< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/07/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ الإجزاء \ إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري عن الأمر الواقعي \
 الصورة الثانية: مقام الثبوت
 كان الكلام في الصورة الأولى، وهي فيما لو ارتفع الاضطرار داخل الوقت، أما لو ارتفع خارجه، فقد ذهب الميرزا النائيني وذهبنا معه إلى لا بدية الإجزاء، وعدم وجوب القضاء، وتوضيحه: إن الطهارة المائية التي هي شرط واقعي للصلاة، لا يخلو حالها من أمرين:
 فإما أن يكون لها دخالة في ملاك مصلحة الصلاة مطلقا؛ أي سواء كانت الطهارة المائية موجودة أم لا، وعليه تكون الصلاة بلا طهارة مائية بلا ملاك مصلحة، فلا يمكن الأمر بها؛ لأن الوجوبات تابعة لملاك المصلحة في متعلقاتها، وعليه مع عدم الطهارة المائية يسقط الأمر بالصلاة، فيتوجب القضاء بحال وجد الماء؛ لصحيح زرارة، عن أبي جعفر ع ( أنه سئل عن رجل صلى بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلها، أو نام عنها؟ فقال: يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار ) [1] .
 وقد دل هذا الصحيح على وجوب القضاء في كل مورد تركت فيه الصلاة عمدا أو نسيانا أو لغيرهما من الأسباب، كما دل على أن الصلاة ذات ملاك مطلقا إلا في موارد خاصة علمنا بعدم وجوب القضاء فيها؛ كالحائض والنفساء.
 وإما أن يكون للطهارة المائية دخالة في مصلحة الصلاة في حال واحدة، وهي حال التمكن منها، ولا يكون لها دخالة في مصلحة الصلاة في حال عدم التمكن منها، فتكون الصلاة حينئذ مع التيمم بملاك تام، فلا يفوت شيء بتركها مع الطهارة المائية حال عدم التمكن منها. وبما أن موضوع الأمر الاضطراري، وهو استيعاب العذر لتمام الوقت، قد تحقق، فيكون المكلف مأمورا بالصلاة مع التيمم، ومن هنا لا محيص عن القول بالإجزاء؛ إذ لا يعقل الجمع بين الأمر بالأداء مع التيمم، والأمر بالقضاء مع الوضوء، لأن معنى الأول عدم فوات شيء، ومعنى الثاني فوات شيء، وهما نقيضان لا يجتمعان.
 وبعبارة أخرى: إن وجوب القضاء يدور مدار الفوت، والمفروض أنه لم يفت من المكلف شيء لفعله المكلف به الواجد للمصلحة الصلواتية، فأي موجب للقضاء؟ وأي شيء فات من المكلف حتى يقضيه؟
 والخلاصة: إن هناك ملازمة بين الأمر بالصلاة مع التيمم وبين الإجزاء وعدم القضاء، ومعه لسنا بحاجة إلى التمسك بالإطلاقات لإثبات الإجزاء خارج الوقت، إلا أنه مع ذلك قد يدعى إمكانية التمسك بإطلاق آية التيمم أو صحيح زرارة ومعتبرة السكوني المتقدمة لإثبات عدم وجوب القضاء خارج الوقت بعد ارتفاع العذر؛ باعتبار أن المولى في مقام البيان وقد أمر بالتيمم مطلقا دون التقييد بوجوب القضاء حال التمكن من الماء خارج الوقت.
 وفيه ما ذكرنا في الصورة الأولى من أنه لا يمكن التمسك بإطلاق الآية المباركة؛ لأن المولى في مقام بيان أصل تشريع التيمم في حال عدم التمكن من الماء، وعليه فالآية مهملة من جهة وجوب الإعادة في الوقت أو القضاء بعده. ومع عدم الإطلاق نرجع إلى الأصل العملي وهو البراءة؛ بناء على فرض الشك في القضاء وعدمه. وأما على ما ذكرنا من الملازمة بين الأمر بالصلاة مع التيمم وبين الإجزاء وعدم القضاء، فلا موضوع حينئذ للأصل العملي، والله العالم.
 الاضطرار بالاختيار:
 ما تقدم من الكلام كان فيما لو حصل الاضطرار بغير اختيار المكلف، أما لو حصل باختياره؛ كما لو عجّز نفسه عن ماء الوضوء، فهنا هل تشمله أدلة الاضطرار ليكون مأمورا بالبدل أم لا؟
 ذهبت جماعة من الأعلام إلى أن أدلة الاضطرار لا تشمله لانصرافها عنه، والإنصاف أنها تشمله،
 وتوضيحه:
 أولا: المعروف بين الأعلام من الناحية التكليفة أنه لا يجوز
 للمكلف أن يعجز نفسه عن الواجب الاختياري وعن شرائطه وأجزائه؛ لاستقباحه عقلا، إلا في موردين منصوصين: الأول: في التقية؛ فإنه يجوز للمكلف أن يذهب اختيارا ويصلي جماعة مع العامة وبوضوئهم، بل تصح صلاته حينئذ ولا تجب عليه الإعادة، سواء كان التقية للخوف على النفس أو العرض أو المال، أو كانت للمداراة؛ كالتي دلت عليها صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله ع أنه قال: ( من صلى معهم في الصف الأول، كان كمن صلى خلف رسول الله ص في الصف الأول ) [2] .
 الثاني: فيما لو أراد الرجل مقاربة أهله وليس معه ماء، فإنه يجوز له ذلك وبالتالي تعجيز نفسه، وتكون وظيفته الصلاة بالطهارة الترابية؛ كما في موثقة إسحاق بن عمار، قال: ( سألت أبا إبراهيم ع عن الرجل يكون مع أهله في السفر، فلا يجد الماء، يأتي أهله؟ قال: ما أحب أن يفعل إلا أن يكون شبقا أو يخاف على نفسه ) [3] .
 ثانيا: لو حصل وعصى المكلف بتعجيزه نفسه في غير هذين الموردين، فهل يكون مشمولا لأدلة الاضطرار أم لا؟ ذهب السيد الخوئي وجماعة من طلابه إلى أن أدلة الاضطرار منصرفة عمن عجز نفسه باختياره إلا في الصلاة؛ لصحيح زرارة عنه ع : ( ولا تدع الصلاة على حال، فإن النبي ص قال: الصلاة عماد دينكم ) [4] ؛ فإن من عجز نفسه عن الصلاة بالأمر الاختياري، وجبت عليه الصلاة بالأمر الاضطراري.
 والإنصاف: إنه لا دليل على الانصراف من المدعى من جهة، ثم إن إطلاق الروايات تشمل المضطر الاختياري وغيره.
 المبحث الرابع: إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري عن الأمر الواقعي
 قال صاحب الكفاية: ( المقام الثاني: في إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري وعدمه. والتحقيق: إن ما كان منه يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلقه، وكان بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره؛ كقاعدة الطهارة أو الحلية، بل واستصحابهما في وجه قوي، ونحوها بالنسبة إلى كل ما اشترط بالطهارة أو الحلية يجري، فإن دليله يكون حاكما على دليل الاشتراط، ومبينا لدائرة الشرط، وأنه أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية، فانكشاف الخلاف فيه لا يكون موجبا لانكشاف فقدان العمل لشرطه، بل بالنسبة إليه يكون من قبيل ارتفاعه من حين ارتفاع الجهل ).
 قبل الدخول في هذا المبحث لا بد من الإشارة إلى أن الحكم الظاهري يستعمل بمعنيين بينهما عموم مطلق، هما:
 الأول: وهو يذكر عادة في الأصول العملية، ومعناه: ما يأخذ في موضوعه الشك في الحكم الواقعي، فهو بهذا المعنى عبارة عما يستفاد من الأصول العملية في قبال الحكم الواقعي المستفاد من الأدلة الاجتهادية سواء كانت قطعية أم لا.
 الثاني: وهو عبارة عن وظيفة كل إنسان جاهل بالحكم الواقعي القطعي، فيشمل بالإضافة إلى الحكم الظاهري بالمعنى الأول، ما يستفاد من الأدلة الاجتهادية غير القطعية.
 هذان هما المعنيان المستعملان للحكم الظاهري، والحق أنه ليس في الواقع حكمان، وإنما أنشأ الشارع حكما واحدا أزليا، فإن وصلنا إليه عن طريق العلم فيسمى حكما واقعيا، وإن وصلنا إليه عن طريق دون العلم فيسمى حكما ظاهريا.
 
 


[1] وسائل الشيعة باب 57 من أبواب المواقيت ج4، ص274، ح1.
[2] () وسائل الشيعة باب 5 من أبواب صلاة الجماعة ج8، ص299، ح1.
[3] () وسائل الشيعة باب 27 من أبواب التيمم ج3، ص390، ح1.
[4] () وسائل الشيعة باب 1 من أبواب الاستحاضة ج2، ص373، ح5.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo