّل: فيما لو أكل تعويلاً على مَنْ أخبر ببقاء اللَّيل، وعدم طُلوع الفجر، مع كونه طالعاً.

الثَّاني: إذا أخبره المخبر بطُلوع الفجر، فأكل لزعمه سخريّة المُخبِر، أو لعدم العلم بصدقه.

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّه إذا أكل تعويلاً على مَنْ أخبر ببقاء اللَّيل، وعدم طُلوع الفجر، مع كونه طالعاً، فعليه القضاء، ولا كفَّارة عليه.

أمَّا عدم الكفارة، فواضح؛ لأنَّ موضوعها الإفطار مع التّعمُّد، وهو غير متحقِّقٍ في المقام، وأصل البراءة يقتضي عدمها.

وأمَّا بالنِّسبة للقضاء، فإنَّه يجب عليه، وفي الجواهر: بلا خلاف أجده فيه أيضاً، بل في الغنية الإجماع عليه....

أقول: يدلّ على القضاء -مضافاً للتَّسالم بينهم، ومضافاً لكونه على مقتضى القاعدة؛ لانتفاء حقيقة الصَّوم واقعاً بتناول المفطر بعد طُلوع الفجر- صحيحة معاوية بن عمَّار المُتقدِّمة قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله عليه‌السلام: آمر الجارية (أن تنظر طلع الفجر أم لا)، فتقول: لم يطلع بعد، فآكل، ثمَّ أنظر فأجد قد كان طلع حين نظرت؟ قَاْل: اِقضه، أمَا أنَّك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شيءٌ[4]

ثمَّ إنَّ ظاهر إطلاق الصَّحيحة عدم الفرق في ثُبوت القضاء عند الاعتماد على قول الغير بأنَّ الفجر لم يطلع بين كون ذلك الغير فاسقاً أو عادلاً، وبين كونه واحداً أو متعدداً.

خلافاً لما عن المُحقِّق، والشَّهيد، الثَّانيَيْن، والمدارك والذَّخيرة، فأسقطوا القضاء بالعدلَيْن؛ لكونهما حجّةً شرعيّةً.

وفيه: أنَّه ليس المناط في سُقوط القضاء على كون التَّناول بحجّة شرعيَّة، وإلَّا لكفى استصحاب بقاء اللَّيل، بل المناط على مباشرة المُراعاة، فبدونها يبقى تحت إطلاق أدلَّة المُفطريَّة، وحجِّيّة البيّنة لا تُنافي ثُبوت القضاء عند انكشاف الخطأ، فهي من الأحكام الظَّاهريّة مغيّاة بعدم انكشاف الخلاف.

وحالها حال الإخبار برؤية الهلال ونحوها من الموضوعات الخارجيّة فيما إذا انكشف الخلاف.

وأمَّا الأمر الثَّاني: فيما لو أكل وشرب، وقد أخبره المخبر بطُلوع الفجر، إلَّا أنَّه لم يعتمد على إخباره؛ لزعمه أنَّه يسخر ويستهزئ.

والمعروف بيهم أنَّه لا بُدّ من القضاء، وفي الجواهر: بلا خلاف أجده، بل في ظاهر المدارك: بلا خلاف أجده، بل في ظاهر المدارك، وعن غيرها الإجماع عليه، بل هو أولى قطعاً من الأولين في وجوب القضاء...[5]

أقول: يظهر وجهه ممَّا تقدَّم بلا حاجة للإعادة.

وتدلّ عليه أيضاً: صحيحة العيص بن القاسم قَاْل: سألتُ أبا عبد الله عليه‌السَّلام عن رجلٍ خرج في شهر رمضان، وأصحابه يتسحَّرون في بيت، فنظر إلى الفجر، فناداهم أنَّه قد طلع الفجر، فكفَّ بعضٌ، وظنَّ بعض أنَّه يسخر فأكل؟ فقال: يتم، ويقضي[6]

وأمَّا بالنِّسبة للكفَّارة، فهي منفيّة بالأصل، بلا فرق بين تعدُّد المخبر واتِّحاده وعدالته وفسقه.

خلافاً لجماعة، منهم المُصنِّف (رحمه الله)، حيث استقربوا الكفَّارة بإخبار العدلَيْن، أو فيما لو كان معلوم الصِّدْق.

والإنصاف: هو كذلك إذا لم يعتقد السُّخريّة بإخبارهما، فإنَّه يصدق أنَّه متعمِّد للأكل والشُّرب بعد ثُبوت الفجر بالحُجيّة الشَّرعيّة، بل يكفي خبر الواحد الثِّقة، فإنَّه حجّة في الموضوعات إلَّا في بعض الموارد اعتبر فيها الشَّارع المقدّس البيّنة، أو أربع عدول، وما نحن فيه ليس منها، والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo