< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/09/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مُفسِداتُ الصَّوم

وممَّا يُؤكّد ما ذكرناه: صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السَّلام) قَاْل: سألتُه عنِ الصَّائم، هل يصلح له أن يصبّ في اُذنه الدّهن؟ قَاْل: إذا لم يدخل حلقه فلا بأس[1]

وكذا صحيحة حمَّاد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) قَاْل: سألته عن الصَّائم يشتكي أُذنه يصبّ فيها الدَّواء؟ قَاْل: لا بأس به[2]

ونحوه حسنته الأُخرى قَاْل: سألتُ أبا عبد الله عليه‌السلام عَنِ الصَّائم، يصبّ في أُذنه الدّهن؟ قَاْل: لا بأس به[3]

والمراد: ما لم يصل إلى الحلق، بل جزم كثير من الأعلام بعدم الإفساد في ما يصل إلى الحلق بالاكتحال أو التَّقطير في الأُذن أو العين، وهم على حقّ في ذلك؛ لأنَّ ما يصل إلى الحلق من طريق الأنف والعين لا يصل إليه إلَّا بعد الاستهلاك والاضمحلال، وعدم بقاء حقيقته عرفاً، فمنِ اكتحل أو قطَّر في أُذنه شيئاً فوصل إلى جوفه، لا يكون ذلك على وجه صدق عليه أنَّه ابتلع أو ازدرد ذلك الشَّيء.

بل يقال: إنَّه اكتحل فوجد طعمه في حلقه، ولا يُقال: وصل عينه إليه إلا تجوُّزاً.

إن قلت: إنَّ وصول طعمه لازمٌ لوصول جُرمه الحامل للطَّعم -لأنَّ الأعراض لا تنتقل من جسم إلى جسم وحدها-.

قلتُ: هذا، وإن كان صحيحاً، إلَّا أنَّ الأجسام الشَّرعيّة ليست مبنيّةً على التَّدقيقات العقليّة.

فالمدار: على الازدراد عرفاً، وهو منتفٍ في المقام.

نعم، لو فرضنا وجود منفذ عارضيّ قريب من الأُذن مثلاً يصل إلى الحلق مع بقاء ما يصل على حقيقته عرفاً، فلا إشكال في مفطريته.

والخُلاصة: أنَّ ما ذهب إليه الأكثر من عدم القضاء في تلك الأُمور المُتقدِّمة هو الصَّحيح، والله العالم.

قوله: (أو مضغ علكاً)

اِختلف الأعلام في مضغ العلك إذا تغيّر الرِّيق بطعمه، ولم تنفصل منه أجزاء، فابتلع الصَّائم الرِّيق المتغيّر، فهل يوجب القضاء أم لا؟

حرّمه الشَّيخ (رحمه الله) في النِّهاية، حيث قال: لا يجوز للصَّائم مضغ العلك....

وظاهره الحرمة، لا أنَّه مفسدٌ للصَّوم.

نعم، ظاهر ابن الجنيد (رحمه الله) القضاء، حيث قال: لو استجلب الرِّيق بطعام، فوصل إلى جوفه أفطر، وكان عليه القضاء....

نعم، هي غير صريحة.

ومشهور الأعلام بل أكثرهم أنَّه غير مفطر.

وقد يُستدلّ لكونه مفسداً للصَّوم بدليلَيْن:

الدليل الأوَّل: ما ذكره العلَّامة (رحمه الله) في المختلف: احتجّ الشَّيخ بامتناع انتقال الأعراض، فإذا وجد الطَّعم تخلُّل شيءٍ من أجزاء ذي الطَّعم، فدخل الحلق، فكان مفطرًا...[4]

وفيه أوَّلا: يحتمل أن يكون الانفعال بالمجاورة، كما ينفعل الماء والهواء بذلك.

وثانياً: سلّمنا أن يكون وصول طعمه بسبب أجزاء ذي الطَّعم معه؛ لاستحالة انتقال الأعراض بدون محالّها، إلَّا أنَّ الأحكام الشَّرعيّة ليست مبنيّةً على الدِّقّة العقليّة والفلسفيّة، بل المدار على الصِّدق العرفيّ، وهو الأكل والازدراد، وهو منتفٍ هنا.

نعم، لو كان مفتتًا، فوصل منه شيءٌ إلى الجوف بطل الصَّوم؛ لصدق الأكل والازدراد، إلَّا أن تكون الأجزاء مستهلكةً في الرِّيق، فلا يصدق حينئذٍ الأكل والازدراد.

الدَّليل الثَّاني: حسنة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) قَاْل: قلتُ: الصَّائم يمضغ العلك، قَاْل: لا

وفيه: أنَّها محمولةٌ على الكراهة؛ جمعاً بينها وبين صحيحة مُحمّد بن مسلم قَاْل: قَاْل أبو جعفر (عليه‌السَّلام): يا مُحمّد! إيَّاك أن تمضغ علكاً، فإنِّي مضغتُ اليوم علكاً وأنا صائم، فوجدت في نفسي منه شيئاً[5]

وهي صريحة في الجواز، فإنَّ الظَّاهر منها أنَّه (عليه‌السَّلام) إنَّما مضغ العلك وهو صائم مع علمه بما فيه من تغيّر طعم الفم به لجواز ذلك، لكنَّه بعد مضغه رأى زيادةً تغيّر الرّيق به، فنهى عنه على نحو الكراهة.

وقد يستدلّ للجواز أيضاً، ولعدم المُفطريّة: برواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) قَاْل: سألتُه عنِ الصَّائم يمضغ العلك، قال: نعم، إن شاء[6]

ولكنَّها ضعيفة بعلي بن أبي حمزة البطائنيّ، وبجهالة القاسم بن مُحمّد الجوهريّ.


[4] المختلف، ج3، ص419.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo