< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/08/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم

 

قوله: (وبسَبْق الماء إلى الحَلْق إذا تمضمض أو استنشق للتّبرُّد لا للطَّهارة للصَّلاة، وإزالة النَّجاسة، وفي الصَّلاة المندوبة رواية حسنة بالقضاء)

من جملة الموارد الَّتي يجب القضاء فيها خاصَّة ما لو سبق الماء إلى الحَلْق إذا تمضمض للتبرُّد لا للطَّهارة للصَّلاة.

أقول: يقع الكلام في سبعة أُمورٍ:

الأوَّل: هل يجوز -تكليفاً- للصَّائم أن يتمضمض للوضوء أو مطلق الطَّهارة أو للتّبرُّد أو عبثاً، ونحو ذلك، أم لا يجوز له ذلك -مع قطع النَّظر عن دخول الماء إلى الجوف بغير اختياره، وعدم دخوله-؟

الثَّاني: ما حكم مَنْ أدخل الماء إلى فمه للتبرُّد -بمضمضة أو غيرها- فسبقه ودخل الجوف، فهل يقضي أم لا؟

الثَّالث: ما حكم مَنْ أدخل الماء إلى فمه للعبث أو للتَّداوي، أو لإزالة النَّجاسة، فسبقه ودخل الجوف؟

الرَّابع: ما حكم ما لو تمضمض لوضوء الصَّلاة فسبقه الماء إلى الجوف بغير اختياره؟

الخامس: ما حكم ما لو أدخل إلى فمه غيرَ الماء، فدخل إلى الحلق بغير اختياره؟

السَّادس: ما حكم ما لو استنشق الماء، فدخل إلى الحلق بغير اختياره؟

السَّابع: ما حكم من أدخل الماء إلى فمه للتَّمضمض به للوضوء أو للتّبرُّد، ونحو ذلك، ثمَّ نسي فابتلعه؟

إذا عرفت ذلك، فنقول:

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف هو جواز التَّمضمض للصَّلاة أو للتبرّد، ونحو ذلك.

بل قال العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى: ©ولو تمضمض لم يفطر بلا خلاف بين العلماء كافَّة، سواء كان في الطَّهارة أو غيرها®(1).

خلافاً لظاهر كلام الشَّيخ (رحمه الله) في الاستبصار، حيث يظهر منه عدم جواز المضمضة للتّبرُّد، فإنَّه بعد أن روى عن زيد الشَّحام عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) ©في الصَّائم يتمضمض، قَاْل: لا يبلع ريقه حتَّى يبزق ثلاث مراتٍ®(2).

قال ما لفظه: ©قال: مُحمّد بن الحسن هذا الخبر مختصٌ بالمضمضة إذا كانت لأجل الصَّلاة، فأمَّا للتّبرُّد فإنَّه لا يجوز على حال، يدلّ على ذلك:

٢ـ ما رواه مُحمّد بن يعقوب عن عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الرَّيان بن الصَّلت، عن يونس، قَاْل: الصَّائم في شهر رمضان يستاك متى شاء، وإن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فلا شيء عليه وقد تمَّ صومه، وإن تمضمض في غير وقتٍ فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة، والأفضل للصَّائم أن لا يتمضمض®(3).

وفيه أوَّلا: أنَّها ضعيفة بسهل بن زياد، مع أنَّها موقوفة على يونس، فيحتمل أنَّها من كلامه، بل ظاهرها ذلك.

وثانياً: أنها لا تدلّ على الحرمة، فإنَّ قوله: ©وإن تمضمض في غير وقت فريضةٍ، فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة®، لا يدلّ على الحرمة، كما هو واضح، بل هو ظاهرها ذلك على الحكم الوضعيّ، وهو الإعادة.

كما أنَّ قوله: ©والأفضل للصَّائم أن لا يتمضمض®، لا يدلّ على الحرمة، بل هذه العبارة ظاهره في الجواز، فهي على خلاف مطلوبه أدلّ.

والخُلاصة: أنَّه لا إشكال في جواز المضمضة للصَّائم.

ثمَّ إنَّ رواية زيد الشحَّام التي ذكرها الشَّيخ هو ضعيفة بأبي جميلة -المفضَّل بن صالح- وكان نخَّاساً يبيع الرَّقيق، ويُقال: إنَّه كان حداداً، وضعيفة أيضاً بجهالة إسماعيل بن مرار.

وأمَّا الأمر الثَّاني: المعروف بين الأعلام أنه من أدخل الماء إلى فمه للتبرد بالمضمضة، وغيرها، فسبقه ودخل إلى الحلق فإنَّه يقضي.

وفي الجواهر: ©والحكم لا خلاف فيه أجده، بل هو من معقد النِّسبة إلى علمائنا في المحكيّ عن المنتهى بل عليه الإجماع في الانتصار والخلاف والغنية...®(4).

أقول: مقتضى القاعدة عدم البطلان؛ لأنَّه لم يكن باختياره، وقد عرفت أنَّه يشترط في مفطريّة المفطِّرات أن تكون عن عمد واختيار.

نعم، يجب عليه القضاء لأمرَيْن:

الأوَّل: للتَّسالم بينهم قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار.

الثَّاني: للرِّوايات:

منها: موثَّقة سُماعة -في حديث- ©قَاْل: سألتُه عن رجلٍ عبث بالماء يتمضمض به من عطش، فدخل حلقه؟ قَاْل: عليه قضاؤه، وإن كان في وضوء فلا بأس به ®(5).

ومضمرات سُماعة مقبولة.

ورواها الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) بإسناده عن سُماعة بن مهران ©وإن تمضمض في غير وقت فريضةٍ، فدخل الماء حلقه، فعليه الإعادة®(6).

ولكنَّك عرفت أنَّها ضعيفة بسهل بن زياد، مضافاً لما ذكرناه من أنَّه يحتمل أن يكون ذلك من كلام يونس، بل ظاهرها ذلك.

وقدِ استدلّ لذلك أيضاً: بأنَّه أولى من القضاء بدخول الماء الحلق في الوضوء لصلاة النَّافلة.

كما في صحيحة الحلبيّ الآتية عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) ©في الصَّائم يتوضَّأ للصَّلاة، فيدخل الماء حلقه، فقال: إن كان وضوءه لصلاة فريضة فليس عليه شيءٌ، وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء®(7).

إن قلت: إنَّ هذه الأدلَّة يعارضها موثَّقة عمَّار السَّاباطيّ ©قَاْل: سألتُ أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرَّجل يتمضمض، فيدخل في حلقه الماء، وهو صائم؟ قَاْل: ليس عليه شيءٌ إذا لم يتعمّد ذلك، قلتُ: فإن تمضمض الثَّانية فدخل في حلقه الماء؟ قَاْل: ليس عليه شيءٌ، قلتُ: فإن تمضمض الثَّالثة؟ قَاْل: فقال: قد أساء، ليس عليه شيءٌ ولا قضاء®(8).

قلتُ: هذه الموثَّقة مطلقة، وموثَّقة سُماعة المتقدِّمة مقيّدة بالعبث بالماء للتّبرُّد بالمضمضة، فيحمل المطلق على المقيّد، فيكون المراد من موثَّقة عمَّار هو التَّمضمض للوضوء بعد الجمع المذكور، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- أنَّ المراد الوضوء للفريضة.

_______________

(1) المنتهى -ط قديمة-: ج2، ص579.

(2) الوسائل باب31 من أبواب ما يمسك عنه الصَّائم ح1.

(3) الوسائل باب23 من أبواب ما يمسك عنه الصَّائم ح3.

(4) الجواهر: ج16، ص289.

(5)و(6)و(7)و(8) الوسائل باب23 من أبواب ما يمسك عنه الصَّائم ح4و3وذيل حديث1و5.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo