< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/09/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم

قوله: (ولو قصد الإمذاء بالملاعبة، فلا كفَّارة)

لو قصد الإمذاء بالملاعبة، وخرج منه المذيّ بها، فالمعروف بين الأعلام أنَّه لا كفَّارة عليه، ولا قضاء أيضاً.

وعبارة المُصنِّف (رحمه الله) تُوهم وجوب القضاء، خُصوصاً بعد ملاحظة تخصيصه للخلاف في وجوب القضاء -فيما سيأتي- بمَنْ أمذى عن ملاعبة بغير قصدٍ.

ولكنَّ الظَّاهر أنَّه لا يقول بوجوب القضاء.

ومهما يكن، فقد يستدلّ لعدم الكفَّارة والقضاء بروايتَيْن لأبي بصير:

الأُولى: قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرَّجل يضع يده على جسد امرأته وهو صائم؟ فقال: لا بأس، وإن أمذى فلا يفطر، قَاْل: وقال: ﴿لا تُبَاشِرُوهُنَّ﴾، يعني: الغشيان في شهر رمضان بالنَّهار[1]

والثَّانية: قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل كلَّم امرأته في شهر رمضان وهو صائم؟ فقال: ليس عليه شيء، وإن أمذى فليس عليه شيءٌ، والمباشرة ليس بها بأس، ولا قضاء يومه، ولا ينبغي له أن يتعرّض لرمضان[2]

وقوله: والمباشرة ليس بها بأس، أي وضع اليد عليها، ونحو ذلك.

ولكن الَّذي يردّ على الرِّوايتَيْن: أنَّهما ضعيفتان بعليّ بن أبي حمزة البطائنيّ، وبعدم وثاقة القاسم بن مُحمّد.

ويحتمل أنَّ الرِّوايتَيْن رواية واحدة.

والصَّحيح: أن يستدلّ لعدم وجوبهما بأصل البراءة، لاسيَّما أنَّ المذيّ غير نجسٍ، ولا يوجب طهارة، ولا ينقض الوضوء.

قوله: (خلافًا لابن الجنيد)

حيث يظهر من كلامه المنقول في المختلف وجوبهما لو أمذى بالملاعبة إن تعمَّد الإمذاء، وإلَّا فالقضاء خاصَّة.

قال العلَّامة (رحمه الله) في المختلف نقلاً عنه (رحمه الله): وقال ابن الجنيد: لا بأس بالملامسة، ما لم يتولَّد منه منيّ أو مذيّ، فإن تولَّد ذلك وجب القضاء، وإن تعمَّد إنزال ذلك وجب القضاء والكفَّارة...[3]

والحكم بالكفارة في المذيّ لا وجه له ظاهر، إلَّا قياسه على المنيّ، كما نُقل عن مالك وأحمد؛ لأنَّه خارج خرج بالمباشرة المقرونة بالشّهوة، كالمنيّ، أو قياس الصَّوم على الإحرام؛ لورود الكفَّارة في الإمذاء بشهوة في الإحرام في حسنة معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) قَاْل: سألتُه عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم؟ قَاْل: لا شيء عليه، ولكن ليغتسل ويستغفر ربَّه، وإن حملها من غير شهوةٍ فأمنى أو أمذى وهو محرم فلا شيء عليه، وإن حملها أو مسّها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم...[4]

ولكنَّك عرفت أنَّ القياس باطل.

والمعروف عن ابن الجنيد (رحمه الله) أنَّه كان يعمل بالقياس، قال النَّجاشيّ (رحمه الله): مُحمّد بن أحمد بن الجُنيد أبو عليّ الكاتب الأسكافيّ، وجه في أصحابنا، ثقة، جليل القدر، صنَّف فأكثر، سمعتُ شيوخنا الثّقات يقولون عنه: إنَّه كان يقول بالقياس...[5]

وقال الشَّيخ (رحمه الله): مُحمّد بن أحمد بن الجُنيد، يُكنّى أبا عليّ، وكان جيّد التّصنيف حسنه، إلَّا أنَّه كان يرى القول بالقياس، فتركت لذلك كُتبه، ولم يعول عليها، وله كتب كثيرة، منها كتاب تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة، كبير نحوًا من عشرين مجلدًا، يشتمل على عدد كتب الفِقه على طريقة الفقهاء...[6]

هذا بالنِّسبة للكفَّارة، وأمَّا القضاء فتدلّ عليه: صحيحة رفاعة بن موسى بن النخَّاس قَاْل: سألتُ أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلٍ لامس جاريةً في شهر رمضان، فأمذى؟ قَاْل: إن كان حراماً فَلْيستغفر الله استغفار مَنْ لا يعود أبداً، ويصوم يوماً مكان يومٍ، وإن كان من حلال فَلْيستغفر الله ربَّه، ولا يعود ويصوم يومًا مكان يوم[7]

وفيه: أنَّ جميع الأعلام أعرضوا عن هذه الرِّوايّة، ولم ينسب العمل بها، إلَّا لابن الجنيد (رحمه الله)، وقد عرفت حاله.

ومن هنا، قال الشَّيخ (رحمه الله) في التَّهذيب: فهذا حديث شاذّ نادر، ومخالف لفتيا مشائخنا كلّهم، ولعلّ الرَّاوي وهم في قوله في آخر الخبر: ويصوم يومًا مكان يوم؛ لأنَّ متضمّن الخبر يدلّ عليه، ألا ترى أنَّه شرع في الفرق بين أن يكون أمذى من مباشرة حرام وبين أن يكون الإمذاء من مباشرة حلال، وعلى الفتيا الَّذي رواه لا فرق بينهما، فعلم أنَّه وَهْم من الرَّاوي[8] ، وهو جيِّد.

قوله: (واختلف في وجوب القضاء بالحُقنة بالجامد)

ذكرنا سابقاً البحث بالتَّفصيل، وكانت النَّتيجة: أنَّ ذلك لا يوجب القضاء، ولا الكفَّارة، فراجع.

قوله: (والصبّ في الإحليل فيصل الجوف، وفي طعنه نفسه برمح كذلك، أو داوى جرحه كذلك، أو قطَّر في أُذنه دُهناً)

اِختلف الأعلام في وجوب القضاء في الصَّبّ في الإحليل، أي مخرج البول وثقبة الذَّكر فيصل الجوف، وكذا في طعنه نفسه برمح كذلك، أي واصل إلى الجوف.

قال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: فإن طعنه غيره طعنةً وصلت إلى جوفه لم يفطر، وإن أمره هو بذلك ففعل به أو فعل هو بنفسه ذلك أفطر....[9]

وقال في الخلاف: وكذلك إذا طعن نفسه فوصلت الطَّعنة إلى جوفه، أو طعن باختياره...[10]

وكذا الخلاف لو داوى جُرحه بدواء فوصل إلى الجوف، وكذا الخلاف لو قطَّر في أُذنه دُهناً فوصل إلى الجوف.

قال أبو الصَّلاح: التَّقطير في الأذن مُفطَّر؛ لأنَّه يصل إلى الدّماغ....

والأكثر على أنَّ هذه الأمور لا تفطر؛ وذلك لما عرفت سابقاً من أنَّ الصَّوم لا يفسد بما يصل إلى الجوف بغير طريق الحلق إلَّا الحُقنة بالمائع.

وعليه، فلا دليل على وجوب الكفّ عن مطلق ما يصل إلى الجوف ما لم يندرج في مُسمّى الأكل والشُّرب والاحتقان بالمائع، فكلّ شيءٍ يصل إلى الجوف، بحيث لا يكون مدرجاً في مُسمّى الأكل والشّرب والاحتقان بالمائع، لا يضرّ بالصَّوم.

والخُلاصة: هو عدم فساد الصَّوم بما يصل إلى الجوف بغير الحلق مطلقا ما عدا الحقنة بالمائع، من غير فرقٍ بين أن يكون من الإحليل أو غيره.

وأمَّا ما يصل إلى الجوف عن طريق الحلق، سواء من الفم أو الأنف، فهو مفسد مطلقاً، سواء سُمّي في العرف أكلاً أو شُرباً أو بلعاً أو تجرُّعاً أو ازدراداً، ونحوه؛ إذِ المراد بالأكل والشُّرب في هذا الباب ما يتناول كلّ ذلك، ولا يشمل ذلك إدخال الإصبع والرُّمح والعصا ونحوه في حلقه، فإنَّ مثل ذلك أجنبيٌّ عن مفهوم الأكل والشّرب، كما هو واضح.


[3] المختلف، ج3، ص435.
[8] التَّهذيب، ج4، ص273.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo