< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/09/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

قوله: (وغيره يُعزّر مرّتَيْن، وقيل: يُقتل في الثَّالثة؛ لرواية سُماعة، وهي مقطوعة)

إذا ترك الصَّوم غير مستحلٍّ، بل مُقرّ بوجوب صوم شهر رمضان، ومعترف بالإثم والعصيان، فلا إشكال بين الأعلام بأنَّه يعزّر.

وتدلّ على أصل التَّعزير: صحيحة بريد العجليّ ©قَاْل: سُئِل أبو جعفر (عليه السَّلام) عن رجلٍ شهد عليه شُهود أنَّه أفطر مَنْ شهر رمضان ثلاثة أيامٍ، قَاْل: يسأل هل عليك في إفطارك إثم؟ فإن قَاْل: لا، فإنَّ على الإمام أن يقتله، وإن قَاْل: نعم، فإنَّ على الإمام أن ينهكه ضرباً®(1).

وأمَّا أنَّه يعزّر مرّةً ثانيةً فهو المعروف بينهم، والمتّفق عليه، وتقتضيه صحيحة بريد المُتقدِّمة.

ثمَّ إنَّ المشهور بين الأعلام أنَّه يقتل في المرّة الثَّالثة، ولا يعزّر.

وعن بعض الأعلام أنَّه لا يُقتل إلَّا في الرَّابعة، بل ذكر بعض الأعلام أنَّه لا يُقتل في الرَّابعة إلَّا بعد أن يُستتاب، فإنِ امتنع قتل.

وقدِ استدلّ للمشهور ببعض الرٍّوايات:

منها: موثَّقة سُماعة ©قَاْل: سألتُه عن رجلٍ وجد في شهر رمضان، وقد أفطر ثلاث مرَّاتٍ، وقد رُفع إلى الإمام ثلاث مرّاتٍ؟ قَاْل: يقتل في الثَّالثة®(2).

ومضمرات سُماعة مقبولة، وتعبير المُصنِّف (رحمه الله) بأنَّها مقطوعة مراده كونها مضمرةً.

ولكن الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) رواها في الفقيه بإسناده عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام)، فلا تكون مضمرةً.

نعم، هي موثَّقة باعتبار كون سُماعة، وعثمان بن عيسى، الموجودين في السَّند من الواقفة.

ومنها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) ، وهي مثلها(3).

ومنها: صحيحة يونس عن أبي الحسن الماضي (عليه السَّلام) ©قَاْل: أصحابُ الكبائر كلّها إذا أُقيم عليهم الحدّ مرَّتَيْن قتلوا في الثَّالثة®(4).

ولا يخفى أنَّ الاستدلال بها مبنيٌّ على كون المراد من الحدّ ما يشمل التعزير، كما لا يبعد.

وأمَّا مَنْ ذهب إلى أنَّه قُتِل في الرَّابعة، فقد يستدل له: بما حُكي عن الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط من أنَّه قال: ©روى عنهم (عليهم‌السَّلام) أنَّ أصحاب الكبائر يقتلون في الرَّابعة®(5).

ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

مضافاً لإعراض المشهور عنها.

هذا، وقد ذكر صاحب الجواهر (رحمه الله) أنَّ القتل في الرَّابعة أحوط، خُصوصاً في الدِّماء.

وفيه: أنَّه كيف يكون أحوط مع قيام الدَّليل المعتبر على القتل في الثَّالثة، أليس هذا تعطيلاً لحدود الله تعالى؟!

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّه لا قتل في الثَّالثة إلَّا إذا عُزِّر في كلٍّ من المرّتَيْن، بأن رُفع إلى الإمام في كلِّ مرّةٍ وعزّره، وقبل تخلّل التَّعزير لا يجوز قتله لأصالة حقن الدِّماء، ومفهوم الرِّوايات المُتقدّمة.

***

 

قوله: (ولو استحلّ غير الجماع والأكل والشّرب المعتادين لم يكفّر خلافاً للحلبيّ)

لو استحلَّ فعل شيءٍ من المفطِّرات في الصَّوم باعتقاده أنَّه غير مفطرٍ، فإن كان الفعل الَّذي استحلَّه، مثل الأكل والشُّرب المعتادين أو الجماع، فهو مرتدّ؛ لما عُلِم من الدِّين تحريمها في الصَّوم على نحو الضَّرورة.

وأمَّا إن كان الفعل الَّذي استحلَّه غير الأكل والشُّرب المعتادين من المفطِّرات وغير الجماع لم يكفّر؛ لعدم العلم بتحريمها على نحو الضَّرورة، بل يوجد الخلاف فيها بين المسلمين، بل بين الطَّائفة الحقَّة في أكثرها، كما تقدَّم.

خلافاً للحلبيّ، حيث قال -على ما نُقل عنه في المختلف-: ©قال أبو الصَّلاح: من فعل المفطر مستحلّاً، فهو مرتدّ إنْ كان بالأكل والشُّرب والجماع، وكافر بما عدا ذلك، يحكم فيه بأحكام المرتدّين أو الكفّار... ®(6).

وفيه: أنَّ ما ذكره ليس في محلِّه؛ لعدم كون حرمة غير الثَّلاثة المُتقدِّمة من الضَّرورات حتَّى يحكم بكفر صاحبها.

***

 

قوله: (ولو ادّعى الشُّبهة الممكنة قُبل منه)

إذا ادَّعى الشُّبهة المحتملة في حقِّه، بأن كان قريب العهد بالإسلام، أو ساكن بادية يمكن في حقِّه عدم العلم بكون المفطِّرات مفطرة قُبل منه، ودُرئ عنه الحدّ، كما في سائر الحدود الَّتي تُدرأ بالشُّبهات.

وقدِ اشتهر بين الأعلام درء الحدود بالشُّبهات؛ وذلك للمرسل الَّذي رواه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الفقيه ©قَاْل: قَاْل رسول الله (صلى الله عليه وآله): اِدرؤوا الحدود بالشُّبهات، ولا شفاعة، ولا كفالة، ولا يمين في حدّ®(7).

وهو، وإن كان مرسلاً.

ولكن الَّذي يظهر لي أنَّ الكلّ متسالمٌ على العمل بالحديث.

ومن هنا، تطمئنّ النُّفس بصدوره، فيكون حجّه، والله العالم.

***

 

قوله: (ويُعزّر المجامع بخمسة وعشرين سوطاً، والمطاوعة مثله، فلو أكرهها عزّر خمسين)

أقول: أمَّا أصل التَّعزير، فقد دلّت عليه صحيحة بريد العجليّ المُتقدِّمة.

وأمَّا التَّحديد بخمسة وعشرين سوطاً، والمطاوعة مثله، فإن أكرهها عُزّر خمسين سوطاً، فتدلّ عليه رواية المفضّل بن عمر المُتقدِّمة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) في مسألة إكراه الرَّجل زوجته، وتحمله عنها الكفَّارة ©في رجلٍ أتى امرأته، وهي صائمة، وهو صائم؟ قَاْل: إن كان استكرهها فعليه كفَّارتان، وإن (كانت طاوعته)، فعليه كفَّارة وعليها كفَّارة، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ، وإن كانت طاوعته ضُرب خمسة وعشرين سوطاً، وضُربت خمسة وعشرين سوطاً®(8).

وقد عرفت الإشكال في سندها، ولكن عملنا بها لموجب اقتضى العمل بها، فراجع ما ذكرناه هناك، فإنَّه مهمّ*.

ثمَّ إنَّه ينبغي الاقتصار على موردها، وهو الجماع، ولا موجب للتّعدِّي إلى سائر المُفطِّرات.

وعليه، فلا دليل على تحديد التَّعزير بخمسة وعشرين في سائر المفطِّرات، بل الأمر موكول إلى نظر الإمام في كيفيَّة التَّعزير وكميّته، والله العالم.

ذكر سماحته (دام ظله الوارف) هناك: (وأمَّا المُفضّل بن عمر، فقد ضعفه جماعة من الأعلام.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه ثقة، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في بعض المناسبات.

ورواها الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) بإسناده عن المفضّل بن عمر، إلَّا أنَّ إسناده إليه ضعيف بمُحمّد بن سنان، ورواها الشَّيخ المفيد (رحمه الله) في المقنعة مرسلاً.

قال المُحقِّق في المعتبر: ©وإبراهيم بن إسحاق هذا ضعيف متَّهمٌ، والمفضَّل ابن عمر ضعيف جدًّا، كما ذكر النَّجاشيّ، وقال ابن بابوَيْه: لم يروِ هذه غير المفضَّل، فإذن الرِّواية في غاية الضّعف، لكنَّ علماؤنا ادَّعوا على ذلك إجماع الإماميَّة، ومع ظُهور القول بها، ونسبة الفتوى إلى الأئمَّة، يجب العمل بها، ولنا: نسبة الفتوى إلى الأئمَّة (عليهم السلام) باشتهارها بين ناقلي مذهبهم، كما يعلم أقوال أرباب المذاهب بنقل اتباعهم مذاهبهم، وإنِ استندت في الأصل إلى الآحاد من الضُّعفاء والمجاهيل®، انتهى كلام المحقق (رحمه الله).

قال صاحب المدارك (رحمه الله) –بعد نقله لهذا الكلام-: ©وهو جيد لو علم استناد الفتوى بذلك إلى الأئمة عليهم‌السلام كما علم بعض أقوال أرباب المذاهب بنقل أتباعهم ، لكنه غير معلوم ، وإنما يتفق حصول هذا العلم في آحاد المسائل كما يعلم بالوجدان...®.

وقال صاحب الذَّخيرة (رحمه الله): ©وثُبوت الإسناد في خُصوص بعض المسائل بنقل الأصحاب ممَّا لا ريب فيه، لكن في كون هذه المسألة من هذا القبيل توقُّفاً®.

وقال صاحب الجواهر (رحمه الله): ©ولا يقدح ضعفها في إثبات حُكمٍ مُخالفٍ لأصالة عدم التّحمُّل عن الغير، وعدم الكفَّارة على المُتحمِّل عنه للإكراه، بعد انجبارها بفتوى المشهور شهرةً عظيمةً، بل لا أجد فيه خلافاً إلَّا ما حكاه في المختلف عن ظاهر العُمانيّ، مع أنَّ ما حكاه من عبارته فيه يمكن منع ظُهورها فيه، بل في ظاهر المعتبر وغيره وصريح الخلاف الإجماع عليه...®.

أقول: لا يبعد صحَّة ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله)، وغيره من الأعلام، فإنَّ شهرة الفتوى بينهم بهذا الحكم، مع عدم ظهور مخالف فيه، لاسيَّما من المتقدِّمين، عدا ما حُكي عن ظاهر العمانيّ، أنَّ ما حُكي عنه من عبارته فيه يمكن منع ظهورها فيه.

وعليه، فقد يحصل الاطمئنان بكون هذا الحكم الَّذي أجمعوا عليه مذهب الأئمَّة (عليهم السلام)، وأنَّ الفتوى المستندة إليهم به صحيحةٌ، وإن كان النَّاقل لها من المجاهيل والضعفاء.

والخُلاصة: أنه، إن لم نحكم بذلك، فلا أقلّ أنَّه مقتضى الاحتياط الوجوبيّ).

 

_________________

(1) الوسائل باب2 من أبواب أحكام شهر رمضان ح1.

(2)و(3) الوسائل باب2 من أبواب أحكام شهر رمضان ح2، وذيل ح2.

(4) الوسائل باب5 من أبواب مقدِّمات الحدود ح1.

(5) المبسوط: كتاب الصَّلاة، حكم قضاء الصَّلوات، حكم تاركها، ج1، ص129.

(6) المختلف: ج3، ص453.

(7) الوسائل باب24 من أبواب مقدِّمات الحدود وأحكامها العامَّة ح4.

(8) الوسائل باب12 من أبواب ما يمسك عنه الصَّائم ح1.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo