< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم

 

الكفارة مع تعمد القيء

بل ذكر في الجواهر: أنَّ عدم الكفَّارة صريح إجماع الخلاف، وظاهر غيره المُؤيّد بالتَّتبّع، بل لم نعرف القائل بوجوبها -أي القضاء والكفَّارة- معاً عليه منّا، وإنَّما حُكي عن المرتضى إرساله، كما أنَّه لا دليل عليه سوى إطلاق نُصوص الكفَّارة فيمَنْ أفطر عمداً...

وأجاب عن هذا الدَّليل -أي دليل وجوب الكفَّارة- المُحقِّق الهمدانيّ وغيره من الأعلام: بأنَّ إطلاق اسم الإفطار عليه في بعض الأخبار المُتقدِّمة لو سلم كونه حقيقيًّا لا يجعله مندرجاً في موضوع قوله: ©من أفطر مُتعمِّداً فعليه كذا بعد انصراف هذا الإطلاق عرفاً إلى الأكل والشُّرب لو لم نقل بكونه حقيقةً فيهما، كما أوضحناه في الاحتقان، والمراد بلفظ الإفطار في مثل الموارد هو مطلق الإفساد لا التَّشبيه بالأكل والشُّرب حتَّى يُدّعى أنَّ مقتضى إطلاق التَّشبيه مساواتهما في الحكم، لا في خُصوص القضاء....

وفيه: أنَّ انصراف قوله (عليه‌السَّلام): مَنْ أفطر متعمداً فعليه كذا...®، إلى الأكل والشُّرب هو انصراف خارجيّ لا يضرّ بالإطلاق، فإنَّ الغالب خارجاً هو الإفطار بالأكل والشُّرب، إلَّا هذا لا يجعله غير شاملٍ لغيرهما من المفطِّرات.

وقدِ استدلّ صاحب الجواهر (رحمه الله) لعدم وجوب الكفَّارة: أنَّ النُّصوص، مع كونها في مقام البيان اقتصرت على القضاء خاصَّة.

قال: ©بل في بعضها بعد الأمر بالإعادة التّعرُّض لإثمه، وأنَّه إن شاء الله عذَّبه، وإن شاء غفر له، وهو كالصَّريح في عدم الكفَّارة الَّتي يفزع إليها في تكفير الذَّنب...®(1).

وفيه: أنَّ الاقتصار على خُصوص القضاء، مع كونه (عليه السَّلام) في مقام البيان، وإن كان يدلّ على عدم الوجوب، إلَّا أنَّ عموم وجوب الكفَّارة على مَنْ أفطر عمداً بمنزلة الحاكم عليه.

وعليه، فإنَّ كان هناك تسالم على عدم وجوبها، فنلتزم بذلك، ولكنَّه غير ظاهرٍ، كما أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجّة.

فالأقوى حينئذٍ: فيما لو تعمّد القيء القضاء والكفَّارة، والله العالم.

قوله: (ولو ابتلع ما خرج منه كفَّر، واقتصر في النِّهاية، والقاضي على القضاء، وفي رواية مُحمّد بن سنان: لا يفطر، وتُحمل على عوده بغير قصدٍ)

 

المعروف بين الأعلام أنَّه لو خرج بالتجشُّؤ شيء، ثمَّ نزل من غير اختيارٍ، لم يكن مبطلاً للصَّوم، ولو وصل إلى فضاء الفم فبعله اختياراً بطل صومه، وعليه القضاء والكفَّارة.

واقتصر الشَّيخ (رحمه الله) في النِّهاية، والقاضي ابن البرَّاج (رحمه الله) على القضاء.

وعن ابن الجنيد (رحمه الله): ©القَلَس(2) لا يفطر، فإن حصل في الفم، ثمَّ عاد الى جوف الصَّائم، فالأحوط: القضاء، وإن تعمَّد أفطر...®(3).

وفي المختلف: ©والظَّاهر أنَّه يريد بذلك وجوب الكفَّارة®(4).

أقول: مقتضى الإنصاف هو وجوب القضاء والكفَّارة عند ابتلاع ما تخلَّف في الفم من القيء أو القَلَس عمداً؛ وذلك لأنَّه يصدق عليه أنَّه تعمّد الإفطار.

وأمَّا القَلَس عمداً من دون تخلُّف ما يبتلعه عمداً منه فلا شيء فيه إذا لم يصل الطَّعام فيه إلى الفم، ولو وصل ولكن سبقه رجوعه ولم يبتلعه اختياراً، بل نزل من غير اختيارٍ فلا شيء عليه من القضاء والكفَّارة؛ لأنَّه لا يصدق عليه أنَّه تعمّد الإفطار.

وتدلُّ عليه أيضاً جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة عبد الله بن سنان ©قَاْل: سُئل أبو عبدالله عليه‌السلام عن الرَّجلِ الصَّائمِ يَقْلِسُ فيخرج منه الشَّيءُ مِنَ الطَّعام، أيُفطِره ذلك؟ قَاْل: لا، قلتُ: فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قَاْل: لا يُفْطِره ذلك®(5).

وقول المُصنِّف (رحمه الله): ©وفي رواية مُحمّد بن سنان...®، فهو سهو؛ إذِ الرِّوايّة هي لعبد الله بن سنان، وهي صحيحة، وصدر الصَّحيحة يدلّ على أنَّ مجرّد القَلَس، وهو خُروج شيءٍ من الطَّعام لا يضرّ بالصَّوم قطعاً ما لم يبتلعه.

وأمَّا إذا ازدرده وابتلعه، فقال (عليه‌السَّلام): ©لا يفطره®، وهو محمول على الابتلاع من غير اختيارٍ وقصد، كما هو الغالب.

وعليه، فلا قضاء ولا كفَّارة.

وقوله: ©فإن ازدرده صار على لسانه®، وإن كان مطلقاً يشمل الازدراد العمديّ، وغير العمد، إلَّا أنَّه لا يوجد عامل بإطلاقها، بل ظاهر الأعلام التَّسالم على فساد الصَّوم بتعمُّد ما تخلَّف في الفم من القيء أو القَلَس، وإنِ اختلفوا في أنَّه يوجب القضاء خاصَّة أو القضاء والكفَّارة، فهي محمولة على الغالب من كون الازدراد بغير اختياره:

ومنها: موثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) © قَاْل: سألتُه عن الرَّجل يخرج من جوفه القلس حتَّى يبلغ الحلق، ثمَّ يرجع إلى جوفه، وهو صائم؟ قَاْل: ليس بشيءٍ®(6)، أي يرجع بغير اختياره، والله العالم.

________

(1) الجواهر: 16، ص287.

(2) القلس -بالتحريك، وقيل: بسكون اللام-: هو الجشأة التي يرتفع الطَّعام بها من جوف الرَّجل من غير أن يتقيّأ، والجشأ: صوت يخرج من الفم عند شدَّة الامتلاء.

(3) فتاوى ابن الجنيد للإشتهاردي: ص110.

(4) المختلف للعلَّامة: ج3، ص423.

(5) الوسائل باب29 من أبواب ما يمسك عن الصَّائم ح9.

(6) الوسائل باب30 من أبواب ما يمسك عنه الصَّائم ح2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo