< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/09/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

قوله: (وكفَّارة النَّذر والعهد كرمضان)

المعروف بين الأعلام أنَّ كفَّارة مخالفة النَّذر المُعيَّن، ومخالفة العهد المُعيَّن، ككفَّارة شهر رمضان، مُخيَّرةٌ بين عتق رقبةٍ مؤمنةٍ، أو صيام شهرَيْن متتابعَيْن، أو إطعام ستِّين مسكيناً.

وذهب بعض الأعلام إلى أنَّها ككفَّارة اليمين المُعيّنة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، وتحرير رقبة مؤمنة، فمَنْ لم يجد فصيام ثلاثة أيام.

أقول: أمَّا بالنِّسبة لكفَّارة مخالفة النَّذر المُعيّن، فقد عرفت أنَّ المشهور أنَّها ككفَّارة شهر رمضان، وحُكي عن الانتصار الإجماع عليه، وكذا عن الغنية.

وقد عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحُجّة، وإنَّما يصلح للتَّأييد فقط.

وقدِ استُدلّ بجملة من الرٍّوايات:

منها: رواية عبد الملك بن عَمْرو عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) ©قَاْل: سألتُه عمَّنْ جَعَل لله عليه أنْ لا يركب مُحرّمًا سمَّاه، فركبه؟ قَاْل: (لا أعلمه) إلَّا قال: فَلْيعتق رقبةً، أو لِيَصُمْ شهرَيْن متتابعَيْن، أو لِيُطْعِم ستَّينَ مسكيناً®(1).

ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة عبد الملك بن عَمْرو.

إن قلت: إنَّه ممدوح، حيث ورد عن الإمام الصَّادق (عليه‌السَّلام) ©أنَّه قال له: إنِّي لأدعو لك ولدابّتك®.

قلتُ: هذه الرِّوايّة رواها الكشِّي عن عبد الملك بن عَمْرو ©قَاْل: قَاْل لي أبو عبد الله (عليه‌السَّلام): إنِّي لأدعو لك حتَّى دابّتك، أو قال: أدعو لدابّتك®(2).

ولا يخفى أنَّه الرَّاوي لهذه الرِّواية، فهو مادح نفسه، فلا ينفع.

مضافاً إلى أنَّ مجرّد الدُّعاء له ولدابَّته لا يكفي، وإلَّا فإنَّ الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) كان يدعو لكلّ زوار أبي عبد الله (عليه السَّلام)، فهل يحتمل أن يكون كلّ مَنْ يزور الإمام الحسين (عليه السَّلام) هو ثقة، أو حَسَنٌ، بحيث يكفي ذلك في قبول روايته.

ومنها: مكاتبة عليّ بن مهزيار، حيث ورد في ذيلها: ©وكتب اليه يسأله: يا سيّدي! رجلٌ نذر أنْ يصومَ يوماً، فوقع ذلك اليوم على أهله، ما عليه مِنَ الكفَّارة؟ فكتبَ إليه: يصوم يوماً بدل يومٍ، وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ®(3).

وذكر جماعة من الأعلام أنَّ هذه الرِّوايّة ضعيفة؛ لأنَّ في السَّند مُحمّد بن جعفر الرزَّاز، وهو غير موثّقٍ.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّها صحيحة؛ لأنَّ سند هذه الرِّوايّة في الكافي هكذا: مُحمّد بن جعفر الرزَّاز، عن مُحمّد بن عيسى، عن عليّ بن مهزيار مثله: ©وكتب إليه: يا سيديّ!...®.

فقوله: ©وكتب إليه®، الكاتب هو بندار مولى إدريس، والمكتوب إليه الإمام الهادي (عليه‌السَّلام).

وعليه، فسند هذه الرِّوايّة هو سند الرِّوايّة السَّابقة عليه -أي ما رواه عن أبي علي الأشعريّ عن مُحمّد بن عبد الجبَّار عن عليّ بن مهزيار ©قَاْل: كتب بندار...®- وليس سند هذه الرِّوايّة ©مُحمّد بن جعفر الرزَّاز...®، كما تُوهّم.

ثمَّ إنَّ الأمر بعتق الرَّقبة ليس للتَّعيين قطعاً.

وعليه، فهو محمول على التَّخيير بينه وبين الإطعام والصِّيام.

ومنها: مكاتبة الحسين بن عُبيدة(4)، ومكاتبة القاسم الصَّيقل(5)، وهما مثل رواية ابن مهزيار سُؤالاً وجواباً.

ولكنَّهما ضعيفتان بعدم وثاقة ابن عُبيدة، وعدم وثاقة قاسم الصَّيقل.

وأمَّا مَنْ ذهب إلى أنَّ كفَّارته ككفَّارة اليمين، كالشَّيخ الصَّدوق، والمُحقِّق في النَّافع، وصاحب المدارك (قدس سرهم)، وغيرهم من المتأخِّرين، ومتأخِّري المتأخِّرين، فقد يستدلّ لهم بجملة من الرٍّوايات:

منها: صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) ©قَاْل: سألتُه عَنِ الرَّجل يجعل عليه نذراً، ولا يُسمّيه؟ قَاْل: إن سمَّيته فهو ما سمَّيت، وان لم تسمِّ شيئاً فليس بشيءٍ، فإن قلت: لله عليّ، فكفَّارة يمين®(6).

ومنها: صحيحة عليّ بن مهزيار المُتقدِّمة في مسألة عدم صحَّة الصَّوم في السَّفر ©قَاْل: كتب بندار مولى إدريس: يا سيدي، نذرتُ أن أصومَ كلّ يوم سبتٍ، فإنْ أنا لم أصمه ما يلزمني مِنَ الكفَّارة؟ فكتب -وقرأته-: لا تتركه إلَّا من علَّة، وليس عليك صومه في سفر، ولا مرض، إلَّا أنْ تكونَ نويتَ ذلك، وإن كنتَ أفطرتَ فيه من غير علّةٍ فتصدَّق بعدد كلّ يومٍ على سبعة مساكين، نسأل الله التوفيق لما يحبّ ويرضى®(7).

بناءً على أنَّ (سبعة) مُصحّفة (عشرة)، كما حُكي في المسالك روايته كذلك في المقنع.

قال في المسالك: ©وهو عندي بخطِّه الشَّريف...®(8).

ومن المعلوم أنَّ الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) من دأبه التَّعبير في المقنع بمتون الأخبار، ولا يضرّ جهالة الكاتب -وهو بندار- بعد قراءته من عليِّ بن مهزيار وشهادته بأنَّها عن الهادي (عليه‌السَّلام)، كما تقدَّم الكلام سابقاً حول هذه الصَّحيحة، فلا حاجة للإعادة.

______________

(1) الوسائل باب23 من أبواب الكفَّارات ح7.

(2) رجال الكشي -ط آل البيت (ع)-: ج2، ص687.

(3) الوسائل باب7 من أبواب بقية الصوم الواجب ح1، والكافي: ج7، ص 456، ح12.

(4)و(5) الوسائل باب7 من أبواب بقية الصوم الواجب ح2و3.

(6) الوسائل باب2 من أبواب كتاب النذر والعهد ح5.

(7) الوسائل باب7 من أبواب بقية الصوم الواجب ح4.

(8) المسالك: ج10، ص21.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo