< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم

 

قوله: (وكذا لو أفطر لظَّنّ دُخول اللَّيل مع قدرته على المُراعاة، ولو راعى فظنّ، ففي القضاء قولان، أشهرهما: القضاء)

لو أفطر لظَّنّ دُخول اللَّيل لظلمة عرضت لغيم أو قُتام، ونحوهما، مع قُدرته على المُراعاة، وملاحظة الأمارات الشَّرعيّة للغروب، ثمَّ تبيَّن الخطأ ووقوع الإفطار في النَّهار.

وقدِ اختلف الأعلام في حكم هذه المسألة، فقال الشَّيخ المفيد (رحمه الله): ومَنْ ظنَّ أنَّ الشَّمس قد غابت لعارض من الغيم أو غير ذلك فأفطر، ثمَّ تبيَّن له أنَّها لم تكن غابت في تلك الحال وجب عليه القضاء؛ لأنَّه انتقل عن يقين في النَّهار إلى ظنّ في اللَّيل، فخرج عن الفرض بشكّ، وذلك تفريط منه في الفرض...[1]

وظاهره أنَّه يقول: بوجوب القضاء خاصَّة للإفطار بالظَّنّ مطلقاً، مع تبيّن الخلاف من غير فرقٍ بين قوَّة الظَّنّ وضعفه، وكذا بين القدرة على المُراعاة وعدمها، والمراد بالشَّكّ في كلامه مقابل العلم.

وقال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط -عند الكلام عمَّا يوجب القضاء دون الكفَّارة-: ©وكذلك الإفطار لعارض يعرض في السَّماء من ظلمة، ثمَّ تبيَّن أنَّ اللَّيل لم يدخل، وقد رُوي: أنَّه إذا أفطر عند أمارة قويّة لم يلزمه القضاء...[2]

وذهب المُحقِّق (رحمه الله) في المعتبر إلى أولويّة قول الشَّيخ المفيد (رحمه الله) ، وقوَّاه العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى، ومال إليه في المختلف، ونسبه إلى السّيِّد المرتضى وسلَّار وأبي الصَّلاح (قدس سرهم).

وبالمقابل، ذهب جماعة من الأعلام إلى عدم وجوب القضاء، منهم الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله).

قال في الفقيه -بعد نقل الأخبار الدَّالّة على عدم وجوب القضاء-: وَبِهَذِهِ الْأَخْبَارِ أُفْتِي، وَلَا أُفْتِي بِالْخَبَرِ الَّذِي أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّه رِوَايَةُ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، وَكَانَ وَاقِفِيًّا...[3] ، وقريب منه قوله في التهذيب.

وأمَّا ابن إدريس (رحمه الله) فقد فصَّل بين الظَّنّ القويّ والظَّنّ الضَّعيف، فلا قضاء مع الظَّنّ القويّ، ويجب القضاء مع الظَّنّ الضَّعيف.

وأمَّا لو أفطر بدون الظَّنّ، فأوجب عليه القضاء والكفَّارة، قال في السَّرائر: ومَنْ ظنَّ أنّ الشَّمس قد غابت، لعارض يعرض في السَّماء، من ظلمة أو قتام، ولم يغلب على ظنِّه ذلك، ثمَّ تبيّن الشَّمس بعد ذلك، فالواجب عليه القضاء، دون الكفَّارة، فإن كان مع ظنِّه، غلبة قويّة، فلا شيء عليه، من قضاء ولا كفَّارة، لأنَّ ذلك فرضه، لأنَّ الدَّليل قد فقده، فصار تكليفه في عبادته غلبة ظنِّه، فإن أفطر لا عن أمارة، ولا ظنَّ، فيجب عليه القضاء والكفَّارة...

وأمَّا المُصنِّف (رحمه الله)، فقد فرض المسألة في صُورة القدرة على المُراعاة، فمع عدم القدرة عليها لا مجال للقول بوجوب القضاء؛ لأنَّه مُتعبِّد بظنّه، وفرق في صُورة القدرة على المُراعاة بين تحقّق المُراعاة وعدم تحقُّقها، فحكم في صُورة عدم تحقُّقها بوجوب القضاء خاصَّة جزماً، وفي صُورة تحقُّقها على الأشهر.

وذهب كثير من الأعلام إلى أنَّه إذا أفطر لظلمةٍ قَطَعَ بحصول اللَّيل منها، فبان خطؤه، ولم يكن في السَّماء علةٌ، فإنَّ عليه القضاء، وكذا لو ظنّ أو شكّ.

وأمَّا لو كانت في السَّماء علّةٌ، فظنّ دُخول اللَّيل فأفطر، ثمَّ بان له الخطأ، لم يكن عليه قضاء، فضلاً عن الكفَّارة، منهم صاحب الجواهر، والمُحقِّق الهمدانيّ، والسّيِّد الحكيم في المستمسك، والسّيِّد أبو القاسم الخوئيّ (قدِّس سرُّهم)، وغيرهم من الأعلام، وهو الإنصاف عندنا، كما سيتّضح لك -إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك، فأقول: يقع الكلام في أمرَيْن:

الأوَّل: أصل جواز الإفطار إذا ظنّ أو شكّ في دُخول اللَّيل.

الثَّاني: في وجوب القضاء لو أفطر، ثمَّ تبيَّن له الخطأ، وأنَّ اللَّيل لم يدخل حين الإفطار، فهل يجب عليه القضاء أم لا؟

أمَّا با لنِّسبة للأمر الأوَّل: فلا إشكال في عدم جواز الإفطار إذا لم يكن لديه دليل شرعيّ على دُخول اللَّيل، فإنَّ مقتضى استصحاب بقاء النَّهار هو عدم جواز الإفطار، كما أنَّه لا يجوز له الدُّخول في الصَّلاة، ما لم يحرز دُخول الوقت بالوجدان أو بالتّعبُّد.

ولا فرق فيما ذكرنا بين حُصول الظَّنّ أو الشَّكّ بدُخول اللَّيل، فإنَّ الظَّنّ لا يغني من الحقّ شيئاً، فضلاً عن الشَّكّ.

نعم، إذا حصل له الظَّنّ بدخول اللَّيل، وكان في السَّماء علّة، وقد حصلت منه المُراعاة، فيجوز له الإفطار، استناداً للرِّوايات الَّتي سنذكرها -إن شاء الله تعالى- في الأمر الثَّاني.

وعليه، فقول صاحب المدارك (رحمه الله): لا خلاف بين علمائنا ظاهراً في جواز الإفطار عند ظنّ الغروب إذا لم يكن للظَّانّ طريق إلى العلم....

لابُدّ أن ينزل على ما ذكرناه، وإلَّا فيجب عليه الانتظار، إلى أن يتيقّن أو يطمئنّ بدُخول اللَّيل، وإلَّا فمجرّد عدم الطَّريق إلى العلم لا يكفي في جواز الإفطار.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo