< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/10/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة التاسعة ( حرمة السب ) - المكاسب المحرمة.

كان الكلام في حرمة السب، ومرّ بنا أنَّ حرمة السب وحرمة الغيبة وحرمة الهجاء وحرمة الهجر وحرمة اللمز والهمز ففي الحقيقة حرمات عديدة مرتبطة بنطاق التعامل بين الأفراد، الآن هذه الرحمة مخصوصة بالتعامل مع المؤمنين أو مع المسلمين أو مع كل تناس؟، مثلاً حرمة القذف بنى جلّ الأعلام على أنها عامة لكل أفراد الناس وليست مقيدة بكونه مؤمناً أو مسلماً، كما مرَّ في حرمة المثلة فهي تعم حتى كل الحيوانات، وهناك أحكام عامة لكل الناس أو حتى كل الحيوانات أو مع نطاق المسلمين أو مع نطاق المؤمنين يعني بالتالي هذه الأحكام لها درجات ومراتب، وقرأنا بادئ ذي بدء الآية الكريمة في سورة الحجرات التي اشتملت على مجموعة من هذه الأفعال المحرمة، وهذه المجموعة مرَّ بنا أنه أخذ في عنوانها قيد الأخوّة، وهذا المبحث على أيّ حال باعتبار انتشاره في مسائل وأحكام عديدة تحريره من جهة القواعد والأسس والأدلة نافع جداً، ومن مجموع كلمات الأعلام كما سنقرؤها نلاحظ أن الأعلام ركزوا على جملة من الحيثيات في تحديد الأحكام والأفعال في هذه المسائل، ولا يخفى أن القضية الشرعية كقضية قانونية على أقل تقدير فيها ثلاثة ابعاد، بعد نفس المحمول - الحكم - وبعد الموضوع بالاصطلاح الأصولي يعني قيود الوجوب أو قيود الحرمة أو قيود الكراهة أو قيود الاستحباب وقيود الموضوع والتي هي قيود الحكم، هذا هو الضلع الثاني في القضية والقانون الشرعي الذي هو الموضوع بالاصطلاح الأصولي، والضلع الثالث في القضية الشرعية والقانون الشرعي هو الفعل ويعبر عنه بمتعلق الحكم، مثلاً حرمة السب فالسب فعل تتعلق به الحرمة، فالسبّ كفعل ليس من قيود الحكم لكنه متعلَّق الحكم، إذاً الآن لدينا مثلاً المؤمن أو المسلم أو الانسان هو موضوع الحكم - قيود الحكم - كونه أخاً أو غير أخ، ونحن نريد أن طبق هذ الضوابط على نفس القضية الموجودة، الآن كأبعاد ثلاثة نوسعها أكثر أنَّ القضية الشرعية القانونية على أقل تقدير لها ثلاث أبعاد وثلاثة أضلاع إن لم يكن أربعة ولكن العمدة هي الثلاثة وهي قيود الحكم ومتعلق الحكم ونفس الحم والحكم هو الحرمة ومتعلق الحكم هو السب وموضوع الحكم وقيوده هو الانسان المسبوب وبالتالي هنا كونه مؤمناً أو مسلماً أو مسلماً وهلم جرا، فإذاً لدينا ثلاثة أبعاد في القضية القانونية الشرعية، ومن هذا البحث الذي سنتناول كلمات الأعلام وما شابه ذلك لأنها نافعة جداً في مجموعة مسائل حرمة السب حرمة الغيبة وحرمة اللمز وحرمة النميمة وحرمة التعيير والاستهزاء والسخرية وهلم جرا، من هذه المجموعة هي مجموعة مشجّر المسائل مع بعضها البعض تتضح نكتة اصولية ونكتة فقهية خطيرة جداً وهي تنفع في كل الأبواب الفقهية، وهي أن الأعلام يعني روّاد الأعلام يستنبطون من قيود الموضوع أو من قيود المتعلق أو من نمط الحكم يستنبطون ويحللون ماهية الحكم ومدى سعة الحكم عموماً أو ضيقاً، مثل ما مرَّ بنا شيئاً ما إجمالاً أنَّ هذا الحكم مرتبط بالحرمة والاحترام، فلاحظ أن هذا العنوان وهو الحرمة والاحترام هو نوع من الماهية التي تبين سنخ الحكم وما هوية الحكم، هذا الاستنباط ليس مصرّح به في الأدلة إنما استخرجه واستنبطه الفقهاء بمنهج التحليل، وهذه نكتة مهمة جداً.

ودعونا نذكر هذا المثال: - وهو حرمة النظر للمرأة الأجنبية - والأجنبية هي ما كانت ليست محرماً للإنسان - هل هي حرمة من باب حق الله أو هي حرمة من باب حق الناس؟ فإن كانت من باب حق الله فيحرم النظر إليها مطلقاً سواء كانت عفيفة أو غير عفيفة، أما إذا قيل إنَّ حرمة النظر ﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ... وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن .. ﴾ [1] فإن كان حق الله فلا ربط له بذاك الطرف، فإنَّ ذاك الطرف له حرمة واحترام أم لا وإنما هنا يوجد حق الله وهو عام فعموم الحكم يستفاد من كونه حق الله أو كونه حق الناس أو هو مشتمل على كلا الحيثيتين أو لا، جملة من متأخري الأعلام قالوا بأنه توجد روايات صحيحة تدل على أن غير العفيفة حتى الجانب الكذائي فيها هي كالحيوان، فإذاً هذا حق الناس فلا يراعى، فهل حرمة النظر هي حق الناس أو أنها حق الله أو هما معاً؟، إذاً تحليل الحرمة يعني النظرة التحليلية للكم يستخرج لنا أنَّ هذه الحرمة هي حق الله أو حق الناس أو هما معاً وإذا كان هما معاً فأيَّ حيثية فيهما، فجملة من الأعلام علمياً الآن علمياً وليس فتوائياً قالوا إذا كانت ليست محتشمة فالأدلة تقتضي أن النظرة الأولى والثانية والثالثة إليها من دون لذة وبلا شهوة فهي كالحيوان، لأنها ليست عفيفة، ولكن هناك قول مشهور يقول إنَّ النظر إليها حرام وإن لم تكن متعفّفة، فالمشهور يقولون إنها حتى لو لم تكن تراعِ العفاف فالنظرة الثانية هي عليك وليست لك، نعم النظرة الأولى لغير العفيفة لا تراعى حرمتها أما النظرة الثانية فلا تفترق العفيفة فيها عن غير العفيفة فإنه يحرم النظر إليها، فحتى وإن كان من دون لذة فملئ العين منها لا يسوغ، وهكذا بالنسبة من طرف المرأة إذا نظرت إلى الرجل لا يسوغ لها ذلك، لأنَّ النظرة الثانية هي حق الله وليس حق الناس وإنما النظرة الأولى هي حق الناس، فترض ان شخصاً مشي في طريق أو في مكان أو في مجمع عام واختلط في بعض أقسامه رجال ونساء وهذا الشخص يعلم بأنه حينما مرَّ في هذا الطريق ربما امرأة عفيفة غلفةً كاشفة لشعرها فهنا النظرة الأولى لا تجوز لأنها عفيفة متعفّفة ولكن الآن هي في غفلة، فهذه النظر الأولى أيضاً لا تجوز لأنها نظرة حقية ومن حقها رعاية عفّتها، بخلاف المرأة غير العفيفة النظرة الأولى لا يتجنب من النظر إليها، إذاً النظرة الأولى حقّية أي هي حق الناس وليس حق الله فإن هي راعتها فلابد من مراعاتها لها وإنَّ هي لم تراعها فلا حرمة لهان أما النظرة الثانية فهي حق الله وليس لها دخل بحق الناس فحتى لو لم يراعِ الطرف الآخر المرأة لا تراعي عفتها ولكن حق الله موجود ، فلاحظ التعبير في الآية الكريمة حيث قالت ( ذلك أطهر لقلوبهم )، وأطهر لابد له بكون الطرف الآخر عفيف أو غير عفيف بل له ربط بنفس الناظر وهذا من ملاكات تذهيب بالناظر وهذا من قبيل حق الله، فلاحظ أنه من التعليل الوارد في الأدلة وحكمة الحكم ولو أنه ليس من قيود الحكم يبين أنه من حق الله أو من حق الناس وأي حدود من كلا الحقين، فهذا التحليل مهم في منهج الاستنباط وأنه لابد أن نلتفت إلى حيثيات أو قيود إن كانت في الموضوع أو في المحمول أو في المتعلق، من هذه القيود التي هي حتى من حكمة الحكم يتبين هوية وماهية الحكم، هذا الدأب عند المشهور موجود كثيراً ولكن ربما في الآونة الأخيرة هذا المنهج فيه كساد وإلا فالمشهور يعوّل عليه وهو منهج التحليل الماهوي للحكم إما عبر عنوان الحكم أو عنوان المتعلق أو عنوان الموضوع أو قيود الأبعاد - الأضلاع الثلاث - إذا هذا ليس تضنّياً وتخرّصاً وإنما هو نوع من تعيين ماهية الحكم وهيأته بالقرائن لا أنه تخرص وتحّك وهلوسة، كلا بل توجد قرائن وشواهد، وإلا من أين يأتي الفقهاء بحق الله وحق الناس، فإنَّ هذا لا يصرَّح به دائماً في الأدلة، وإلا من أين يأتي الفقها بحق الله وحق الناس وأن هذا من حق الله وذاك من حق الناس فإنه ليس دائماً يصرح في الأدلة بأنَّ هذا حق الله وهذا حق الناس ولكن من التحليل ومن الشواهد يعرف هذا وهذه ماهيات فقهية يجب التدبر في هذا واستكشاف القرائن الدالة عيلها، وهذه نكات منهجية مهمة في الاستدلال، لا أن يكون الاستدلال سطحي شبيه بالحشوية وإنما توجد فيه جنبه تحليل، هذه نكتة مهمة لابد من الالتفات إليها.

شبيه الآن قال الفقهاء في حدَّ السرقة هل هو حدّ أو قصاص؟ إنه حدّ، وحدٌّ يعني أنه حق الله ومع ذلك يوجد فيه حق الناس، فكيف يجمع بين حق الله وبين حق الناس، الان إذا كان القصاص في القتل أو في الجروح فهذا القصاص هو حق الناس وهذا أمر آخر ولكن مع ذلك يصير حدّ السرقة وحد القتل حق الناس وحق الله معاً؟ فهنا تحليل وجود حثيتين في الحكم أو حيثية؟، أما الزنا فهو حق الله، فلاحظ أنَّ هذا التحليل التقسيم والتصنيف من الفقهاء لأقسام الحدود وسائر الأبواب كله يعتمد على قرائن هذ القرائن وإن كانت قيوداً ولكن تشخّص فيها ماهية الحكم لا أنها تخرّص وهلوسة، وإنما هذه شواهد ماهيات وأقسام ماهوية فقهية مقررة معترف بها تستشف بالتحليل وبالقرائن، وهذا الفقه التحليلي والنظرة التحليلية والمنهج التحليلي مهم جداً، أما الجمود على الفظ فهذا ليس منهجاً فقهياً للمشهور، فهنا في حرمة السب الأعلام بعدما رصدوا في هذا الحكم ومجموعة شجرة هذا الحكم من حرمة الغيبة وحرمة الهمز واللمز وغير ذلك قسّموا هذا البحث إلى جهات عددية، يعني أنه من جهة الحكم الحرمة ليست واحدة ولذلك عندهم حرمة القذف شديدة ولذلك الشارع وضع عليها حد، وحرمة الهجاء أشد، يعني أنهم درّجوا درجات الحرمة، هذه جهة وحيثية من الحيثيات وهي درجات الحرمة في البين في الأفعال والأقسام، وهناك جهة أخرى لاحظها الأعلام أيضاً وهي أن الايذاء في الفعل - وهذا من جهة الممول وقد مرَّ بنا أن المحمول يرجع إلى الحرمة والاحترام - وأن ذات الأفعال ليست على درجة واحدة وإنما هي على درجات، وإذا كانت الأفعال على درجات فبالتالي إذاً لابد أن يكون من جهات، لأنَّ الفعل هو على درجات من جهة الايذاء وليس على درجة واحدة، فإذاً هذا من جهة الفعل، وهي جهة ثانية، وهناك جهة ثالثة وهي أن الموضوع على درجات، وكيف ذلك؟ يعني تارة يكون إنساناً وتارة يكون مسلماً وتارة يكون مؤمناً وتارة يكون متقياً وتارة يكون من أهل الورع.

فإذاً هناك درجات في الحكم بلحاظ الموضوع، وهذه جهة ثالثة وليست جهة ثانية، وهناك جهة رابعة أيضاً لاحظ فيها الأعلام وهي أنهم لاحظوا الاسناد، مثلاً في السب فتارة يكون نمط السب صريح وتارة يكون السب خفيفاً وتارة يكون السب تعريضاً في الكلام وحتى الغيبة فتارة تكون صريحة وتارة تكون بالكناية وتارة تكون بالتعريض البعيد جداً، إذا الفعل ايقاعه إلى المسبوب أو الطرف على درجات، مثلاً لدينا ( من كانت في عدّة بائنة ) وليست في عدّة رجعية فإن المطلقة في العدّة الرجعية هي زوجة حقيقة وليست في حكم الزوجة وحينما يقال هي بحكم الزوجة فهذه مسامحة، فهي زوجة لأن طلاقها معلّق وليس فعلياً إلى أن تنقضي العدة، وربما هذه غفلة ربما تنتشر في الأذهان خطاً وأن المطلقة الرجعية هي مطلقة وإنما هو ليست مطلقة وإنما إنشاء الطلاق قد وقع فنفس الطلاق ليس فعلياً وإنما الطلاق معلق على انقضاء العدة فهي زوج بمعنى الكلمة، فنظر الزوج إليها ليس بحرام والتذاذ الزوج منها ليس بحرام أيضاً وممارسة القضايا الجنسية بينهما ليس بحرام أما أنه هذا يعتبر رجوع أو ليس برجوع فهذا بحث آخر، فالمطلقة الرجعية خلافاً لما هو مرتكز في أذهان عموم الناس أو عموم الفضلاء هي زوجة حقيقةً إلى أن تنقضي العدّة فإذا انقضضت العدّة صار الطلاق فعلياً وفسخاً فعلياً، أما في العدة الرجعي فهو فيسخ معلق مثل النذر المعلّق، نعم وقعت صيغته وإنشاؤه أما هو كمسبَّب ومُنشأ لم يقع بعدُ، فمن ثم هي زوجة حقيقة، لا أن بقاها في المنزل أو تكلمهما معاً أو رؤية أحدهما عورة الآخر أبداً ليس فيها أي إشكال، لا أنها ليس فيها إشكال فقط وإنما ليس رجوعاً أيضاً، وهذا مسلم فإن المشهور يذهبون إلى أنه حتى لو التذَّ من عورتها وغير ذلك فهي زوجة وحلال له وليس رجوعاً، أما لماذا تمضي هذه الفترة فهذا أمر آخر، فليس التذاذ الزوج الذي طلق زوجته رجعياً من دون الوطئ ليس رجعةً، وحتى لو تمتع فإنه إذا لم يكن قاصداً الرجوع فهو ليس رجوعاً عند كثيرين، مثلاً لو احتوشت تحت فراش واحد هي متعرية له فهنا لا إشكال في ذلك، فقط الذي فيه تعبّد خاص هو الوطئ وأنَّ التلذذ بالوطئ حتى إذا قصد عدم الرجوع فهو رجوع، أما بقية الالتذذات عند المشهور ولو كان قاصداً للألتذاذ ولكنه قاصداً للرجوع فهذا لا يعد رجوعاً لأنه زوجة، ونحن لا نريد الدخول في هذه المسألة، ولكن هذا خطأ، فمن الحريّ تنقيحها، لأنها منتشرة في الأذهان بشكل خاطئ حتى عند الفقهاء، فالمطلقة الرجعية زوجة ولذلك لا يجوز لأحد التعريض لها من بعيد بالزواج فإن هذا غير جائز نها زوجة فإن التعريض لها حرام ولو كان من بعيد، هذا في المطلقة الرجعية، أما المطلقة طلاقاً بائناً وليس رجعياً فالمطلقة البائن تصريح لها بالزواج من رجل ثانٍ لا يجوز ذلك نعم التعريض البعيد جائز، فلاحظ درجات المفاد، التصريح من رجل آخر لفلا، أما إذا كان من زوجها الذي طلّقها فهذا لا إشكال فيه لأنه يصح له أن يعقد عليها حتى في العدّة البائن لإن هذا الزوج المطلِّق العدّة هي له فيصح أن يعقد عليها حتى في العدة البائنة، وبالتالي يصح له أن يعقد عليها، لأنه مادام سوّغ له الشارع أن يعقد عليها فسواء صرّح أو عرّض فهما سيان ولا إشكال، ولماذا؟ لأنَّ هذه العدّة حقه هو وليس حقاً عليه بل هو حقٌّ له، أما بالنسبة إلى الرجال الآخر فهذا حق عليهم فعليهم أن لا يتقربوا إليها، فصحيح أنها ليست زوجه ولكنها لازالت في حريم زوجية زوجٍ سابق، فلا يجوز التصريح لها بالزواج إلا بالتعريض البعيد، وحتى المواعدة كما ذكر في الآية الكريمة، ومحل الشاهد فيما بحثناه هو أنه يوجد فرق في الأحكام بين التصريح بين التعريض، ففي المطلقة الرجعية لا يجوز التصريح ولا التعريض أيضاً، لأنها زوجة، أما في البائن التعريض جائز ولكن التصريح غير جائز، أما البائن فيجوز التعريض ولا يجوز التصريح، فلاحظ هنا إذاً نفس الاشارة إلى الخطبة أو الواعدة على الخطبة والزواج تارةً يكون تصريحاً فهذا لا يجوز من قبل الرجل الأجنبي الآخر، وتارة يكون تعريضاً والتعريض جائز، فلاحظ أنَّ الكلام فيه درجات فيوجد تعريض ويوجد تصريح ويوجد تعريض بعيد جداً فحتى التعريض فيه درجات ولست درجة واحدة، هذه الجهات في الأفعال سيما في الأفعال القولية فإن السب والغمز والهمز واللمز كلها أفعال قولية، هنا الأعلام في هذه المجموعة التي نحن في صددها قالوا إنَّ درجات الاسناد يختلف فتارة يكون الاسناد صريح وتارة الاسناد يكون تعريضاً وتارة يكون الاسناد تعريضا بعيداً وتارة كون خفي وأخفى، ودأب أهل المعنى وأهل الكرامات وأهل التقوى حينما يريدون أن يشروا إلى شيء فهم يشيرون إليه من بعيد جداً لكي لا يثيرون أحاسيس الطرف الآخر فتصير تربية بنوع من الهدوء والنعومة، فهم عمداً هكذا يفعلون، والأئمة عليهم السلام مع تلاميذهم أعظم وأعظم فهم من بعيد جداً ينبهونهم وهي تثير نباهة الطرف الآخر وكونه نبهاً أو لا فهم يثيرون عنده النباهة وأيضاً يثيرون عندهم الجانب التربوي، فإذاً الكلام درجات وليس درجة واحدة، ومن معاجز سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام أنه بعث سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم بالتعريض، فكل الأنبياء عليهم السلام بعثوا بالتصريح، أما سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم وأوصياءه عليهم السلام فقد بعثوا بالتعريض، لأنَّ التعريض له أفق أوسع من التصريح، وسبحان الله هذا عكس المنهج الاستدلالي الموجود الآن وأن التصريح هو منضبط وغير ذلك وأما التعريض والدلالة الخفية فهذا ليس استنباطاً والحال أنَّ الأمر بالعكس، وهذا الحديث موجود في الاحتجاج لأمير المؤمنين ( بعث سيد الأنبياء بالتعريض وبعث سائر الأنبياء بالتصريح )، وهذا دليل على كون علوم سيد الأنبياء غزيرة ولا متناهية بخلاف سائر الأنبياء فإنَّ علومهم محدودة ولذلك بعثوا بالتصريح، فعلى أيَّ حال البحث ذو جهات، وسنواصل بقية المطلب.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo