< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/06/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بصيغة الأمر \ الوجوب النفسي والغيري \
 المبحث الخامس: اقتضاء إطلاق الصيغة في كون الواجب نفسيا تعيينيا عينيا
 قال صاحب الكفاية: ( المبحث السادس: قضية إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيا تعينيا عينيا؛ لكون كل واحد مما يقابلها يكون فيه تقييد الوجوب وتضيق دائرته، فإذا كان في مقام البيان، ولم ينصب قرينة عليه، فالحكمة تقتضي كونه مطلقا، وجب هناك شيء آخر أو لا، أتى بشيء آخر أو لا، أتى به آخر أو لا، كما هو واضح لا يخفى )
 هذا هو المبحث الخامس، وترتيبه السادس لدى صاحب الكفاية
 وحاصل ما أفاده: إذا دار الأمر في الواجب بين أن يكون نفسيا أم غيريا، تعيينيا أم تخييريا، عينيا أم كفائيا، فإن مقتضى الأصل اللفظي أن يكون نفسيا وتعيينيا وعينيا.
 هذا ما ذهب إليه صاحب الكفاية، ولا بد من تقسيم البحث لبيان الإنصاف لكل فردين على حدة.
 الواجب النفسي والغيري: تعريفهما
 هناك تعريفان لكل من الواجب النفسي والغيري، أما الأول، فهو أن الواجب الغيري: "ما أُمِرَ به للتوصل إلى واجب آخر"، والنفسي: "ما لم يؤمر به للتوصل إلى واجب آخر.
 وأما التعريف الثاني، فهو أن الواجب الغيري: "ما أُمِرَ به لغيره"، بينما الواجب النفسي: "ما أُمِرَ به لنفسه".
 ولم يسلم التعريف الأول من إشكالات، نذكر منها إشكالا واحدا؛ لما تقدم من أنها هذه التعريفات لا تتعدى عن كونها تعاريف لفظية؛ أي بيان للفظ بلفظ، فلا يرد عليها طردا وعكسا.
 حاصل هذا الإشكال: إنه يلزم على هذا التعريف الأول أن تكون أغلب الواجبات النفسية، إن لم نقل كلها، واجبات غيرية؛ لأن الواجب النفسي؛ كوجوب الصلاة مثلا، إنما وجب للملاك القائم بمتعلقه، والذي يجب تحصيله، وبالتالي فكل واجب نفسي في متعلقه مصلحة يجب تحصيلها، فيكون وجوبه لغيره، وهذا مناط الوجوب الغيري.
 أجاب البعض: بأنه صحيح أن الوجوب النفسي فيه غرض قائم بمتعلقه يجب تحصيله، ولكننا قلنا أنه نفسي لانطباق عنوان حسن عليه، فلأجل هذا العنوان يطلق عليه أنه واجب نفسي.
 وفيه: إن كان المراد من العنوان الحسن هو المعراجية في الصلاة مثلا وكونها قربان كل تقي، فهذا منشؤه الملاك، فالكلام هو الكلام.
 والجواب الصحيح: إن الأحكام وإن كانت تابعة للملاكات القائمة بمتعلقاتها، ولكن هذه الملاكات لا يجب تحصيلها؛ لأنها دواعي، فهي بالتالي خارجة عن اختيار المكلف، فلا يتعلق بها التكليف لتكون واجبة على المكلف. وعليه، ليست الواجبات النفسية واجبة لواجب آخر.
 نعم، هناك إشكال آخر بناء على استحالة الواجب المعلق والشرط المتأخر، وهو أنه لما كان مناط الواجب الغيري هو الترشح عن الواجب النفسي، فهذا لا ينطبق على الوجوبات التهيئية مثل قطع المسافة للحج، وعليه فلا يكون التعريف الأول شاملا لهذا المورد، نعم ينطبق عليه التعريف الثاني.
 اقتضاء إطلاق الصيغة للنفسية:
 بعد أن عرفنا تعريف كل من الواجب النفسي والغيري، نبحث فيما يقتضيه إطلاق الصيغة، فهل الأصل اللفظي حال الإطلاق يقتضي كون الوجوب نفسيا أم غيريا؟
 اتفق الأعلام على أن مقتضى الإطلاق أن يكون الواجب نفسيا؛ وذلك لأمرين، هما: إطلاق الهيئة في الواجب الغيري، وإطلاق المادة في الواجب النفسي.
 وتوضيحه: أما استفادة النفسية من إطلاق الهيئة في الواجب الغيري، فمثلا إذا قال المولى: (توضؤوا)، ونحن لا ندري هل الوضوء واجب لنفسه أم واجب لأجل الصلاة؟ هنا نجد أن كون الوضوء واجبا لغيره يحتاج إلى مؤنة زائدة، وهي تقييد وجوب الوضوء بوجوب الصلاة، فيكون وجوب الصلاة مقدمة وجوبية لوجوب الوضوء، كما يكون وجوب الوضوء مقدمة وجودية لوجود الصلاة. وعليه، فمقتضى إطلاق الهيئة أنه لنفسه ما لم يأت المولى بقرينة دالة على كونه لغيره؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ }
 وكذا إطلاق المادة في الواجب النفسي يقتضي كون الوجوب نفسيا؛ فلو قال المولى: (صلِّ)، ثم قال: (الصلاة مقيدة بالفاتحة والركوع والسجود)، ولم يذكر الطهارة مثلا، فتكون الصلاة غير مقيدة بالطهارة؛ أي مطلقة من ناحيتها، فنفهم أنها تصح بدون طهارة. فلو أوجب المولى الطهارة بعد ذلك بدليل آخر، يلزم من عدم أخذ الطهارة قيدا في الصلاة أن وجوب الطهارة وجوب نفسي، وهذا اللازم حجة؛ لأنه لازم الإطلاق، والإطلاق أمارة، ومثبتات الأمارة حجة.
 إشكال:
 إن استفادة النفسية من إطلاق الهيئة غير ممكن؛ لأن معنى حرفيا، فهي غير قابلة للإطلاق والتقييد، نعم إن كانت موضوعة لإنشاء المفهوم، فهو أمر كلي قابل لهما.
 وفيه: إن الهيئة ليست موضوعة لإنشاء المفهوم ولا المصداق، بل موضوعة للنسبة الإيقاعية بين المبدأ والفاعل، وهي غير قابلة للإطلاق والتقييد. نعم، هذه النسبة الإيقاعية إن كانت بداعي طلب الفعل، فيتحقق بها مصداق الطلب، وإلا فلا.
 والجواب: إن التقييد ليس للهيئة؛ أي ليس للنسبة الإيقاعية، بل للجملة؛ مثلا إن قال المولى: (إن جاءك زيد فأكرمه)، فليست هيئة (أكرمه) هي المقيدة بالمجيء، بل الجملة؛ أي وجوب الإكرام هو المقيد به.
 والخلاصة: إذا أطلق المولى الهيئة ولم يقيدها بشيء، وهو في مقام البيان، ولم ينصب قرينة على الخلاف، فنسنتفيد الوجوب النفسي، وكذا يمكن استفادته من إطلاق المادة في الواجب النفسي. وعليه، فإن مقتضى إطلاق الصيغة أن يكون الواجب نفسيا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo