< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/08/15

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم

 

- لو أفطر، ثمَّ تبيَّن له الخطأ، وأنَّ اللَّيل لم يدخل حين الإفطار، فهل يجب عليه القضاء أم لا؟

وأمَّا الأمر الثَّاني: فقد عرفت أنَّ في المسألة قولَيْن:

ونبدأ أوَّلاً: بأدلَّة مَنْ ذهب إلى وجوب القضاء.

وقدِ استدلّ له بدليلَيْن:

الأوَّل: أنَّ مقتضى القاعدة هو القضاء؛ لأنَّه تناول ما يُنافي الصَّوم عمداً، فيلزمه القضاء.

وفيه: أنَّ العمل بالقاعدة إنَّما يتمّ إذا لم يوجد دليل بالخُصوص على عدم القضاء، وهو موجود، وهو الرِّوايات الَّتي سنذكرها فيما لو ظنّ دُخول اللَّيل، وكان في السَّماء علّةٌ، وقد حصلت منه المُراعاة.

والخُلاصة: أنَّ هذا الدَّليل ليس تامًّا.

الدَّليل الثَّاني: موثَّقة أبي بصير وسُماعة عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) في قومٍ صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحابٌ أسود عند غُروب الشَّمس، فرأوا أنَّه اللَّيل فأفطر بعضهم، ثمَّ إنَّ السَّحاب انجلى، فإذا الشَّمس؟ فقال: على الَّذي أفطر صيام ذلك اليوم، إنَّ الله عزَّوجل يقول: ﴿وَأَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾، فمَنْ أكل قبل أن يدخل اللَّيل فعليه قضاؤه؛ لأنَّه أكل مُتعمِّداً[1]

وهي ظاهرة في وجوب القضاء.

وعليه، فهذا الدَّليل تامّ، وسيأتي الجواب عنه -إن شاء الله تعالى- عند كيفيَّة الجمع بينه، وبين أدلَّة القول الآخر.

 

وأمَّا مَنْ ذهب إلى عدم وجوب القضاء، فقدِ استدلّ له بجملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة زرارة قَاْل: قال أبو جعفر عليه‌السلام: وقت المغرب إذا غاب القُرص، فإن رأيت بعد ذلك، وقد صلّيت، أعدت الصَّلاة، ومضى صومك، وتكفّ عن الطَعام إن كنت أصبت منه شيئاً[2]

وقد أشكل على الاستدلال بهذه الصَّحيحة: أنَّ الاستدلال بها مبنيٌّ على كون الدُّخول في الصَّلاة، والإفطار، إنَّما هو من باب الظَّنّ بدخول الوقت، لا من باب القطع والعلم بدخول الوقت، ولا يظهر منها أنَّه من باب الظَّنّ، بل يمكن دعوى ظُهورها في صُورة العلم، وهذا الإشكال وارد.

وأمَّا الإشكال عليها: بأن مضيّ الصَّوم لا يستلزم عدم القضاء؛ لاحتمال أن يكون المراد من المضيّ فساد الصَّوم، فيتعيّن القضاء حينئذٍ.

ففيه: أنَّ هذا الإشكال غيرُ واردٍ؛ لأنَّه بعيد جدًّا عن ظاهرها.

ومنها: صحيحته الثَّانية عن أبي جعفر (عليه‌السَّلام) -في حديث- أنَّه قال لرجل ظنَّ أنَّ الشَّمس قد غابت، فأفطر، ثمَّ أبصر الشَّمس بعد ذلك؟ قَاْل: ليس عليه قضاء[3]

والمراد من الظَّنّ: هو ما يكون مع المُراعاة، ومع وجود علَّةٍ في السَّماء من غيم ونحوه من الأعذار النَّوعيّة، فهذا هو المتيقَّن منه، وليس المراد مطلق الظَّنّ، كما لا يخفى.

والخُلاصة: أنَّ الاستدلال بهذه الصَّحيحة تامّ.

ومنها: رواية أبي الصّباح الكنانيّ قَاْل: سألتُ أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجلٍ صام، ثمَّ ظنَّ أنَّ الشَّمس قد غابت، وفي السَّماء غيمٌ، فأفطر، ثمَّ إنَّ السَّحاب انجلى، فإذا الشَّمس لم تغب؟ فقال: قد تمّ صومه، ولا يقضيه[4]

ولكنها ضعيفة؛ لأنَّ مُحمّد بن الفُضيل الرَّاوي عن أبي الصُّباح الكنانيّ مشتركٌ بين الضَّبيّ البصريّ الثِّقة، وبين الأزديّ الضَّعيف، وكلاهما في طبقة واحدة، وقد أتعب نفسه الشَّريفة المُحقِّق الأردبيليّ (رحمه الله) في جامع الرُّواة لإثبات أنَّه مُحمّد بن القاسم بن فضيل الثِّقة، وأنَّه نُسب إلى جدّه، ولم يذكر والده، إلَّا أنَّ ما ذكره لم تطمئنّ به النَّفس، فلا يفيد إلَّا الظَّنّ الَّذي لا يغني عن الحقّ شيئاً.


[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج10، ص123، أبواب ما يمسك عنه الصائم، باب51، ح3، ط آل البيت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo