< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: قاعدة وجوب دفع المنكر.

كنا في قاعدة وجوب دفع المنكر ومرّ أنَّ هذه القاعدة اعترض عليها في حدودها وقيودها أو ما شابه ذلك بجملة من الاعتراضات ، من الاعتراضات على التمسك بهذه القاعدة اعتراض إذا دققنا النظر فيه هو ليس خاصاً بقاعدة وجوب دفع المنكر بل هو اعتراض يعترض به أو يمكن الاعتراض به على جميع الواجبات ذات الطابع المسؤولية الجماعية أو المجموعية أو طابع المسؤولية الاجتماعية العامة ، وهذا بحث لطيف لابأس بالالتفات إليه إلى أنَّ معنى الوجوب الكفائي يعني المسؤولية العامة ، هذا بالاصطلاح القانون الحديث أو بالاصطلاح الحقوقي والذي مر أنه من الضرري ان نتقن الترجمة أو الموازاة الموجودة بين الاصطلاحات الموجودة في العلوم الدينية وبين الاصطلاحات الحديثة العصرية ، فهناك اعتراض أو اشكالية في عموم الواجبات الكفائية والمسؤولية العامة ، طبعاً في فهمها وفي معرفة ضابطتها وقولبتها مثل هذه الاثارات والاشكاليات تذكر فإذاً ليست خاصة بقاعدة وجوب دفع المنكر وإنما هي عامة ولكنها تذكر هنا أيضاً مثلاً هنا في وجوب دفع المنكر البعض قال لا يمكن الاعتراض بقاعدة وجوب دفع المنكر على الروايات الخاصة الواردة في المسالة وهو بيع العنب على من يعلم أنه يصنعه خمراً ، فلا يمكن الاعتراض بهذه القاعدة على الروايات المجوّزة ، ولا يخفى عليكم أنَّ الكلام في خصوص بيع العنب على من يعلم أن سيصنعه خمراً وإنما هذا مثال لمطلق المعاوضة على سلعة يعلم أن المشتري سيستعملها فيما هو فساد وفيما هو محرّم ، فهذه الروايات المجوزة دلالتها أنه يجوز التعاوض على سلعة هي في نفسها محللة ولكنه سيستثمرها في حرام قريب ، فجماعة كثيرة أرادوا بأنه لا يعترض بهذه القاعدة على الروايات المجوّزة ببيان أنَّ وجوب دفع المنكر لو انحصر في هذا المكلف البائع فنعم حينئذٍ لا يسوغ له البيع ، لأنَّ دفع المنكر بالتالي متوقف على ترك البائع للبيع للمشتري وأما ع علم البائع بأن بائعون آخرون سيبيعونه هذا العنب على المشتري فإن باع فهو وإن لم يبعه هو فسوف يحصل المشتري على العنب من طرف آخر فهنا دفع المنكر غير حاصل بترك هذا البائع الأوّل للبيع مع عدم التزام الجميع ، نعم إذا كان يعلم بأن البقية لم يبيعوه ، فتارةً يشك وتارة يعلم أنهم سيبيعوه وتارة يعلم أنه سيبيعوه ، وتارة يعلم أنهم لن يبيعوه وتارة يشك أنهم يبيعوه أو لا يبيعوه ، فإذا علم بأنهم لم يبيعوه فحينئذ تتأتى قاعدة وجوب دفع المنكر ، فهذا إشمال يعترض به على قاعدة وجوب دفع المنكر ، وكأنما فتوى المشهور قد يفهم منها أن مبنى المشهور هو هذا ، هكذا يمكن أن يدعى بدليل أن المشهور هنا افتوا بأنه إذا لم ينحصر بيع العنب لمن يعلم بانه سيصنعه خمراً بهذا البائع فيجوز لهذا البائع البيع ، وإذا انحصر العنب بهذا البائع فحينئذٍ لا يجوز له البيع وإنما يجب عليه أن يترك بيعه لمن يعلم أنه سيصنعه خمراً ، فالمشهور فصّلوا في الفتوى بين مورد انحصار العنب بالبائع فيكون دفع المنكر منحصر به فلا يبيعه ، وفتوى المشهور المعروفة هي هذه ،والعنب مثال وإنما أي سلعة أخرى كخشب يصنعونه آلات باطلة أو غير ذلك ، ففي موارد انحصار العين البائع هنا لا يجوز بيعه للمشتري الذي سيعلم أنه سيوظفه في الفساد أو الحرام ، وأما إذا لم تكن العين منحصرة بالباع وإنما هي متوفرة عند كل البائعين هنا أفتى المشهور بأنه يجوز له البيع ، هذا ما افتى به المشهور وهي المعروفة جمعاً بين الروايات أو غير ذلك ، والطوائف الوارد في المقام هي ثلاث طوائف كما مرّ والتعرض لها تفصيلاً في نهاية المطاف - يعني مرة أخرى في دلالتها - فقد يستظهر من هذا التفصيل من المشهور أنهم يقولون هكذا وهو أنه في المسؤولية العامة والواجب الكفائي العام إنما يجب إذا التزم الآخرون به أما إذا لم يلتزموا فلا فائدة ويكون لغواً ، إنه قد يستظهر من مبنى المشهور هذا المبنى الآخر في الواجبات الكفائي والمسؤوليات العامة.

لكن لازم هذا المبنى أنه لا تحصل معصية بترك الواجب الكفائي - يعني في صورة عدم انحصار العين به - لأنه غير مكلف بدفع المنكر والباقين أيضاً لم يقدموا على بيع العنب وإنما هو الذي أقدم على بيع العنب فلازمه أنه لم يحصل ترك للواجب الكفائي في البين.

نعيد العبارة وهذا استظهار من فتوى المشهور هذا المبنى:- أليس دفع المنكر واجب كفائي ، هو بالنسبة له لم تنحصر العين به بل هي موجودة عند البائعين الآخرين والآخرين لم يقدموا على بيع العنب وإنما هو الذي أقدم على بيع العنب وهو لا يلزم بترك بيع العنب إلا إذا لم يكن هناك عنب عند الآخرين فإذاً واجب كفائي هنا ترك من دون معصية وهذا لا يمكن الالتزام به.

وهذا الاشكال إذا دققنا فيه ليس خاصاً في قاعدة وجوب دفع المنكر وإنما هو في الواجبات الكفائية:- الآن الجهاد إنما يجب الجهاد إذا نفر الباقون ، أما إذا لم ينفروا فلا يجب عليه الجهاد ، ومن جهة أنه لم يعص وهم كذلك لم يعوا ، فالكل يحمّل المسؤولية على الآخر وبالتالي لا يوجد شخص عاصي وهذا لا يمكن الالتزام به ، الجهاد ضد داعش والمسؤوليات العامة في المجتمع وفي المال وحماية الوطن نفطياً وأمنياً وعسكرياً وهوية البلاد الدينية وغير ذلك فلا يصح أن يلقي كل إنسان المسؤولية على الآخر وكل فئة تلقي الأمر على الفئة الأخرى وبالتالي يترك الواجب الكفائي العام والمسؤولية العامة من دون معصية وهذا لا يمكن الالتزام به ، تعريف الواجب الكفائي أنه مسؤولية عامة إذا تركه الكل يؤثمون ، إذاً فما هي ضابطة الواجب الكفائي ، وبالدقة ما هي ضابطة المسؤولية العامة ؟ المسؤولية العامة يعني الواجب الكفائي ، في علم الأصول يسمونه الواجب الكفائي وفي علم القانون يسمونه المسؤولية العامة ، سيما نلتفت إلى أن النهي المنكر فرقه دفع المنكر ما هو ؟ في باب النهي عن المنكر قالوا تارة النهي تارة يكون تربوياً زجرياً ، وتارة إذا لم يصمر في شرائط وموارد خاصة يجب النهي عن المنكر بمعنى دفع المنكر يعني الاقدام العملي على قطع استمرار المنكر أو قل دفع المنكر ، ودفع المنكر من قبيل اقامة شيء بخلاف النهي عن المنكر ، النهي عن المنكر حرام أو واجب ؟ إنه واجب وليس حرام ، المنكر حرام أما النهي فهو واجب هذا الواجب هو واجب كفائي اقامته بالنهي الانشائي ولكن دفع المنكر ليس وجوده فقط إنشائي لفظي وإنما أداؤه خارجي عيني ، مثل الأمر بالمعروف هو أمر انشائي أما اقامة المعروف هو شيء آخر ، ولو أنَّ الأمر بالمعروف هو معروف الأمر بالمعروف هو جانب تربوي ، الأمر بالمعروف حتى لو يأتمر المأمور بالمعروف بهذا المعروف نفس المر بالمعروف له غاية وحكمة ومصلحة ، لذلك البعص يستشكل في الأمر بالمعروف إذا علمت أن الذي تأمره المعروف لا يأتمر به الكثير قالوا يسقط الأمر بالمعروف أما الكثير الآخر قالوا لا يسقط ، ولماذا ؟ لأنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نفسه له موضوعية وليس فقط طريقية ن النهي عن المنكر افترض أن هذا المنهي لا ينتهي ، فهنا يوجد قولان في المسألة ، ويجد قول أنه حتى لو لم ينته المنهي عن المنكر يجب النهي عن المنكر فإن له موضوعية لا فقط طريقية ، وما هي موضوعيته ؟ يقولون موضوعيته هو خلق الأعراف الصالحة ، عرفنة الصلاح بخلاف ما إذا ارتكب منكر ولم ينه عنه ولم يزجر عنه تلقائياً يصير العرف بدلاً من أن يصير صالحاً يصير عرفاً طالحاً وعرف فساد ، يعني قبح القبيح يرتفع والعياذ بالهل ، أو حسن الحسن يرتفع ، وبناء العرف الصالح أعظم بكثير من هذا المورد الجزئي وأن هذا المأمور بالمعروف يأتمر أو لا يأتمر مع ذلك الأمر بالمعروف له الفائدة لأنه دائماً هو محافظة على صحة البيئة الظاهرة.

من أحد فلسفات الحدود التي لا يريد الغرب فهمها أو أنه يفهمها ولكنه يهتم بها ، يعني العقوبات أحد فلسفات مغازي الحدود أنَّ هذا الذي ارتكب موجب الحد في العلن خالف مخالفتين واحدة أكبر من الأخرى ، يعني افترض أنه ارتكب الفاحشة لكن كونها أنها وصلت إلى درجة العلن هذا ارتكاب ولزلزلة للأعراف الحسنة ، اشاعة فاحشة يعني نوع من اعدام الأعراف الحسنة وخلق للأعراف السيئة ( من سنَّ سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) ، فهنا ( سنَّ ) لأنه هو فسه يرتكب وتصل إلى مرتبة العلن فهذا نوع من خلق نوع من الأعراف الفاسدة ، فلاحظ التحليل الماهوي إلى ماهيات البواب الفقهية هو دأب عليه المحقق الحلي والعلامة الحلي وهو شيء مهم جداً لمعرفة ماهيات العناوين التي اخذها الشرع في الأبواب.

فباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأمر بالمعروف ولو قولاً يبني العراف ويقيم الأعراف ، النهي عن المنكر ولو قولاً يبني الأعراف الصالحة ، ولكن قامتها بآليات وراء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مثلاً اقامة الحدود نوع من النهي عن المنكر ونوع من دفع المنكر ولكن بآلية اقامة الحدود وليس بآلية القول فقط ، أو السعي في تزويج العزاب أو الشباب هو نوع من الأعراف الصالحة ن فلاحظ هذا المعروف ( ما بني شيء في الاسلام اعظم من بناء الأسرة ) ، فالمهم أننفس اقامة المعروف غير الأمر بالمعروف فإن اقامة المعروف أمر مهم ، ممثلاً نفس ترويج فوائد الصلاة ، أو ترويج اسرار الصلاة بحيث يجذب المؤمنين أو عموم الناس إلى باب الصلاة فهذا اقامة للصلاة وهو غير الأمر بالصلاة ، فهو أمر أيضاً ولكنه ليس أمراً قولياً وإنما مثل قول الأئمة عليهم السلام ( كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم ) فهذه نوع دعوى للمعروف بغير القول ولعلها اعظم من القل وإن كان القول عظيم أيضاً ، أو النهي عن المنكر فالإنسان ينزجر أو بعض الأحيان مثلاً افترض والعياذ بالله يرى إنساناً انساناً آخر مقيم على معصية فيتنحنح فذاك يترك المعصية وهذا أحين من النهي عن المنكر باللسان ، أثنين يتسابا فيأتي ثالث ويحسسهم بأنه مطلع فيخجلان ومن هذا القبيل ، فالمقصود أن اقامة المعروف ودفع المنكر له آليات كثيرة وهذا مهم.

فالآن المسؤولية العامة في دفع المنكر كيف يمكن تصويرها ، يعني هذا الواجب الكفائي كيف يمكن تصويره ؟ ومر بنا في الجلستين السابقتين أنه هنا احتدم النقاش العلمي بشكل قوي ومفيد ومثمر ببين الأعلام في كيفية تصير الواجب الكفائي وأنه كيف نصوره ؟ ، وهذا بحث مهم جداً لأنه في الواجب الكفائي الكثير من الواجبات الكفائية لأنها مسؤولية عامة أكثرها والعياذ بالله يلاحظ أنَّ هذه المسؤولية العامة ملقاة على الأرض ولا يقوم بها أحد ، وحينما نسائل الكل ونسائل أنفسنا أنه لماذا هذه المسؤوليات مطروحة على الأرض ولا يقوم بها أحد فكلّ منّا يقوم بإبراز العذر فيقول إنَّ اليد واحدة لا تصفّق ومن قبيل هذه التعبيرات ، وبالتالي كل هذه المسؤوليات متروكة وكأنما لا توجد معصية والحال أنه كما يقول السيد اليزدي هذا خلاف ضرورة الأدلة ، الواجب الكفائي غير مقام فالكل مأثوم ، الكثير منا يقول لماذا الأنصار والمهاجرين خذلوا الحق في السقيفة وغير ذلك ؟ حسب روايات أهل البيت عليهم السلام هم لم خذلوا الحق بل هذا الخذلان إلى يومنا هذا كلّنا نخذل ، يعني كلنا سبب في عدم ظهور صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف لا أنه صار خذلان في السقيفة فقط بل كل جيل ، لأنه لو قام الكل بالمسؤولية بلا شك لعجّل الفرج ولعجّل ظهور الحق ، بينما نحن لا نحس بذلك ولا الأجيال كلها ، حتى على صعيد الوسط الخاص العلمي لا نشعر بأنه يوجد تقصير ، بينما حسب الدلة التقصير موجود ، تعبير الخواجة نصير الدين الطوسي اقرار وتصريح بهذا في شرح التجريد ( وغيبته منّا ) أي بسببنا ، أيّ عدم ظهور الحق وعدم ظهر المسؤولية منا ، بعاً هذا رمز لكل المسؤوليات ظهور أمرهم عجل الله تعالى فرجهم هو مرز لقيام تلك المسؤوليات وإلا فالظلم الذي يقع في العباد في شرق الأرض وغربها حسب منطق القرآن فضلاً عمّا يقع ما بين ظهرانينا كله من مسؤولياتنا ، ومن يصدق هكذا منطلق للواجب الكفائي ، أنت تقرّ بأنه واجب كفائي أو لا ؟! فإن الواجب الكفائي هي هذه مسؤوليته ، والأكثر هكذا ، بل نفس قتل أهل البيت عليهم السلام وقتل سيد الشهداء عليهم السلام الكل مسؤول عنه البعيد والقريب ، ومن يصدّق هذا المنطق ولكنه هو منطق الدين ، الأخذ بثأر سيد الشهداء والثأر ليس انتقام نفساني وبغض وإنما هدف سيد الشهداء كونه مجمّد كلنا مسؤولون عنه ، وهذا هو منطق الأدلة ولكن من الذي يصدّقه ، سببه كله عدم الالتفات إلى كيفية الحكم ، فإذاً كيفية الحكم في المسؤولية العامة أمر لغز وليس محلولاً ولو أنه ينحل حسب كلام الأعلام هنا فحينئذٍ هذه الغفلة وهذا التعذير الموجود عند الكل ينحل ، حتى في الكثير من الزيارات والروايات أن الله ينتقم من لك من في الأرض لدم الحسين عليه السلام حتى المحب لأنه مقصر ، ولكن كيف يصدق بها الانسان ويقتنع بها ؟!! فنحن لم نسمع بهذا فبالتالي كيف ينتقم الله مع أنه في نصوص الزيارات الواردة انه يثأر الله من جميع أهل الأرض ، طبعاً الذي يقصّرون ، أما الذين قاموا بدورهم ولم يقصّروا فهذا بحث آخر وإنما كلامنا في التقصير ، فكيف يمكن تصوير هذه المسؤولية العامة ؟ ، الكثير في الروايات تقول لو وجد منكم كذا عدد الأصابع - عشرين - مخلصين صادقين يعقلون الجانب الأمني وغير ذلك لعُجّل الفرج ، يعني أنَّ بناء أنفسنا أيضا من الواجبات الكفائية.

فالمقصود هنا وقع كلام بين الأعلام في أنه كيف يمكن تصوير الواجب الكفائي ؟ ، وسنذكر في البحث اللاحق تصويرات لطيفة ذكرها الأعلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo