< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/09/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

- هل تجب الكفارة على من أفطر بعد الزوال؟

= وأمَّا ما ذهب إليه الحسن بن أبي عقيل من عدم وجوب الكفَّارة، فقد استدلّ له بموثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) ©عَنِ الرَّجل يكون عليه أيام من شهر رمضان، ويريد أن يقضيها، متى يريد أن ينوي الصِّيام؟ قَاْل: هو بالخيار إلى أن تزول الشَّمس، فإذا زالتِ الشَمس، فإن كان نوى الصَّوم فَلْيصم، وإن كان ينوي الإفطار فَلْيفطر -إلى أن قال:- سُئل فإن نوى الصَّوم ثمَّ أفطر بعد ما زالتِ الشَّمس؟ قَاْل: قد أساء وليس عليه شيءٌ إلَّا قضاء ذلك اليوم الَّذي أراد أن يقضيه®(1).

وقد ذكر جماعة من الأعلام أنَّه لا مجال للعمل بهذه الرِّوايّة لإعراض المشهور عنها، وإعراضهم يُوجِب الوهن.

وعليه، فيتحمّل على التَّقيّة لموافقتها للعامَّة.

وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنَّ إعراض مشهور المتقدِّمين عن رواية معتبرة لا يُوجب وَهْنها.

كما أنَّه لا مجال للحَمْل على التَّقيّة؛ إذ يمكن الجمع العرفيّ بين هذه الرِّوايّة والرِّوايات المُتقدِّمة -مع قطع النَّظر عن ضعف أكثرها، وعن إشكال الدَّلالة في موثَّقة زُرارة- بحمل الرِّوايات المُتقدِّمة على الاستحباب، وهذا هو الأقوى عندنا.

نعم، الأحوط: دفع الكفَّارة، والله العالم.

هذا كلُّه بالنِّسبة للأقسام الأربعة.

وأمَّا ما عدا ذلك من أقسام الصَّوم، فالمتَّفق عليه بينهم أنَّه لا كفَّارة فيه، بل عن المنتهى دعوى اتِّفاق العامَّة والخاصَّة عليه، وهو الإنصاف.

ثمَّ إنَّك قد عرفت أنَّ المصنِّف (رحمه الله) نقل عن الحسن بن أبي عقيل (رحمه الله) أنَّه لا كفَّارة في غير رمضان، وهو موافق لجمهور العامَّة، حيث ذهبوا إلى سُقوط الكفَّارة في جميع أفراد الصَّوم عدا شهر رمضان، كما حكاه في المنتهى عنهم.

حيث قال: ©وأطبق الجمهور كافَّة على سُقوط الكفَّارة في ما عدا رمضان®، وبيَّنا ما هو الإنصاف بالنِّسبة لكفَّارة قضاء رمضان فيما لو أفطر بعد الزَّوال.

***

 

قوله: (وإنَّما يكون القضاء في المُتعيّن، وأمَّا غيره فلا يُسمّى قضاءً، وإن وجب الصَّوم ثانياً بالفساد)

المعروف بين الأعلام أنَّ القضاء اصطلاحاً إنَّما هو في المعيّن.

وأمَّا غيره، كالنَّذر المطلق، وصوم الكفَّارة، ونحوهما، فلا يُسمّى قضاءً، وإن وجب الصَّوم ثانياً بالفساد العارض بعد الشُّروع بالصَّوم؛ لأنَّ القضاء في الاصطلاح هو للفعل الَّذي له وقت مخصوص، فإذا لم يأتِ في وقته فيقضيه بعد خروج الوقت، وأمَّا ما لا وقت له شرعاً فلا يُسمّى قضاءً، وإن وجب الإتيان به لعارض الفساد.

***

 

قوله: (ولو أفطر لخوف التَّلف، فالأٌقرب: القضاء)

لو خاف على نفسه من التَّلف لعطش، ونحوه، جاز له أن يشرب الماء، بل يجب من باب وجوب حفظ النَّفس عن الهلاك.

نعم، يقتصر على مقدار الضَّرورة؛ لموثَّقة عمَّار الَّتي سنذكرها -إن شاء الله تعالى-.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّه يجب عليه القضاء لتركه الصَّوم باستعمال المُفطِّر اختياراً، وكون الإفطار لضرورة حِفْظ النَّفس لا يقتضي سُقوط القضاء؛ لأنَّ أدلَّة رفع الاضطرار لا تصلح لتصحيح الصَّوم، كما تقدَّم.

***

 

قوله: (وفي الرِّواية: يشرب ما يمسك الرَّمق خاصّة)

المراد بالرِّواية موثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) ©في الرَّجل يصيبه العطاش حتَّى يخاف على نفسه؟ قَاْل: يشرب بقدر ما يمسك رمقه، ولا يشرب حتَّى يُروى®(2).

وقريب منها: رواية المفضَّل بن عمر ©قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله (عليه‌السَّلام): إنَّ لنا فتيات وشُبّاناً لا يقدرون على الصِّيام من شدَّة ما يصيبهم من العطش؟ قَاْل: فَلْيشربوا بقدر ما تُروى به نُفُوسُهم وما يحذرون®(3).

ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة إسماعيل بن مرَّار.

وتكفينا موثَّقة عمَّار، وهي واضحة الدَّلالة على وجوب الاقتصار على مقدار ما يُمسك الرَّمق.

***

 

قوله: (وفيها دلالة على بقاء الصَّوم، وعدم وجوب القضاء)

نعم، هي دالَّة على وجوب الإمساك تأدُّباً بقيَّة النَّهار.

ولكن، ليس هذا معناه بقاء الصَّوم، وعدم وجوب القضاء، وقد عرفت أنَّ الإفطار قد حصل باختياره، وإن كان مضطرّاً لذلك، فلابُدّ من القضاء، بل قد يُناقش في وجوب الإمساك بقيَّة النَّهار تأدُّبًا؛ باعتبار أنَّ مورد وجوب الإمساك تأدُّباً هو مَنْ كان مكلّفاً بالصَّوم وأفطر عصياناً في شهر رمضان، فيجب عليه الإمساك تأدُّبًا.

وأمَّا هنا، فإنَّه مأمور بالإفطار حِفاظاً على النَّفس من الهلال.

ولكنّ الإنصاف: أنَّ الموثَّقة ظاهرةٌ في وجوب الإمساك عليه بقيَّة النَّهار تأدُّباً.

فما ذهب إليه الأعلام من وجوب القضاء، هو الصَّحيح.

***

 

قوله: (كما اختاره الفاضل)

أي اختار عدم وجوب القضاء، قال العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى -بعد نقل ما رواه عمَّار-: ©والرِّواية مناسبة للمذهب؛ لأنَّه في محلّ الضَّرورة إذا ثبت هذا، فهل يجب عليه القضاء أم لا، والوجه عدم الوجوب؛ لأنَّه إذا شرب بقدر ما يمسك رمقه مخافة التَّلف كان بمنزلة المكره، ولأنَّ التَّكليف يسقط حينئذٍ، ولا يجوز له التعدّي، فلو شُرب زيادةً على ما يمسك وجب عليه القضاء والكفَّارة®(3).

وفيه أوَّلاً: أنَّه لا دليل على تنزيله منزلة المُكرَه.

ثمَّ لو فرضنا تنزيله منزلة المُكرَه، إلَّا أنَّك عرفت أنَّ المُكرَه يجب عليه القضاء ما لم يصل الإكراه إلى حدّ سَلْب الاختيار.

وثانياً: أنَّ وجوب القضاء لا لأجل شرب الزِّيادة، بل لأنَّه أفطر باختياره، وإن كان مضطرًّا.

وثالثاً: أنَّه لا كفَّارة عليه، وإن شرب زيادةً على ذلك؛ لأنَّ الكفَّارة مترتِّبةً على الإفطار العمديّ، وهو مرخّص له الإفطار، وبعد أن حصل الإفطار بالشُّرب بمقدار الضَّرورة، فإذا شرب زيادةً على ذلك، فلا يُقال له: إنَّه أفطر حتَّى تجب الكفَّارة؛ إذ لا معنى للإفطار بعد الإفطار.

والخُلاصة: أنَّ ما ذهب إليه العلَّامة (رحمه الله) ليس في محلِّه، والله العالم.

_____________

(1) صدره مذكور في باب2 من أبواب وجوب الصَّوم ونيَّته ح1.

وذيله في باب29 من أبواب أحكام شهر رمضان ح4.

(2) الوسائل: ج10، ص214.

(3) الوسائل: ج 10، ص215.

(4) المنتهى: ج2، ص575.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo