< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم

 

ومنها: رواية زيد الشّحَّام عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) في رجلٍ صائم ظنَّ أنَّ اللَّيل قد كان، وأنَّ الشَّمس قد غابت، وكان في السَّماء سحاب فأفطر، ثمَّ إنَّ السَّحاب انجلى، فإذا الشَّمس لم تغب، فقال: تمَّ صومه، ولا يقضيه[1]

وهي ضعيفة أيضاً بأبي جميلة المفضّل بن صالح، وهاتان الرِّوايتان -مع غضّ النَّظر عن ضعفهما سنداً- محمولتان على صُورة المُراعاة الَّتي يجوز العمل فيها بالظَّنّ.

وعليه، فالعمدة هي صحيحة زُرارة الثَّانية، كما أنَّ العمدة للقول بوجوب القضاء موثَّقة أبي بصير وسُماعة، وقد جمع بينهما الشَّيخ (رحمه الله) في الاستبصار بحمل موثَّقة أبي بصير، وسُماعة -الدَّالّة على وجوب القضاء- على الشَّكّ وتساوى الاعتقاد.

قال في الاستبصار -بعد ذِكْر الموثَّقة-: الوجه في هذه الرِّواية أنَّه متى شكّ فدخول اللَّيل عند العارض وتساوت ظنونه، ولم يكن لأحدهما مزيّةٌ على الآخر، لم يجز له أن يفطر حتَّى يتيقَّن دخول اللَّيل، أو يغلب على ظنِّه، ومتى أفطر، والأمر على ما وصفناه وجب عليه القضاء حسب ما تضمّنه هذا الخبر[2]

ويرد عليه: أنَّ ما ذكره ليس تامًّا؛ لأنَّ قوله في الموثَّقة فرأوا أنَّه اللَّيل، ظاهرٌ جدًّا في حُصول الظَّنّ بدخول اللَّيل، فكيف يحمل على الشَّكّ.

ومنهم من جمع بين الرِّوايات: بالتَّنزيل على مراتب الظَّنّ، وجعل بعض الظَّنّ غالباً على بعض، فأوجب القضاء بحصول الظَّنّ غير القويّ، وحمل عليه موثَّقة أبي بصير وسماعة.

ونفى الوجوب مع غلبة الظَّنّ، وحمل عليه الرِّوايات الأُخرى النَّافية لوجوب القضاء.

وفيه: أنَّه لا وجه لهذا الجمع، فإنَّه بلا شاهد ولا بيّنة.

ومن هنا، قال الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك: ويشكل بعدم انضباط مراتب الظَّنّ حتَّى يجعل بعضها غالباً و بعضها غير ذلك، بل الظَّنّ كلّه غالبٌ، وبأنَّ الحكم في النُّصوص معلّقٌ على مطلق الظَّنّ في الحالَيْن[3]

وحمل صاحب الجواهر (رحمه الله) موثَّقة أبي بصير وسُماعة على صُورة الجهل بأنَّ في السَّماء علةً، وزعمه أنَّ السَّحاب الذي غشيهم هو اللَّيل، أي سواده، وحمل سائر الرِّوايات على صورة العلم بذلك.

وفيه: أنَّ الحمل في كلٍّ منهما ليس حملاً عرفيًّا، ومن البعيد جدًّا حمل الموثَّقة على صُورة الجهل بوجود العلَّة في السَّماء.

كما أنَّه من البعيد جدًّا حَمْل سائر الرِّوايات على صُورة العلم بوجود العلَّة في السَّماء.

والإنصاف: أن يُقال: إنَّه لا يمكن الجمع العرفيّ بين الموثَّقة، وسائر الرِّوايات -مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند في بعضها-، فإنَّ ظاهر الموثَّقة أنَّه ظنّ بدخول اللَّيل؛ للعلَّة الموجودة في السَّماء، مع الظَّنّ بدخول اللَّيل، وبينهما تعارض.

وبما أنَّ الموثَّقة موافقةٌ لمذهب العامَّة، فإنَّ القول بوجوب القضاء مذهب الجمهور عندهم، فتُحمل على التَّقيّة، وسائر الرِّوايات الدَّالّة على عدم الوجوب مخالفة للعامَّة.

والنَّتيجة: هو أنَّ الأقوى عدم الوجوب.

هذا كلُّه مع المُراعاة والفحص والتّحريّ.

وأمَّا لو لم يكن كذلك، كما لو كان في بيت مظلم، فحصل له الجزم بدخول اللَّيل بواسطة السَّاعة، ونحوها، ثمَّ انكشف خطؤه، فإنَّ هذا خارج عن منصرف النُّصوص، فيرجع في حكمه إلى القاعدة، وهي فساد صومه بتناول المفطر، ما لم يدلّ دليل تعبُّديّ على خلافه، والله العالم بحقائق أحكامه.

 

قوله: (والفرق: اعتضاد ظنِّه بالأصل هناك، ومخالفته الأصل هنا)

أي الفرق بين ما نحن فيه -فيما لو ظنّ دخول اللَّيل- وبين المُراعي للفجر الظَّانّ لبقاء اللَّيل، حيث قلنا هناك: إنَّه مع المُراعاة لا قضاء هو اعتضاد ظنِّه بالأصل -أي الأصل بقاء اللَّيل وجواز التناول- هناك، أي في مراعي الفجر، ومخالفة ظنِّه -أي ظنّ دخول اللَّيل- للأصل هنا، أي فيمن راعى دخول اللَّيل؛ لأنَّ الأصل بقاء النَّهار، وهو مخالف لظنِّه دخول اللَّيل.

ولكنَّك عرفت أنَّه لا فرق في عدم القضاء في المُراعاة بين الصُّورتَيْن.

 

قوله: (وبتعمُّد القيء، ولو ذرعه فلا، وقال المرتضى: لا قضاء بتعمُّده)

قلنا سابقاً عند الكلام عن المفطِّرات: إنَّ المُصنِّف (رحمه الله) لم يذكر من المفطِّرات الكذب على الله تعالى، وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله)، ولا على الأئمَّة (عليهم السلام)، كما أنَّه لم يذكر هناك تعمُّد القيء.

وعليه، فقد ذكرنا هذَيْن الأمرَيْن هناك بعد الانتهاء عن المفطِّرات الَّتي ذكرها المُصنِّف (رحمه الله) الَّتي كان آخرها قوله (رحمه الله): والارتماس على الأقوى.

وبيّنا هناك حكم تعمُّد القيء، وأنَّ المعروف بين الأعلام أنَّ تعمُّد القيء موجبٌ للقضاء خاصَّة، وذكرنا جملةً من الرِّوايات دلّت على أنَّ تعمُّد القيء موجب للقضاء:

منها: صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) قال: إذا تقيَّأ الصَّائم فقد أفطر، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فَلْيتمَّ صومه[4] ، وكذا غيرها من الرِّوايات التي ذكرناها هناك.

كما أننا ذكرنا هناك ما حُكي عن بعض الأعلام من أنَّه لا قضاء ولا كفَّارة عليه، وذكرنا أنَّه استدلّ لهم بجملة من الأدلّة، وأجبنا عنها، فراجع، فإنَّه مهمّ.

 

قوله: (ونُقل: وجوب الكفَّارة)

أي نقل السّيِّد المرتضى (رحمه الله) عن بعض الأعلام وجوب الكفَّارة مع القضاء فيما لو تعمّد ذلك.

أقول: لم نذكر حكم الكفارة هناك، ولذا ينبغي بيان حكمها هنا.

وقد ذهب بعض الأعلام إلى أنَّ تعمُّد القيء يوجب القضاء والكفَّارة.

والمشهور عدم وجوب الكفَّارة، وإنَّما يجب القضاء فقط.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo