< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/08/25

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم

 

أقول: السُّعوط إذا لم يتعدَّ الحلق فلا دليل على الإفطاريَّة، وإن وصل إلى الدّماغ الَّذي هو من الجوف؛ إذ لا يوجد ما يدلّ على أنَّ مطلق الإيصال إلى الجوف يكون مفسدًا.

ومن هنا، ذهب الأعلام إلى أنَّه لا يفطر التَّقطير في الأُذن، وإن وصل إلى الجوف ما لم يتعدَّ الحلق.

نعم، لو وصل التَّقطير إلى الجوف عن طريق الحلق، وكذا لو وصل السُّعوط، فإنَّه يكون مفطرًا؛ لصدق الأكل والشُّرب؛ إذ كلّ ما يصل إلى الجوف عن طريق الحلق بما يُسمّى أكلًا أو شربًا فهو مفطر.

وأمَّا ما ورد في موثَّقة ليث المرادي قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عنِ الصَّائم يحتجم، ويصبّ في أُذنه الدّهن؟ قَاْل: لا بأس، إلَّا السُّعوط، فإنَّه يُكره.[1]

وكذا في موثَّقة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن عليٍّ (عليه‌السَّلام) أنَّه كره السُّعوط للصَّائم.[2]

فإنَّه يجاب عنه: أنَّه لا إطلاق فيهما، بحيث يشمل الوصول إلى الجوف عن طريق الحلق، بل إنَّما وردتا لبيان كراهة السُّعوط من حيث هو لا غير.

وإن أبيت إلَّا عن أن يكون المراد من الكراهة الحرمة، فتُحملان حينئذٍ على وصول السُّعوط إلى الجوف عن طريق الحلق، فيكون ذلك شُرباً أو أكلًا.

ثمَّ إنه لو شككنا في وصوله إلى الجوف عن طريق الحلق، فإن مقتضى القاعدة عدم المفطريّة للشَّكّ في كونه مفطرًا، والأصل عدم المفطريّة.

ثمَّ إنَّه ممَّا ذكرناه يتَّضح لك حال بقيّة الأقوال.

***

قوله: (ولو ابتلع ما أخرجه الخلال مُتعمّداً كفّر، وفي الخلاف القضاء)

إذا ابتلع متعمّداً ما أخرجه الخلال أو ما خرج من بقايا الغذاء المتخلّفة بين أسنانه ولو بنفسه فسد صومه وقضاه.

وفي الجواهر: قولاً واحداً عندنا خلافاً لأبي حنيفة فلم يوجبه....

وكذا كفّر وجوباً؛ لأنَّه تناول المفطر عامداً مختاراً فوجب عليه القضاء والكفَّارة، كما لو ابتدأ أكله، وما ذلك إلَّا من باب كونه أكلاً، فظهر أنَّه لا يعتبر في الإفطار العمديّ إدخال شيء من خارج الفم إليه، كما لا مدخليّة لكثرة المأكول أو قلّته.

ومن هنا، يتَّضح لك عدم صحَّة ما ذكره صاحب المدارك (رحمه الله) ، حيث قال: ويمكن المناقشة في فساد الصَّوم بذلك؛ لعدم تسميته أكلاً، ولما رواه الشَّيخ في الصَّحيح، عن عبد الله بن سنان، قَاْل: سُئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عَنِ الرَّجل الصَّائم يقلس فيخرج منه الشَّي‌ء أيفطره ذلك؟ قَاْل: لا، قلتُ: فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال: لا يفطره ذلك[3] [4] ، انتهى كلام صاحب المدارك (رحمه الله).

ووجه عدم صحَّة ما ذكره: هو أنَّه لا فرق في تسميته أكلاً بين كون المأكول كثيرًا أم قليلاً.

نعم، إذا ذاب شيء ممَّا بقي بين أسنانه، بحيث صار من الرّيق، فلا بأس لعدم كونه أكلاً.

وأمَّا بالنِّسبة لصحيحة عبد الله بن سنان، فقد تقدَّمت، وقلنا: إنَّ قوله: فإن ازدرده بعد أن صار...، محمولٌ على الابتلاع من غير قصد واختيار، كما هو الغالب.

وبالجملة، فإنَّ قوله: فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه...، وإن كان مطلقاً يشمل الازدراد العمديّ، وغير العمد، إلَّا أنَّه لا يوجد عامل بإطلاقها، لاسيّما أنَّ طباع النَّاس لا ترغب في ابتلاع ما يخرج من الجوف، حيث يعدونه من الخبائث.

ومن هنا، يحرم ابتلاعه للصَّائم ولغيره.

ولولا وجود الدَّليل الخاصّ على جواز ازدراد النّخامة لذهبنا إلى الحرمة.

أضف إلى ذلك: أنَّ في إجراء حكم ابتلاع ما يخرج من الدَّاخل على ما نحن فيه نوعاً من القياس؛ إذ يمكن أن يكون حكم ابتلاع ما يخرج من الدَّاخل حكم ما يخرج من الصَّدر أو ينزل من الرَّأس ممَّا هو أمر داخليّ باطنيّ، وهذا بخلاف بقايا الغذاء الموجود بين الأسنان، حيث لم يدخل بعد إلى الجوف.

ومهما يكن، فما ذكره صاحب المدارك (رحمه الله) ليس في محلِّه.

نعم، لو ابتلع ما خرج من بين أسنانه سهواً ونسياناً، فلا شيء عليه، سواء قصر في التَّخليل أم لا، لاسيَّما أنَّه لا يوجد نصّ على وجوب التَّخليل، ولو كان لبان لكثرة الابتلاء به؛ لما هو معلوم من كثرة أكل النَّاس قُرب طُلوع الفجر في ليالي شهر رمضان، ويبقى شيءٌ من الغذاء غالباً بين الأسنان.

بقي الكلام فيما ذهب إليه الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف من وجوب القضاء، حيث اقتصر عليه، ولم يذكر الكفَّارة، مع أنَّ دليله يفيد وجوب الكفَّارة أيضاً، حيث قال: دليلنا: أنَّه ابتلع ما يفطره فوجب أن يفطره؛ لأنَّه لو تناول ابتداءً ذلك المقدار أفطر بلا خلاف، وأيضاً فإنَّه ممنوع من الأكل، وهذا قد أكل....[5]

ولكن يحتمل أن يكون اقتصاره على ذكر وجوب القضاء؛ لأنَّه ليس في صدد بيان ما يترتّب عليه من الكفَّارة؛ لأنَّ له بحث آخر، والله العالم.


[4] المدارك، ج6، ص104.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo