< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: قاعدة تبييض الأموال _ النوع الثالث ( بيع ما لا منعة فيه )/ المكاسب المحرمة.

إذاً روايات الباب الخامس سبق وإن نقلنا عن مشهرو الأعلام أنه يجب نية الأداء، هذا في الاستمرار تكليفاً أما ابتداءً نية الأداء هي مقومة للإرادة الجدية، فيوجد فرق بين القبض والاقباض والأداء الخارجي، فالقبض الاقباض والأداء الخارجي ليس شرط صحة في أغلب العقود إلا بعضها كما مر ولكن نية قصد الأداء يختلف عن نفس القبض والاقباض فقصد الاقباض هذا القصد مقوّم للإرادة الجدية حين الانشاء، فلا نخلط بين أن القبض شرط في بعض العقود وليس في كلّ العقود فلماذا نقحم بقية العقود فنحن لسنا في صدد اشتراط القبض في كل العقود، القبض ليس شرطاً في صحة أكثر العقود ولكن كون القبض ليس شرطاً في الصحة ولكن قصد الاقباض حين العقد شرط في الصحة وهل يوجد دليل شرعي عليه ؟ دليله واضح أنه نفس ماهية العقد والانشاء بالاستعمال الجدي فبعت واشتريت يعني أتعهد بأن أُملّكك وأقبضك، يعني أسلّطك والتسليط الاعتباري مقدمة للتسليط الخارجي أما إذا كان من الأول بانياً على أن لا يسلطه فصحيح أن التسليط الاعتباري أو التمليك الاعتباري يختلف عن القبض فإن القبض والاقباض والأداء تسليط خارجي ولكن قصد الوفاء بالعقد قد يسأل شخص ويقول إن قصد الوفاء بالعقد حين إنشاء الالتزام هل يمكن أن أفكك قصد الوفاء بالعقد وهو الالتزام ولماذا لأفكك ماهيته عن إنشاء ماهية صحة العقد، صحة البيع تختلف عن لزوم البيع، صحة الاجارة تختلف عن لزوم الاجارة، ماهية لزوم الاجارة صفة عارضة عرضية على ماهية البيع، وماهية الاجارة وماهية الصلح وماهية العقود فلماذا لا نفرّق بين الماهية الذاتية لأصل العقد وبين الماهية اللزومية ؟ وما هو الفرق مثلاً؟ وهذه إثارات نحن نثيرها حتى نوضح الاستشكال لأنه قد يستشكل مستشكل على هذا الاستدلال الذي نحن نقيمه ويقول إنَّ قصد ونية الأداء دخيلة في الماهية اللزومية وليست دخيلة في ذات صحة ماهية العقد، فأصل الاشكال هو هذا الاستدلال الذي نريد أن نقيمه، مثلاً ماهية البيع صحتها ما هو فرقها عن الماهية اللزومية للبيع؟ ماهية البيع تبديل مال بمال، الصحة في العقود ذكرها علماء الاصول في مبحث الصحيح والأهم الصحة في العقود تعني وجود الماهية ماهية العقد أو ماهية المعاملة، فإذا وجدت فحينئذٍ هذا هو معنى الصحة، وإذا لم توجد فهذا فساد، فيوجد فرق بين صحة المعاملة وصحة الماهية المركبة العبادة، يعني صحة الصلاة ما فرقها عن صحة معاملة البيع، ذكروا ذلك في مبحث الصحيح والأهم حيث قالوا إن الفرق هو أنَّ ماهية الصوم أو الصلاة أو الحج أو عموم العبادات الصحة فيها بمعنى وجود جميع الأجزاء في الخارج وجود مركبي خارجي فإن تمام وجود الأجزاء يسمى صحة العبادة، وقاعدة الفراغ والتجاوز تحرزها، فصحة ماهية العبادة تمامية الوجود الخارجي لأجزائها، فما معنى صحى المعاملة ظ صحة المعاملة يقولون هي وجود بسيط لماهية المعاملة البيع تبديل عين بمال والاجارة هي تبديل منفعة بمال، وجود هذه الماهية الاعتباري هو الصحة وهو وجود بسيط تركيبي عقلي، فهذه هي صحة المعاملة وجود ماهية المعاملة بيع اجارة جعالة صلح مساقاة مزارعة وكالة أو أي شيء ، وجود ماهية المعاملة الماهية شيء اعتباري تركيبي عقلي في المعاملات، ما هو لزوم المعاملة الذي هو غير صحة المعاملة قالوا إنَّ ماهية اللزوم هو استمرار الوجود أو كون الوجود لا يقبل الزوال فخاصية لا يقبل الزوال والإزالة هو اللزوم فهو ماهية أخرى، هذه كلها أمور كما قال الأعلام من أساسيات البحوث في المعاملات يلزم الالتفات إليها حتى في المسائل الابتلائية الخارجية عند عموم المكلفين فهذه من أبجديات باب المعاملات، وهو مهم جداً.

وهنا مطلب آخر ذكره الأعلام، وهذا كله لأجل شرح هذا الاشكال فإن المستشكل يستشكل على استدلالنا بأنَّ هذا خلط بين ماهية صحة المعاملة وماهية لزوم المعاملة، قصد الأداء أو قصد الاقباض دخيل في ماهية لزوم المعاملة وليس في صحة المعاملة، هذا هو فحوى الاشكال، ولتوضيح منشأ ومبنى هذا الاشكال نضيف شيئاً آخر من أبجديات المعاملات، وهذه الضوابط التي بيناها متسالم عليها بين الأعلام في باب المعاملات كالطلاق والنكاح والوصية وغير ذلك، فإن هذا التفكيك مهم، طبعاً هذه الضوابط التي نقلناها عن الأعلام يبحثونها في أوّل البيع والمعاطاة، أمر أبجدي آخر مهم ذكروه قالوا إن في العقود كالبيع والاجارة والصلح لا يفكك بين إنشاء الصحة وإنشاء اللزوم وإنما ينشآن معاً مدمجاً، فحينما يقول هذا بعت وذاتك يقول استريث أو صالحت وقبلت أو آجرت واستأجرت أو أنكحت وقبلت هنا لا ينشأ الصحة على حدة واللزوم على حده بل ينشآن معاً، هذه نكتة وضابطة مهمة جداً، وواقعاً هذه امور نفيسة ذكرها الأعلام إذا لم يلتفت إليها الباحث فسوف يترجّل في أبواب المعاملات، ولتوضيح هذه المطالب نضيف ضابطة أخرى ذكروها ونعم ما ذكروا حيث قالوا بأن المعاملات إنما تسمى عقوداً إذا أنشئ الالتزام الماهية اللزومية مع ماهية الصحة معاً، فإذا أنشئ اللزوم والالتزام مع لصحة معاً يسمى عقداً، أما معاملة من دون إنشاء الزوم فلا تسمّى عقداً وإنما تسمى معاملة ومعاوضة، وهذا بحث مصير في المعاوضات، فالمعاطاة هل تجري في البيع فقط ؟ كلا بل تجري في البيع والصلح والوكالة وغير ذلك، المعاطاة ليس خاصة بالبيع فمن قال لك أن المعاطاة خاصة بالبيع؟! بل في كلّ العقود والايقاعات عدى النكاح، وما الفرق بين المعاطاة وبين عقد البيع؟ يقولون إنه في المعاطاة يوجد إنشاء الصحة من دون إنشاء اللزوم، فالمعاطاة آلة إنشائية في قبال اللفظ، الإيجاب القبول اللفظي هو آلة إنشائية ينشأ بها الصحة واللزوم معاً، باب العقود فالعقود غير المعاملات، يعني الماهية اللزومية التي تدمج مع ماهية المعاملة، فالمعاطاة بالدقة هي آلة إنشائية بتوسط الفعل الخارجي ينشأ بها صحة المعاملة وماهية المعاملة ولا ينشأ بها الماهية اللزومية، هذه خارطة مهمة، فالمعاطاة في قبال العقد، لأنه في العقد ينشأ اللزوم مع إنشاء الصحة بتوسط اللفظ، إذاً وقفنا على مورد تنشأ الصحة فيه من دون أن ينشأ اللزوم، وطبعاً هذا هو رأي المشهور شهرة عزيمة عدى عدد قليل من الفقهاء يقولون إنَّ المعاطاة ينشا بها اللزوم ولعل السيد الخوئي ممن يقول بأنَّ المعاطاة ينشأ بها اللزوم والكثير من تلاميذه ولكن الشهرة العيمة وهو الصحيح أنَّ المعاطاة ينشأ بها صحة المعاملة دون لزومها، لذلك قالوا إنَّ النكاح لا يمكن أن ينشأ بالمعاطاة لأنَّ النكاح لابد النكح يجب أن ينشا فيه اللزوم فلا يمكن ان ينشأ بالمعاطاة، فلا يمكن أن تنشئ صحة النكاح من دون أن تنشئ لزوم النكاح، النكاح لزومه لا ينفك عن صحته وصحته لا تنفك عن لزومه، لذلك المعاملات طبقات من طبيعة اللزوم والجواز سبق أن تعرضنا إليها شيئاً ما سابقاً في نفس هذا البحث، فإذاً المعاطاة في غير النكاح ينشأ بها صحة المعاملة ولا ينشأ بها لزوم المعاملة، لذلك العقلاء في الأموال الخطيرة أبداً لا ينشئون البيع بالمعاطاة وإنما ينشئونه بالعقود وتدوين الكتابة فيريدون اللزوم، ولا يقبلون بأن يقال لهم إن لا فرق في ذلك وإنما يقولون مثلاً إن هذه أرض كبيرة وثمنها كبير بالملاين فلابد أن نجري إيجاب وقبول - أي يجرون عقداً - ويكتبون ذلك لأنه إذا أرادوا اللزوم فعليم أن يتعاقدون ولا يكتفون بالمعاطاة، فالمعاطاة ينشأ بها صحة المعاملة ولا ينشأ بها اللزوم، بخلاف العقد الايجاب والقبول أو الكتابة فإنه ينشأ به اللزوم، فالمهم أن الأعلام ذكروا جملة من الضوابط حساسة ومؤثرة في أبواب المعاملات والايقاعات وعدم التفطن لها عبارة عن تعثر في ابجديان البحوث المعاملية، فرق بين آلة الانشاء وماهية المنشأ المعاطاة آلة إنشائية والمنشأ ماهية صحة المعاملة هي تختلف عن ماهية اللزوم، البيعة للإمام المعصوم عليه السلام - بيع وبيعة مادة واحدة - عبارة عن توكيل لزوم الطاعة وإلا لزوم الطاعة للمعصوم ليس نابعاً من البيعة فقط بل في الأصل لزوم طاعة المعصوم بأم من الله تعالى ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾[1] ، ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾[2] علي بن أبي طالب ، وجوب نصرة الحسين ليس بالبيعة فسواء بايعوا أم لم يبايعوا يجب عليهم نصرة الحسين عليه السلام، «أنتم في حلّ من بيعتي» فأنتم حلّ من البيعة ليس أنكم في حلّ من نصرة الامام فهذه لا يصيرون في حل فيها ولا يجوز لهم مغادرتها حتى ليلية العاشر إنما يخاطبهم على مدى بصائرهم عنم بصيرة في الفريضة في الدفاع عن الامام عليه السلام فتبين أنَّ عندهم بصيرة وليس سببها البيعة وإنما الانقياد للإمام عليه السلام ومتابعته وطاعته واجبة، البيعة مثل الآن تنذر أن تصلي صلاة الظهر فإنَّ صلاة الظهر في الأصل واجبة ولكن هذا صار وجوباً فوق وجوب صلاة الظهر لا أنَّ الوجوب صار وأتى من نذرك لصلاة الظهر أن أنك قسمت يميناً مع الله أن تصلي صلاة الظهر فهذا تأكيد لوجوب صلاة الظهر، أو عاهدت الله، فسواء عاهدت الله أم لم تعاهده يجب عليك صلاة الظهر، لذلك سيد الأنباء كان يأخذ البيعة بعد البيعة يعني نذر بعد نذر وعهد بعد عهد زيادة تغليظ لا أن أصل طاعة النبي والأئمة لآتية من البيعة هذا بالنسبة إلى البشر أما مفروض اطاعة من الله فسواء بايعناه أو لم نبايعه يجب علينا طاعته، الغدير حصلت فيها بيعة أو لم تحصل فيها بيعة فالإمام علي عليه السلام نصّب من قبل الله تعالى خليفة وإماماً واجب الطاعة أما البيعة في الغدير زيادة توكيد، نفس البيعة هي واجبة لا الواجب الحاصل من البيعة وإنما نفس إنشاء البيعة عم المعصوم عليه السلام هي واجب من الواجبات، عندنا في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من آداب زيارة النبي صلى الله علي وآله وسلم أن تبايعه ومن آداب زيارة كل معصوم أن تبايعه حينما تزوره وهي من الآداب المنسية في الزيارة، ولا طريقة خاصة في آداب الزيارة.

إذاً ماهية اللزوم تختلف عن أصل صحة المعاملة، وهنا توجد ضابط جديدة ذكرها الفقهاء وهي أنهم قالوا إنه في الانشاء اللفظي لا يفكك إنشاء الصحة عن إنشاء ماهية اللزوم إنما ينشآن معاً في الإنشاء اللفظي، يعني إذا كان آلة الانشاء هو اللفظ لا المعاطاة.

من هذا المطلب نعلم دفع الاشكال يحث قال المستشكل إنَّ قصد الأداء دخيل في ماهية اللزوم وليس دخيلاً في ماهية الصحة، وكلامه صحيح فإنه يوجد تفكيك بين ماهية اللزوم وماهية الصحة، ولكن إنشاء ماهية اللزوم باللفظ مندمج ومتلازم مع إنشاء ماهية الصحة، فإذ لم يقص أحدهما يصير خللاً في كليهما.

وقد يقول قائل إنه يوجد إشكال آخر: - وهو أنه لماذا لم يحصل إشكال في المعاطاة فإنه في المعاطاة ينشأ الصحة دون اللزوم؟ إن الذي يتعقد باللفظ يريد حيث قلنا إنه في الأمور الخطيرة العقلاء يتعاقدون بالعقد وليس بالمعاطاة لأنه خطير فلا يريد أن ينشئ الصحة من دون لزوم وإذا أردت أن تنشئ الصحة فقط فهو من الأول ليس براضٍ أن تنشئ الصحة أنه أمر خطير، فلذلك حينما ينشأ بالعقد فمن مقتضى التطابق إنشاء اللزوم فإذا لم تنشئ اللزوم فأنت قد تحايلت.

فتحصّل أنَّ القبض والاقباض والاداء وإن لم يكن شرطاً في اللزوم ولكن قصد الأداء دخيل في ماهية اللزوم وإنشاء ماهية اللزوم وإنشاء ماهية اللزوم دخيل في إنشاء ماهية الصحة فينشآن معاً فهذا الاستدلال بهذا الباب وهذه الروايات تام ولذلك عبر في الروايات بأنه لص أ وكالسرقة، فإنه يريد أن يشير إلى أنه لم يكن عنده القصد الجدّي لماهية المعاملة، وهذه القاعدة نستفيد منها أموراً كثيرة أن قصد الأداء دخيل نستفيد منها أمور كثيرة ونعنونها الآن نشرحها غداً إن شاء الله تعالى.

والسيد الخوئي عنده حلّ متين في البنوك الربوية وقبل السيد الخوئي ولعله يوجد قبل السيد الخوئي من قال بذلك ولكن السيد الخوئي اعتمده وكذلك تلاميذه وهو حل في القروض الربوية وقد أفتى به ، وهو أنك اقصد القرض فإنه لا إشكال في نفس القرض بغض النظر عن الشرط للزيادة، فإنَّ نفس القرض ماهية ليست باطلة في الشرع وإنما هي ماهية صحيحة، أما شرط الزيادة فباطلة وحرام، فإنَّ إنشاء الربا فضلاً عن الوفاء بالربا الزنا بذات محرم في الكعبة وقد وردت في ذلك روايات بل في بعضها سبعين زنية، هكذا توجد حرمة مغلظة، وهذه حرمة عظيمة ومتعاظمة، تقول الروايات ذلك في درهم من الربا، وهذه حرمة كبيرة جداً، فكيف نتخلص من هذه الحرمة فإنَّ إنشاء الربا هكذا حرام فضلاً عن تعاطيه ولو درهماً فضلا عن دراهم، السيد الخوئي يقول أنت في إرادتك الجدية لا تنوي الوفاء بالشرط الربوي أما نفس القرض فتوجد عندك نية في أدائه ، فكك بين القرض فانوِ أداءه بجد وبين الشرط الربوي الزيادة - فلا تنوِها، وهذا الحل كيف هو مرتبط بالبحث الذي نحن فيه ؟ سنذكره غداً إن شاء الله تعالى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo