< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/07/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- المسألة الثامنة من النوع الرابع ( الرشوة ) - المكاسب المحرمة.

 

الرواية اللاحقة: - وهي مرسلة الطبرسي في مجمع البيان ( أنَّ السحت هو الرشوة في الحكم ).[1]

الرواية اللاحقة:- وهي مرسلة أيضاً وهي ( أنَّ السحت أنواع كثيرة فأما الرشا في الحكم فهو الكفر بالله )[2] ، وقد مرّ بنا أنَّ هذا التعبير متكرر مستفيض في الروايات واستظهر منه المشهور تخصي الرشوة الحرام بالقضاء وبينا أن هذا الاستظهار فيه تأملن بل ظاهر هذا الدليل أنَّ الرشوة مطلقاً هي محرمة أما أنها لباطل أو لغير باطل فذها بحث آخر ولكن الرشوة مطلقاً هي محرمة لأنها من السحت وفي الحكم تشتد والحكم الأصلح فيه أنه ليس خاصاً بالقضاء بل الأعم لا أنَّ الدليل كله عندنا مخصَّص بالحكم، يعني هكذا استظهر المشهور ولكن هذا الاستظهار فيه تأمل واضح، والصحيح ما عليه الجماعة الأخرى من الأعلام سواء كانوا من القدماء أو المتأخرين من أن الدليل يدل على مطلق الحرمة في الرشوة سيما للباطل.

الرواية الأخرى: - مصححة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: - ( سألته عن الماشية تكون للرجل فيموت بعضها يصلح له بيع جلودها ودباغها ولبسها؟ قال:- لا، ولو لبسها فلا يصلِّ فيها )[3] ، وما هو ربط هذا بالسحت؟ إنه من بابٍ حشرها صاحب الوسائل في هذه الجهة.

ومن الروايات في الباب الخامس والثمانين الذي عنوه صاحب الوسائل ( جواز أخذ الجعل على معالجة الدواء وعلى التحول من المسكن ليسكنه غيره وعلى شراء الأشياء ):-

الرواية الأولى: - وهي صحيحة عن ابي جعفر عليه السلام: - ( سألته عن الرجل يعالج الدواء للناس فيأخذ عليه جعلاً ، فقال:- لا بأس )[4] ، فهذه لا تعتبر رشوة.

الرواية الثانية:- صحيحة محمد بن مسلم قال :- ( سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرشو الرجل الرشوة على أن يتحول من منزله فيسكنه، قال:- لا بأس به )[5] ، فإما هذا المسكن وقفاً أو خيرياً أو شيء آخر فهذه الرشوة تكون مقابل يده عما هو وقف عام، مثل خص في ليلة ومناسبة مهمة أخذ مكاناً في المراقد الشرفة، فأنت تريد أن تحصل هذا المكان فتعطيه هدية أو تقول له أنا أبذل لك كذا مبلغ من المال واعطني هذا المكان فهذا لا مانع منه، لأنَّ ذلك الشخص له حق السبق وحق السبق لا مالية له ولكن بذل المال أمام حق مشروع لا مانع منه، وهذه القاعدة صحيحة وعيلها تترتب عليها قاعدة وهي بذل المال أمام حق ليس هو حق مالي بذل المال بإزائه ليس باطلاً في عالم المعاملات، فهناك حقوق ليست مالية كحق السبق في المسجد أو في مكان معين ولكن يسوغ بذل المال بإزائه، وهذه قاعدة في باب المعاملات بغض النظر عن بحث الرشوة، وسبق أن بحثنا هذا الأمر، وهو أنَّ الماليات للأموال هي ستة أو سبعة أقسام أو أكثر، واختلاف أنواع الماليات للأموال أمر مهم معرفته، وعدم الالتفات إلى هذا الاختلاف مضر، لأن آثار مالية المال تختلف في الأبواب، وهذا من باب التذكير والشرح لهذه الضابطة ولهذه القاعدة الآن مثلاً قالوا إن الأعيان لها مالية وهذا قسم أول من الأموال مثل العقار والسيارة وغير ذلك فهذه أعيان لها أموال وهذه أموال تكوينية وعرفية، والقسم الثاني من الأموال هي المنافع مثل منفعة الدار ومنفعة الآلة أو السيارة وغيرها من منافع الأشياء، فإنَّ منافع الأعيان لها مالية، والقسم الثالث من المالية هو المالية الاعتبارية، وطبعاً المالية الاعتبارية نستطيع أن نعتبرها مالية رابعة أما المالية الثالثة هي مالية الحقوق مثل حق السرقفلية له مالية فالحقوق لها أموال وهي غير المنافع وغير الأعيان، والقسم الرابع هو المالية الاعتبارية مثل الروق النقدي الآن فإنه له مالية، هذا الورق لو لم تتبناه الدولة لا مالية له ولكن تبني الدولة يجعل له مالية يعبر عنها بالمالية الاعتبارية، الآن مثلا الذهب المسكوك له ماليتان مالية من القسم الأول وهو أنه من الأعيان التي لها مالية وكذلك له مالية من القسم الرابع وهو أن نفس ضرب السكة يعطيه مالية أخرى يعبرون عنها الآن بأونصة الذهب يعني الذهب المسكوك، فنفس سكّ الذهب يعطيه مالية أخرى غير ماليته التكوينية، وهناك قسم خامس من ماليات الأشياء ليس لها لا ما لية تكوينية ولا مالية اعتبارية ولكن لها مالية بسبب وبعد التعاقد عليها مثل حق السبق الذي نحن فيه الآن، فحق السبق نفسه ليس له مالية لو أتى آتٍ وغصب حق السبق لشخص بأن رفع متاع ذلك الشخص من المكان وجلس في مكانه فهنا هو غصب حق السبق ولكن لا يضمنه مالياً، لأنَّ حق السبق وأمثاله ليس له مالية أما إذا تعوقد عليه فحينئذٍ تصبح له مالية، وهناك مثال آخر وهو الإقدام على أي عقد آخر فإن الإقدام على القرض يقول الفقهاء أنه غير ماهية القرض، فهما فعلان، فالقرض فعل والإقدام على القرض فعل آخر، الإقدام على الهبة غير الهبة، مثل الإيهاب والهبة، فالإيهاب ايجاد الهبة، الإقدام على الاجارة غير الاجارة، فالإيجار غير الاجارة، فالإيجار هو الإقدام على الاجارة وليس نفس الاجارة، والابتياع هو الإقدام على البيع هو غير البيع، والايقاف غير الوقف، والإيصاء هو الإقدام وهو غير الوصية، هذا التفكيك في العقود قيّمه الفقهاء حيث قالوا إن المالية موجودة لمال القرض أما الإقدام والإقراض فلا مالية له، والايهاب لا مالية له، نعم العين الموهوبة لها مالية، أما الإيهاب فلا مالية له، الايجار لا مالية له وإنما منفعة العي المستأجرة لها مالية، ولماذا يفرق الأعلام؟ يقولون إنَّ هذه الأفعال وهو الاقدام لا ضمان له فلو غرَّ شخص شخصاً وجعله يُقدِم على عقد حتى لو غرَّه بوعدٍ وأن له اكرامية أو غير ذلك ولكن حينما حصل البيع تنكّر لذلك أو أغراه على نكاح معين ولكن حينما حصل النكاح تنكّر لما وعده به، فهنا هو ضامن وهل يستطيع المغرور أن يطالب الغار بما وعده؟ كلا لا يوجد ضمان، لأنَّ الإقدام على الفعل لا مالية له، لا مالية أوّلية له وإنما يصبح له مالية إذا حصل التعاقد عليه كما لو قال له جعلت لك كذا من المال لو أقدمت على البيع معي أو على اقراضي، وقد مرّ بنا أنَّ الزيادة في القرض هي ربا حرام، ولكن لو قلت له إني أعطيك كذا مبلغ من المال هدية لو أقرضتني كذا مبلغ من المال فهذا ليس ربا وإنما هو جائز، يعني أنت توعز له وتجعل له داعياً أن يُقدِم على القرض فلا لا مانع منه، فالمال ليس بإزاء مبلغ القرض كي يكون زيادةً ربوية حراماً، وإنما المال هنا بذل على شيء خارج عن ماهية القرض، فهو بذل على الإقدام على القرض، والاقدام على القرض فعل آخر ولا مانع من جعل المال في مقابله، وهلم جرا في موارد عديدة، هذه الأفعال التي هي من القسم الخامس أو السادس من الماليات هذه الأنواع من الأفعال فهي إن لم يتم التعاقد عليها لا مالية لها، فلو غرّ غار الفاعل وجعله مغروراً لا يضمن له فإن اتلافها على صاحبها لا يوجب الضمان ولكن لو تم التعاقد عليها فهذا جائز وهل هذا التعاقد عليها يكون أكلاً للمال بالباطل؟ كلا، فهي لا مالية لها، وهنا توجد نكتة صناعية لطيفة وهي أنها مع أنها لا مالية أولية إلا أن أكل المال بإزائها ليس أكلاً للمال بالباطل، لأنَّ هذه أمور مباحة منافع جيدة، أما أنه لا يبذل العقلاء مال بإزائها أولية وليكن ذلك ولكن قد يبذلون بإزائها المال لغرضٍ ما، فهي لا مالية أولية لها ولكن يصح عندهم التعاقد عليها لغرضٍ معين، فلا تكون المعاملة سفهية وإنما هي حكيمة ولا يكون أكل المال بإزائها أكلاً للمال بالباطل، والذي مرّ بنا في المسائل السابقة أن بذل المال على ما لا منفعة فيه هذا يكون اكلاً للمال بالباطل أما هذا فهو له منفعة ولكن ليست له مالية أوّلية، فهذه الرواية الصحيحة يستدل بها الفقهاء وهذه لها ربط بمسألة الرشوة الآن ولكن نحن نريد أن نبين القاعدة التي يستنبطها الفقهاء وهي أنَّ بذل المال على ما لا مالية له ولكنه فعلٌ وشيء مباح وقد يكون هناك طلب عليه فهذا يسوّغ التعاقد والتعاوض عليه بالمالية ويقولون إنَّ ماليته تتولد بعد التعاقد والتعاوض عليه ولا مانع من ذلك.

فإذاً هناك قسم من الأمور المالية التي لا مالية لها أولية، يقولون - وهل هذا صحيح أو لا فهذا أمر آخر - انه عند الفقهاء حت من الفريقين خلافاً للقانون الوضعي والفقه الوضعي البشري أنَّ عمل الحر لا مالية له من الأقسام الأربعة وإنما ماليته من قبيل القسم الخامس مثل حق السبق، هذا عند الفقهاء الشرعيين من الفريقين، وأما عند الفقه الوضعي هو من قبيل القسم الثالث بل حتى الثاني فهو له منفعة مالية ويعبرون عنه بمنافع الحر، وحتى لا يصير خلطاً تارة يقال للحر تعال اصبغ الجدار أو أصلح هذه الماكنة العاطلة فهنا منافع الحر لا مالية لها أما عمل الحر له مالة مع أنه لم يعقد معه عقد اجارة وإنما طلب منه فعل ذلك فهنا عمل الحر له مالية رغم أنه لا يوجد عقد، وهل يفصّل الفقهاء في ذلك؟ نعم هم يفصّلون في ذلك، هنا عمل الحر يصير من قبيل القسم الثاني، إذاً متى يكون عمل الحر لا مالية له؟ يقولون كما لو حبس الحر ومانعه من الذهاب إلى العمل أو خدعة وغرّه واحتال عليه فأتلف عليه يوماً كاملاً أو شهراً فالقانون الوضعي البشري يقول إن له ضماناً أما مبنى الفقهاء قديماً وحديثاً يقولون لا مالية له لو مانعه من القيام بالعمل، نعم توجد صورة فإنَّ عمل الحرّ يقسمونه ثلاث أقسام، فلو كان هذا الحر تعاقد على اجارة معينة في يوم الأحد مثلاً مع شخصٍ آخر بأن يصبغ له الدار أو يقوم بصيانة الماكنة ولكن في يوم الأحد جاء شخص ثالث ومانع هذا الرجل من القيام بالعمل فهنا يقولون إنَّ هذا الممانع يكون ضامناً، لأنَّ عمل الحر هنا أصبح له مالية بالإجارة، وحينما تصير له مالية يكون مضموناً على الثالث المتلف، فإذاً عمل الحر يقسمه الفقهاء إلى ثلاثة أقسام أو اكثر قسم له مالية إذا استوفاه وإن لم يعقد عليه اجارة كما لو جعله يصبغ الدار أو صيانة الماكنة فهنا صاحب الدار أو صاحب الماكنة قد استوفاه واستثمره فهنا هذه العمل له مالية، أما إذا مانعه شخص عن العمل من دون عقد فهنا يقولون ليس له مالية ففي هذ الصورة يقولون لا ضمان حتى لو أتلفه، أما الصورة الثالثة هي إذا كان عمل الحر قد تم التعاقد عليه من قبل بين طرفين ولكن هذا الطرف الثالث المانع من عمل الحر أتى بعد العقد ومانعه من الذهاب إلى محل العمل وحبسه أو غرَّه وخادعه فهنا الثالث يضمن عمل الحر لأنه تم التعاقد عليه، فإذاً عمل الحر له ثلاث صور أو أكثر عند الأعلام.

وطبعاً الفقهاء الشرعيون استناداً إلى اجتهادهم من الشرعية، أما فقهاء القانون الوضعي فيقولون إنه في الثلاث صورة يوجد ضمان، هذا قسم آخر من مالية الأموال.

وهنا قسم آخر لا بأس بذكره وهو أن نتيجة العمل لها مالية أما نفس العمل فليس له مالية - والمفروض أنَّ هذا القسم نذكره قبل هذا الموضع ولكن نحن أخرناه - مثل الفنان الآن يرسم صورة أو خطاط يخط لوحة فإنَّ هذه الخشبة قيمتها عشرة آلاف دينار مثلاً ولكن حينما كتب عليها هذا الخطاط خطاً معيناً أو نقش عليها الرسام نقشاً معيناً صارت قيمتها مليون دينار، فأين العشرة آلاف من المليون دينار فإنَّ الفاصل كبير جداً، وقد يصير الفاصل بينهما عشرة ملايين دينار، فلو أنَّ غاصباً غصب هذه اللوحة أو أنَّ شخصاً اشتبه في أنَّ هذه اللوحة الخشبية هي لوحته فظهر أنها ملك للآخر ولكنه قام برسم صورة خلابة عليها بحيث تسوى الملايين الآن، فلو بيعت هذه اللوحة بالملايين فهذه الملايين تكون ملك من؟ قال المشهور إنها ملك صاحب اللوحة أما صاحب الفن لا استحقاق مالي له، ولكن قال جماعة من الأعلام وكلامهم هو الصحيح وأحد من تلاميذ صاحب الكفاية عنده رسالة خاصة في هذا المبحث حيث قال إنَّ هذه بنحو الشركة، والقسم الأوفر من المال هو ملك الفنان نتيجة العمل، أو كما لو كان يوجد عندك ثوب خام قيمته خمسين ألفاً ولكن هذا الشخص خياط بارع فصّل هذا الثوب الخام إلى لباس ثمين فنفس هذا النوع من الخياطة صعّد ثمن هذا الثوب الخام من خمسين ألف إلى ستة آلاف دولار وهذا فارق كبير بين القيمتين، ومن هذا القبيل الكثير، فنتيجة العمل لها مالية ضخمة فهي ليست منفعة ولا عين وإنما نتيجة العمل.

وخلاصة هذا المبحث: - إنَّ التعرّف على أنواع المالية للأموال من قبل خبراء المال مفيد غاية الفائدة في مباحث المعاملات والمعاوضات، بل هو مفيد في مبحث المعاملات بالمعنى الأعم الشاملة حتى للنكاح والارث وغيرهما، فهو باب مهم ولو بالرجوع إلى أهل الخبرة، لأنَّ علم المال والنقد هو علم قائم برأسه يسمونه علم المال أو علم النقد والمال، وسبق وأن صار تنبيه وتذكير على أنَّ مبحث الماليات وأنواع المال يؤثر على مباحث المعاملات والمعاوضات والعقود كثيراً، ومثال على ذلك هو أنَّ البذر ملك لصاحب البذر ولكن جاء فلاح واعتقد أن هذا البذر له اشتباهاً فزرع فصار نخيلاً فمشهور الفقهاء يقولون عن النخيل هو ملك لصاحب البذر أما غير المشهور هو الصحيح يقولون إنَّ هذا ملك للزارع، أما الثمرة فيقولون إن ملكيتها تابعة لمالك الأصل والأصل هو البذر الثمرة هذه هي ملك لصاحب الأصل، أما غير المشهور وهو الصحيح هي ملك للزارع، أما أنَّ صاحب البذر له نبة من الملكية فهذا بحث آخر أو أنه توجد شركة بينهما فهذا بحث آخر، ولكن ليس نسبة خمسين بالمائة مع خمسين بالمائة وإنما شركة بمقدار قيمة البذر، وهذه يعبرون عنها بنتيجة العمل، فالمهم أنَّ التعرف على أنواع المال مبحث مهم في المعاملات والعقود، وكلما تعرّف عليها الانسان كان أفضل.

أما أنَّ هذه الرواية كيف يكون لها ارتباط بالرشوة سنذكره فيما يأتي.

ولكن نذكر مبحثاً آخر سبق وإن تمت الاشارة إليه والتذكير به: - وهو مؤثر جداً في مباحث المعاملات والمعاوضات، وهو مبحث أنواع الحقوق، والمراد من الحقوق هي الحقوق المالية، وأنواع الحقوق هي غير أنواع المال، فمبحث انواع الحقوق مبحث خطير جداً على مباحث المعاملات، بل هو مبحث خطير على أغلب أبواب الفقه، فهو ليس نوعاً واحداً وإنما أنواع الحقوق، فهو مبحث في غاية الأهمية ويتنافس ويتبارى الفقهاء في اكتشاف هذه الأنواع، كالخمس والزكاة هل هي حق أو ملكية أو ماذا؟، هناك ومباحث أخرى حساسة في مبحث أنواع الحقوق.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo