< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/02/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر العاشر \ الصحيح والأعم \ اسماء المعاملات
 كان الكلام في الوجه الخامس وهو صحة تعلق النذر وشبهه بترك الصلاة في الأماكن المكروهة
 وفيه:
 أولا: من المعلوم أنه يشترط في صحة النذر أن يكون متعلَّقه راجحا شرعا، فلا ينعقد النذر بالمرجوح، ولما كانت العبادة راجحة دائما حتى وإن كانت مكروهة؛ حيث إن الكراهة في العبادات لا تعني أكثر من قلة الثواب، كان نذر ترك الصلاة في الأماكن المكروهة نذر لترك الراجح شرعا، وهذا مبطل للنذر.
 أما الحلف والعهد، فإن لم نشترط في متعلَّقهما الرجحان الشرعي، إلا أنه لا خلاف على اشتراط عدم المرجوحية فيه، وترك الصلاة مرجوح سواء في الأماكن المكروهة أم غيرها، فيبطلان كما بطل النذر.
 ثانيا: لو سلمنا بصحة النذر والعهد والحلف، إلا أننا لا نجد أن لصحة هذه الثلاثة وفسادها ربطا بكون ألفاظ العبادات موضوعة للصحيح أو للأعم؛ ذلك أن المرجع فيها إلى قصد المكلف، فلو أنه قصد الصلاة الصحيحة، فهو كذلك وإن كان قائلا أعميًّا، وإن قصد الأعم، فهو كذلك وإن كان صحيحيا.
 ثالثا: ما تقدم من أنه لا يمكن الحنث بناء على القول بالصحيح؛ لصيرورة الصلاة في الأماكن المكروهة منهيا عنها، مما يقتضي فسادها، صحيح لو كان المراد من الصحة الصحة الفعلية بمعنى ترتب الآثار، والحال أن المراد منها الصحة الاقتضائية؛ أي تمامية الأجزاء والشرائط، فإن المكلف لم يقصد الصلاة الصحيحة مطلقا، وإنما قصد الصحة الاقتضائية.
 وعليه يكون الحنث ممكنا؛ لأنه لو أتى المكلف بالصلاة تامة الأجزاء والشرائط في هذه الأماكن، يكون قد أتى بها صحيحة اقتضاء، وإن لم تكن صحيحة فعلا للنهي عنها، ففساد الصلاة جاء من مخالفة النذر، كما لا يخفى، لا من الصلاة نفسها بعد أن كانت تامة الأجزاء والشرائط.
 المبحث الثاني: أسماء المعاملات موضوعة للصحيح أو الأعم
 قال صاحب الكفاية: ( بقي أمور: الأول: إن أسامي المعاملات، إن كانت موضوعة للمسبَّبات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة أو للأعم؛ لعدم اتصافها بهما، كما لا يخفى، بل بالوجود تارة وبالعدم أخرى، وأما إن كانت موضوعة للأسباب، فللنزاع فيه مجال، لكنه لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة أيضا، وأن الموضوع له هو العقد المؤثِّر لأثر كذا شرعًا وعرفًا ).
 إننا نجد في المعاملات أسبابا، وهي العقود والإيقاعات، ومسبَّبات، وهي آثار تلك الأسباب؛ فعقد الزواج سببٌ، والزوجية مسبَّب، وعقد البيع سبب، والملكية مسبَّب، وهكذا. والسؤال: هل ألفاظ المعاملات موضوعة للأسباب أم للمسبَّبات كما ذهب إليه أغلب الأعلام؟
 يقول صاحب الكفاية: لو كانت أسماء المعاملات موضوعة للمسبَّبات لما جرى النزاع في أنها موضوعة للصحيح أو الأعم؛ لأن الصحة لما كانت وصفا لتام الأجزاء والشرائط، فلا يعقل أن يتصف بها إلا المركبات، أما المسبَّبات فهي بسيطة تتصف بالوجود والعدم فحسب؛ فالزوجية إما أن تكون موجودة أو لا، والملكية كذلك، فهاتان وأمثالهما معان بسيطة لا ينقصها جزء فتفسد، وبالتالي لا تتصف بالصحة والفساد.
 نعم لو كانت موضوعة للأسباب لجرى النزاع؛ لأن العقود والإيقاعات مركبات من مثل البلوغ والاختيار والقصد والعربية والماضوية والموالاة ... فتتصف بالصحة إذا تمت أجزاؤها وشرائطها؛ حيث تؤثر أثرها شرعا وعرفا، وتتصف بالفساد إذا لم تتم.
 ثم إن صاحب الكفاية م يستبعد أن تكون أسماء المعاملات موضوعة لخصوص الصحيح؛ كالعبادات، وإن افترقا في كون العبادات مخترعات شرعية، خلافا للمعاملات التي أمضاها الشارع على ما هي عليه لدى العرف.
 وإن قيل: كيف تكون المعاملات غير مخترعة شرعا، والحال أن العرف يصحح الكثير من المعاملات التي يبطلها الشرع؛ كبيع المنابذة والملامسة، وبيع غير المميِّز، والبيع الربوي ...؟ يجيب صاحب الكفاية بأن البيع هو البيع، وإنما أخطأ العرف في تطبيقه على مصاديقه، وهذا الاختلاف المصداقي لا يوجب اختلافا في ماهية البيع الواحدة شرعا وعرفا.
 وفيه: صحيح أن المعاملات أسباب ومسبَّبات، وأن النزاع غير جار لو كانت أسماء المعاملات موضوعة للمسبَّبات؛ لأنها بسيطة لا تتصف بالصحة والفساد، وإنما تتصف بالوجود وعدمه، ولكننا نضيف أنه لو كانت موضوعة للمسبَّبات لما أمكن التمسك بإطلاقات أدلة الإمضاء؛ كقوله: { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [1] وقوله:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } [2] لنفي جزئية شيء أو شرطيته حال الشك في كونه جزءا لعقد أو شرطا له، مع أن ثمرة النزاع، على ما تقدم، منصبة على التمسك بالإطلاق وعدمه.


[1] - سورة المائدة، الآية 1.
[2] - سورة البقرة، الآية 275.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo