< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

40/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعادل والتراجيح 11

وأمّا القسم الثاني: أي ما كان التعارض لأجل اتحاد المتعلقين:

سواء كان التعارض بنحو الإيجاب والسلب: كما إذا كان مفاد أحد الدليلين وجوب شيء، ومفاد الآخر عدم وجوبه.

أم كان التعارض بينهما بنحو التضاد: كما إذا دلّ أحد الدليلين على وجوب شيء ودلّ الآخر على حرمته.

فعلى كلتا الصورتين: لا يندرج التعارض في باب التزاحم، إذ التزاحم عبارة عن كون المكلف عاجزاً في مقام الامتثال مع صحّة كل واحد من التكليفين في مقام الجعل واجتماع التكليفين في المقام محال، لأنه يؤدي إلى التكاذب في مقام الجعل، لأن مرجعه إلى التعبّد بالنقيضين أو الضدين، وهذا غير معقول.

وبالجملة: فإن أقصى ما تقتضيه الأمارة -بناءً على السببيّة بهذا المعنى- هو أن تكون من العناوين المغيّرة لحسن الشيء وقبحه وتوارد العناوين الثانوية على متعلق واحد لا يقتض التخيير. ومن هنا: لو نذر شخص فعل شيء ونذر وكيله -بناءً على صحّة الوكالة في النذر- ترك الشيء، فلا يمكن القول بالتخيير في اختيار نذره أو نذر وكيله، بحيث تلزمه الكفارة لو اختار أحدهما وخالفه، بل لا محيص عن القول بسقوط كلّ منْ نذر نفسه ونذر وكيله، ويرجع متعلق النذر إلى ما كان عليه قبل النذر. وهكذا الحال في الأمارات المتعارضة في متعلق واحد، بناءً على القول بالسببيّة بهذا المعنى. والذي يهوّن الخطب أن السببيّة بهذا المعنى باطلة كما عرفت.

 

وأمّا السببيّة بالمعنى الثالث، الذي التزم به بعض الأعلام -أي وفق المصلحة السلوكية-:

فقد عرفت أنه يظهر من الشيخ الأنصاري (رحمه الله): «ان التعارض بين الأمارات فيها يرجع إلى التزاحم». وغاية ما يمكن أن يقال في توجيه ذلك: هو أن كلاً من الأمارتين المتعارضتين تشتمل على مصلحة سلوكية لازمة الاستيفاء بمقتضى دليل الحجّية، فيقع التزاحم بين المصلحتين في مقام السلوك، ولا ملازمة بين سقوط طريقية كل منهما بالنسبة إلى المؤدى وبين وقوع التزاحم بينهما بالنسبة إلى المصلحة السلوكية، فإن المفروض أن دليل الحجّية يقتضي وجوب استيفاء تلك المصلحة، وحيث لا يمكن الجمع بينهما فلا بدّ من التخيير في استيفاء إحديهما، كما هو الشأن في جميع موارد تزاحم الحكمين.

 

وقد أشكل عليه الميرزا النائيني (رحمه الله): «بّأن المصلحة السلوكية على القول بها إنما تكون قائمة بالطريق، فان سلوك الطريق ذو مصلحة، فطريقية الطريق تكون بمنزلة الموضوع للمصلحة السلوكية، والمفروض: سقوط طريقية المتعارضين. فلا يبقى موضوع للمصلحة السلوكية حتى يقال: بوقوع المزاحمة بين استيفاء إحدى المصلحتين، مضافا إلى أن التزاحم إنما يكون بين الأحكام الشرعية، ولا يكفي التزاحم بين المصلحتين. فالإنصاف: أن إدراج الامارات المتعارضة على مسلك المخطئة في صغرى التزاحم في غاية الاشكال» (انتهى كلامه). وقد وافقه السيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله).

أقول:

أمّا إشكاله: بأن التزاحم إنما تكون بين الأحكام الشرعية، ولا يكفي التزاحم بين المصلحتين: فهو في غاية الصحّة والمتانة، وقد بيّنا الوجه في ذلك في بعض المناسبات.

وأمّا إشكاله: بأن المصلحة السلوكية قائمة بالطريق وبعد سقوط طريقية المتعارضين... فيرد عليه: إن هذا الإشكال لم يكتب له التوفيق. لأن المقصود بالطريق الذي هو موضوع المصلحة السلوكية:

ان كان ذات الطريق من دون وصفه بالطريقية والحجّية الفعلية: فلا معنى حينئذٍ لدعوى سقوطه بالمعارضة، لأن مرجع سقوط الطريقين انما هو إلى عدم شمول دليل الحجّية لكل واحد منهما، ومع عدم الدليل في المقام الذي يقتضي الأخذ بهما سابقاً على المصلحة السلوكية. فكيف يبقى مجال للقول بتساقط الطريقين.

وأمّا ان كان المقصود من الطريق الذي هو موضوع المصلحة السلوكية هو الطريق بوصف الطريقية والحجّية الفعلية: فلا معنى للمصلحة السلوكية الموجبة للآمر بالعمل على طبق الطريق، فإن الالتزام بالمصلحة السلوكية انما هو لتصحيح الأمر بسلوك الطريق والعمل على طبقه، فمع فرض حجّية الطريق في رتبة سابقة على المصلحة المزبورة، فلا معنى حينئذٍ للالتزام بالمصلحة السلوكية. والذي يهوّن الخطب في المقام أيضاً، أن السببيّة بهذا المعنى الذي التزم به بعض الأمامية لم يكتب له التوفيق أيضاً.

ثم قال الميرزا النائيني (رحمه الله): «هذا كلّه إذا وقع التعارض بين الطرق والأمارت في الأحكام التكليفية الشرعية، وإن وقع التعارض بينها في حقوق الناس فقد يكون التعارض موجبا للتساقط، كما لو تداعيا شخصان فيما يكون بيد ثالث وأقام كل منهما البيّنة فإن البيّنتين يتساقطان ويقرّ المال في يد ذي اليد إذا ادّعى الملكية وقد لا يوجب التساقط بل يجب إعمال المتعارضين معاً ولو في بعض المدلول كالمثال إذا لم يدع ذو اليد الملكية فإنه ينصف المال بالسوية» (انتهى كلامه).

أقول: قد ذكرنا سابقاً، أنه بناءً -على عدم سقوط الدلالة الإلتزامية عن الحجّية بسقوط الدلالة المطابقية كما هو مختاره- فإن كلاً من البيّنتين تنفيان الملكية عن ذي اليد بالدلالة الإلتزامية. فكيف يحكم بأن ما في يد الثالث ملك له إذا ادعى الملكية؟

وأمّا مع عدم دعواه الملكية فلا ينصّف المال بينهما بالسوية مباشرة بل إن حلف أحدهما عند الحاكم الشرعي دون الآخر، فيكون المال له وإن حلفا معاً فينصّف المال بينهما إن كان ما بيد الثالث دابة أو بعيراً من باب قاعدة «العدل والإنصاف» التي قد عرفت أنها وردت في موردين فقط -كما ذكرنا ذلك في مبحث القرعة- وأمّا إذا لم يكن ما بيد الثالث دابة أو بعيراً فإنه يرجع حينئذٍ إلى القرعة، والله العالم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo