< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: قاعدة وجوب دفع المنكر.

مرّ بنا أنَّ هناك جملة من الاشكالات أشكلت على الالتزام بقاعدة وجوب دفع المنكر ذكرها المحققون من المحشين على المكاسب ، الاشكال الأول مرّ بنا أمس وهو أنه لو التزم بوجوب قاعدة دفع المنكر بلغ ما بلغ من رأس العنقود من البذرة من الجذر من الأساس أصلاً فهذا خلاف فلسفة الامتحان ولا يمكن الالتزام به ، وخلاف فلسفة الامتحان يعني في خلاف غاية الامتحان التي هي غاية عظيمة ، ومعنى الامتحان ﴿ ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها ﴾ الفجور يعني ليس هو نفس الفجور ، يعني ما يتوصل به إلى الفجور ، فحينما قال الله تعالى ﴿ فألهمها فجورها وتقواها ﴾ فهل ألهمت الفجور ؟ فيكيف يقول الله عزّ وجل ألهمت الفجور فهل كل إنسان فيه فجور وفيه تقوى ؟ وأين التقوى في الانسان قبل أن يعمل ؟ إذاً واضح أنه في التقوى قبل أن يعمل الانسان لا يحصل على التقوى ، بنفس فطرة الولادة لست توقى وإنما التقوى يعني ما يمكن أن يتقي به في العمل فواضح في الآية الكريمة ﴿ ونفس وما شواها فألهمها فجورها ﴾ يعني ما تفجر به وإن لم يكن فجوراً الآن ، ﴿ وتقواها ﴾ فهو الآن ليس متقياً ، فإنَّ التقي النقي هو المعصوم عليه السلام أما بالنسبة إلى غير المعصوم فلا ، حتى المعصوم أيضاً لابد من العمل فيه ، لكن وإن كانت عصمته منذ أزل خلقته ولكن المقصود هو هذا المطلب ، فإذاً المراد من ﴿ ونفس وما سواها ﴾ ، وليس هذا اللسان فقط موجود في القرآن الكريم وإنما في موارد عديدة في الروايات الشهوة أنه ركّب فيه الشهوة والعقل ، مثل خلق الجهل في قبال العقل جنود العقل وجنود الجهل ، الحكمة موجودة فيما يتوصل به إلى الفجور ولست الحكمة هي فقط أن يفتتن الانسان أيضاً ، كلا ، لأنه ما يتوصل به إلى الفجور يستعمل في التقوى كخادم فيصير فيه إثمار عجيب الشهوة لأجل بقاء النسل التنسيل الغضب من أجل حماية الانسان نفسه من تجاوز العدوان ، نعم هذا الذي يستعمل في الخيرات يمكن أن يوظف في الشر.

إذاً حكمة وجود ما قد يؤدي إلى الفساد لا يريد الشارع أن يبيده تحت عنوان وذريعة وجب دفع المنكر ، مثل السكين آلة مشتركة فهل لنها آلة مشتركة ونعلم بأنه يمكن أن تستعمل في الفساد فإذاً يجب أن نتلف وجود السكين في متاع المجتمع ؟ إن هذا لا يسوغ ، لأنَّ نفس هذه الآلة كمثال ورمز إلى ما شاء الله من الآلات هي مادامت مشتركة فذريعة دفع المنكر سيؤدي إلى جرمان المنافع العيمة التي خلقت من أجلها أو تؤسس من أجلها ، فإذاً تحت ذريعة وجوب دقع المنكر أنا أعطّل الأنشطة التجارية لأنها تستخدم في الخير وتستخدم في الشر فإنَّ هذا لا معنى له ، مثلاً أمنع بيع العنب في السوق أو الفواكه تحت ذريعة أنه توجد شركات أو توجد أناس تصنعه خمراً فإن هذا لا معنى له وهذا المقدار لا يمكن الالتزام به في قاعدة وجوب دفع المنكر لأنَّ اعدام تلك المقدمات أو البيئات التي هي ذات طابع مشترك سيؤدي إلى حرمات تلك الفوائد المثمرة.

وهذا الاشكال متين ولطيف ولكن غايته منع سعة قاعدة وجوب دفع المنكر بلغ ما بلغ ، أو قل في الموارد المشتركة وهذا اللسان موجود في الروايات إذا دققنا في الطوائف الثلاثة ( ها نحن نبيع العنب في إبّان محصوله ) ، و ( إبّان محصوله ) يعني منفعة اجتماعية مشتركة فالناس تتغذى منه أما أنه توجد جماعة يشترون هم من أصحاب الخمور فإذاً نمنع بيع الخمر سداً لباب التخمير فهذه الذريعة وقاعدة سدّ الذائع الموجودة عند العامة هذا ليس بصحيح ، فإذا كانت قاعدة دفع المنكر بهذا الوسع ليس في محلّه.

ولذلك الكثير يخلطون ، مثلاً مشروع كبير ديني فيه ثمرة وحتى أنه يذكره الأعلام هنا كالشعائر الدينية أو غيرها من المعالم أو منافع العباد حتى الدنيوية يريد أن يمنعها تحت ذريعة أنه سيقع فيه حرام مسلّم ، ولكين يقع فيها حرام معيّن ولكن هذا لا يعني أنك تسدّ الباب ، فأنت سوف تمنع هذه المنافع حتى المادية الدنيوية المعيشية اللازمة لدورة المجتمع تحت ذريع قطعية وقوع جملة من المنكرات ، ليكن ذلك ، وهذه نكتة مهمة ، الآن مثل شعيرة الحج حتى الحج المستحب فلاحظوا أنه حتى الحج المستحب كشعيرة لم يقل أد من الفقهاء تحت ذريعة أنَّ هذا الحج المستحب ستقع فيه محرّمات فإنه وليكن تقع فيه محرّمات مع أنه لا يوجد دوران بين المستحب والواجب ، فإنه هنا ليس دوران بين مستحب فرد وحرام وإنما هذه مثل قضية مثل دفع المنكر ، هي الأمو المباحة ليس المستحبة والشعيرية فقط الأمور الماحة لا يمكن تعطيل اباحيتها تحت ذريعة وجوب دفع المنكر ، فندقق هنا في كلمات الأعلام ماذا يقولون ، أمر مباح اجتماعي في الدورة الاجتماعية سواء كان الدورة التجارية أو الدورة الاقتصادية أو الزراعية مباح ولكن تحت النظام الاجتماعي لا يمكن تعطيله لأنه يترتب عليه المعيشة والتنمية والحياة ، هو نفسه ليس بواجب وهو بنفسه ليس بمستحب ولكنه في سلسلة غايات كبرى فلا يمكنني أن أعطله لأنه سيستثمر في دفع المنكر أريد أن أشوّه هذا المباح ، فهذا المباح هكذا فكيف بك في الشعائر الدينية ، فيجب أن لا تختل عندنا الموازنة الاجتهادية الموازنة الصناعية ، فهذا البحث عند الأعلام ليس بحثاً في خصوص المقام بل هو بحث مفصل ، فيجب أن يلتفت إلى هذه الأمور ، إذاً لا يمكن المنع تحت ذريعة وجوب دفع المنكر.

هو النهي عن المنكر يبحثون عن شرائطه وقيوده وآلياته وليس من دون قيود فكيف بقاعدة وجوب دفع المنكر التي هي ظل لقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نريد أن نجريها ونلغي شعيرية الشعائر أو المستحبات أو غير ذلك تحت ذريعة وجوب دفع المنكر فأصلاً هذه ذريعة خاطئة وليست بصحيحة ، ولذلك ذكرت لكم أنه من الموارد التي أصر فيها علماء الامامية على نفي قاعدة سد الذرائع عند العامة هو هذا السبب فإنه يوجد نظام اجتماعي قائم ، وهذا شبيه اعتراض الملائمة ﴿ قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ..... قال إني أعلم ما لا تعلمون ﴾ فما هي معرفتكم بكم الله ودينه ؟ فلسفة الامتحان ، لماذا الله خلق الجهل ؟ إنه خلقه لأنه توجد فيه ثمار وفوائد خيرية أما توظيفه للشر هو خطأ ولكن لأنه يمكن أن يوظف في الشر وسيوظف في الشر فإذاً لا يخلقه الله ليوظف في الثمار الخيرية ؟ كلا بل هو يخلقه .... وهلم جرا ، فهذه الأمور يلزم أن نلتفت إليها ، إذاً تحت قاعدة دفع المنكر المباح الذي هو يدخل في سلسلة النظام الاجتماعي لا يلغى فكيف بك بالشعيرة ولو كانت مستحبة وهذه نكتة يلزم أن لا ننساها.

غاية الأمر هذا الاشكال نعم يوجب تقليص دائرة وجوب دفع المنكر ، أنه إذا كانت في المقدمات البعيدة التي هي مشتركة بين الحلال والحرام فضلاً عن المستحب بين الحلال والحرم فلا يمكن حينئذٍ اعمال وتقديم قاعدة وجوب دفع المنكر ، هذه نكتة.

فإذاً ضيّقت قاعدة وجوب دفع المنكر وهذا يلزم أن نلتفت إليه.

لذلك جملة من الأعلام قالوا - وهنا نكتة صناعية لطيفة جداً - نحن نلتزم بوجوب دفع المنكر تريباً بنفس الدائرة الضيقة لدائرة النهي عن المنكر ، فهل النهي عن لمنكر دائرته وسيعة أو أنه عند مشارفته على المنكر حينئذٍ ينهى عن المنكر أو تلبسه بالمنكر ، أما أنه من بعد المقدمات البعيدة ينهى عن المنكر ؟ ، هو الله عزّ وجل نيّة المعصية لا يكتبها ولو أنها معصية صحيحة خلافاً للشيخ الأنصاري ووفاقاً لصاحب الكفاية ، ولكن النهي مقدمات قريبة فإذاً كيف في دائرة النهي عن المنكر ليس من مقدمات بعيدة وسلسلة بعيدة وإنما قريبة نعلم فبهذا المقدار وجوب دفع المنكر يمكن الالتزام به ، أما أنه تعال التزم بأنَّ هذا مستحب أعلم أنه سيقع في هذا الحج المستحب سيقع منكر فهل يمنع من الذهاب إلى الحج ؟ لا يوجد فقيه يفتي بذلك ، بل حتى السيد الكبايكاني يقول افترض أنه هذه الطبقات الآن تقع عينه على الحرم فهل يجلس في البيت حتى لا تقع عينه على النظر المحرّم ؟ فالكلام أنه حينما تدخل في السوق أو غير ذلك عليك أن تجتنب لا أنك تذهب في صومعة البيت وتعتكف هذه هي التقوى ، كلا فهذه ليست تقوى ، التقوى أنك كُلْ قليلاً أو امسك نفسك فهذا بحثٌ آخر ، لا أنك لا تباشر الحياة الاجتماعية والنشاط الاجتماعي ، فإن الفقه موازينه لا يرسم هذا النمط ، فوجوب دفع المنكر تحت هذه الذريعة ليس بصحيح ، بل اخرج واعمل ولكن عليك أن لا ترتكب ، نعم الله يعطيك أسباب الفتنة ولكنه يقول لك لا تفتتن وروض نفسك لا أنك تعدم الأرضية من الأصل وإلا الانسان علم بأنه سوف يكون كذا فهل يقوم بعملية اخصاء فإنَّ هذا لا يجوز ، فهو حرام ومن الكبائر ، لأنَّ البدن أعطاه الله لك أمانة فلا يجوز لك أن تعبث فيه كيفما تشاء ، نفس هذا البدن الله ركّب فيه الشهوة والغضب وغير ذلك ولكن لا أنك تذهب وتتلف هذه الآليات فهي ليست ملكك وإنما هي ملك الله ، والله عمداً وعن علم وحكمة غرزها وبناها فيك ، لذلك يوجد فرق بين سنة سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم وسنة النبي عيسى عليه السلام ، ( النكاح سنَّتي ) أو آكل أشرب وأنا م وأقوم ، فهي هذه عظمة شريعة سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم على الشرائع السابقة أنه توجد فيها حالة امتحان ومحك من دون أن تزيل هذه الأرضيات ، لأنَّ هذه الأرضيات توظّف لجانب الخير ، أما أنه قلّل النسل أو الرهبنة وغير ذلك فلا ، فلاحظ القساوسة والملفات التي عندهم والراهبات وهلم جرا.

إذاً هذا الاشكال الأوّل محصله هو هذا ، وهو محصل متين ، وهو أن دائرة دفع المنكر على القول بها نلتزم بهذا المقدار.

وهناك إشكال آخر أشكل به على قاعدة وجوب دفع المنكر:- وهو أن أنه لمن لا يلتزم بأن النهي عن المنكر وجوبه عقلي لا يمكن الالتزام بقاعدة وجوب دفع المنكر ، لأنَّ التلازم اكتشافه عقلي هنا بين النهي عن المنكر ووجوب دفع المنكر ، فإذا كان من الأصل يقول وجوبه نقلي تعبدي وليس عقلياً فيكف يلتزم بالتلازم العقلي بين النهي عن المنكر ووجوب دفع المكر ؟ إنه لا يلتزم بذلك مثل الخواجة نصير الدين الطوسي مثلاً.

فإذاً هذه القاعدة مبنائية ، فهذا الاشكال مبنائي أنه لمن يلتزم بأنَّ النهي عن المنكر وجوبه شرعي تعبّدي وليس عقلياً لا يمكنه الالتزام بالدلالة الالتزامية أو بالتلازم العقلي لا يلتزم بوجوب دفع المنكر.

وهذا الاشكال بغض النظر عن كونه تاماً أو ليس بتام وأنه مبنائي أو غير مبنائي توجد فيه نكتة لطيفة ، ودائماً في نقاش النظريات هناك منهج أنه لا تفند النظرية مطلقا أو إذن فندّت فهي قد تكون ليست بصحيحة ولكن تستثمر شواهدها وجوهها ولو لغير ما ادّعي في غير تلك النظرية ولكن يمكن أن يستفاد من موادها ، هذا الاشكال فيه نكت ليفة وهي أن هذا الاشكال بالدقة يريد أن يشير إلى أن ادارة الفساد والصلاح في التقنين ، التقنين الفتيا والقوانين هي نوع نظام تربوي لتربية المجتمع هذا نوع ادارة بالتشريع ، فتارة توجد ادارة في السلطة التنفيذية في الحكومة وتارة توجد عندنا ادارة علمية يعني نفس العلم يحتاج إلى ادارة ومن باب المثال الدرس في أول الصباح والدرس في وسط الصباح والدرس قبل الصباح فهذه ادارة ، فإنَّ برمجة ساعات العلم هو ادارة إنه يصير تحضير في الليل ويصير إلقاء في الصباح فهل هذا علم او ادارة علم ؟ إنه ادارة علم ، فلاحظ أنَّ الادارة أيضاً تدخل كيف أنَّ الانسان يتعلم وكيف يبني ملكته العملية وكم كتاباً يقرأ في السنة ؟ ، فلاحظ هذه ادارة العلم ، أيضاً التقنين له ادارة ، ومرّ بنا أمس أو قبله أنه يوجد قضاء ويوجد ادارة القضاء والقضاء غير ادارة القضاء ، توجد فتيا وتوجد ادارة الفتيا، رحمة الله عليه السيد أبو الحسن الأصفهاني يقولون ربما هو ليس أعلم في الصناعة الأصولية أو الصناعة الفقهية ولكن مسلّم في زمانه أنه الأعلم في سياسة الفتوى ، وهل الفتوى تسيس ؟ نعم تسيس بسياسات دينية وليس سياسات شخصية او مآرب فردية وغنما تسيس بأغراض دينية ، يعني نفس الفتوى بهذا الوقت في هذا القالب وبهذه الصيغة وبهذا المورد لها تداعيات ولها أغراض وهذا يسمونه تسييس الفتوى ، ليس التسييس السلبي وإنما التسييس الايجابي ، يسوس المجتمع يربيه ضمن برنامج ، المعنى العام للتسييس سواء كان سلبياً أو ايجابياً ، فتسييس الفتوى بسياسة دينية ليس قصة علم فقط بل يوجد عقل ادارة لهذه المسؤولية مسؤولية الفتيا وهلم جرا ، فلذلك هذا الاشكال ماذا يريد أن يقول في قاعدة وجوب دفع المنكر ؟ إنه يريد أن يقول إنَّ الموازنة بين الأحكام وطبقاتها وتقديمها وتأخيرها ومساحة المباح أين هي ومساحة المستحب أين هي ومساحة الوجوب أين هو ومساحة الحرام أين هي تنظيم هذه المساحات وتقسيمها ليس بالشيء السهل ، نفرط بعض الأحيان في جعل أكثر الأشياء حرام فهذا غير صحيح ، أو نفرط في جعل اكثر الأشياء واجبة فهذا غير صحيح ، وتتذكرون ما ذكره الأصوليون في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي حي قالوا إنه توجد مصلحة في المباح ، مصلحة إلزامية في المباح يعبّر عنها الأصوليون المصلحة التسهيلية ، يعني أنت إذا أردت أن تقفل كل الحلقات في الأنسجة البشرية والاجتماعية كلّها لزومية فهذا يسبب انفجاراً نفسياً ، ويسبب ارباكاً نفسياً وهو خلا فالنظم الاجتماعي والنظم البشري ونظم الحياة الدنيا الذي يستهدفه الشارع ومحل غايات الشارع ، فلاحظ ان نفس التقنين قد يسبب أزمة وقد يسبب تكامل ، من أحد براهين ضرورة الولاية التشريعية للنبي وللأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام أنهم ساسة العباد فإنَّ التشريع يسوسونه بسياسة إلهية وإلا قد يكون تقنين معيّن يكبّل مجتمع البشرية في مسيرته التكاملية ، فقد يجعله معقداً وقد يجعله منفلتاً ، مثلاً إذا صر المقنن أو المفتي قد لا يبيّن كل المباحات ولكن هذا يسبب انفلات المجتمع ، فهذا على فرض أنَّ ما توصل إليه من المباحات هو مباح ، كذلك إذا كان فقيهاً من الفقهاء يركز على المحرمات فقد يسبب تكبيلاً لنشاط وحيوية المجتمع وهذا خطأ أيضاً ، يعني هذه الموازنة في الفتوى ضرورية ، فإنه مع كون ما توصل إليه من المباحات صحيح ومع كون ما توصل إليه من المحرمات صحيح إلا أنَّ نشره وارشاد المجتمع إليه وابلاغ المجتمع به وتبيانه للمجتمع قد يسبب أزمة إما أزمة انفلات أو أزمة تحجّر ، فالموازنة شيء آخر.

فإذاً نفس الفتيا فيها موازنة ، وهل هذه موازين فقهية ؟ نعم هذه موازين فقهية فوقية جداً.

إذاً الفقه ليس فقط فتوى في مقطع منفرد من فصل من مسألة في فصل بل الفقه عبارة عن موازنة أبواب مع بعضها البعض ، هذه احد معاني العارضة الفقهية أنك تلاحظ توازن الأبواب ، ﴿ لينذروا قومهم ﴾ ، هذا الانذار فلاحظ هذه الموازنة من قبل الأئمة عليهم السلام ( الفقيه كل الفقيه الذي لا ييئس الناس من رحمة الله ولا يغريهم بالمعصية ) ، بل بين الخوف والرجاء ، فكما يعطيهم جزمة محرمات يعطيهم أيضاً حزمة مباحات وحزمة مبشرات ، فيلزم أن توازن ، فالفقيه كل الفقيه يعني من يريد أن يتفقه في الدين ( عرف حلالنا ) يلزم أن يلتفت إلى أنَّ هذا ميزان وأنه نوع باب التزاحم ولكن تزاحم في فتيا الفقيه ، فنفس الفتيا هي عمل من الأعمال تتزاحم فيه الجهات ، لا افراط ولا تفريط ، بل لابد أن تصير هناك موازنة دائماً.

فلاحظ أنَّ هذا الاشكال نكتته لطيفة ، فهو يقول إنَّ وجوب دفع المنكر إذا أردنا أن نجعله ميزاناً بلغ ما بلغ فسوف يصير انجماداً في المجتمع وعقدةً وتعقيداً ، وإنما نرى أين حكم الشارع فهذا نأخذ به أفضل ، لأنَّ نظم وموازنة هذه الحلقات صعبة ، فبالعقل البشري توجد مشكلة في الموازنة ، بل نجعل مقدار ما بيّنه الشارع أين النهي عن المنكر فبهذا المقدار نمارسه ، لا أنه يصير انفلات ولا تشدد بل الموازنة بحسبه ، هذا هو محصّل الاشكال الثاني وبعده الصناعي هو هذا.

وإن شاء الله تعالى ستأتي الاشكالات الأخرى ، وهذا بحث صناعي حساس وهو ليس في هذه المسألة الخاصة ، وإنما هو بحث يعطي صناعة الفتيا للفقيه وهو حساس ودسم وحريّ بالاخوة أن يلاحظوا الحواشي بين يمين ويسار وتوجد معمعة كثيرة عند كلمات الأعلام ، وحقّ أن يكون المقام فيه معمعة لأنه بحر لجّي.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo