< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث التفسیر

44/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ‌عموم حرمة الامساك بالضرار

عموم حرمة الإمساك بالضرر:

مر بنا هذا البحث حساس في آيات الطلاق في سورة البقرة عند نزاع الزوجين أن إمساك الزوج للزوجة ضراراً، وتعدياً.

قال تعالى: ﴿وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَ لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ ما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَ الْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾

هل اللام في قوله تعالى﴿ لِتَعْتَدُوا﴾ للتعليل أو الغاية، أو العاقبة، فتارة تمسك المرأة ضراراً بغاية وهدف الإعتداء على حقوقها، في مقابل أن تمسكها ضراراً لا لغاية الإعتداء، فهل يصح هذا التفصيل أم أنه مرتبك؟

الجواب: إذا جعلنا اللام تعليلية فالمعنى يكون متدافعاً ومرتبكاً، إذ يكون المقصود هو: لا تمسكوهن ضراراً إذا كان لأجل الإعتداء، ولكن يحل الإمساك ضراراً إذا لم يكن بغاية الإعتداء.

ولكن إذا كان ضراراً كيف لا يكون إعتداءً، فهذه اللام في قوله تعالى:﴿ وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا﴾ لام العاقبة، يعني عاقبة ألإنسان الضرار والتعدي على الحقوق، كقوله تعالى﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ﴾ فاللام ليست للتعليل، بل هي للعاقبة، وهنا أيضاً هكذا، فالأم لام العاقبة وليست للتعليل أو الغاية، يعني الإمساك تلقائياً هو يؤدي الى الإعتداء على حقوق المرأة.

وقد يسأل سائل: إذا كان هكذا فكيف هذه القاعدة تكون تامة وطبقها القدماء، يعني قاعدة لا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا؟

والجواب: مر بنا في كل حالات النزاع بين الزوجين هي ثلاث حالات:

الحالة الأولى: هي نشوز الزوج فقط، دون الزوجة.

الحالة الثانية: إذا نشزت الزوجة فقط دون الزوج، فهنا محل كلام وأنه كيف يمكن التمسك بقاعدة لا تمسكوهن ضراراً.

الحالة الثالثة: إذا نشز الزوج والزوجة معاً، فهنا أيضاً يصح التمسك بالقاعدة؛ لأنه هنا السبب في النزاع شطر منه من الزوج؛ لأنه هو أيضاً ناشزاً، فتناشزا وتنازعا وتشاققا ﴿وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما﴾ فكل يشاقق الآخر، فهنا يصح أيضاً الخطاب الإلهي بحرمة إمساك المرأة ضراراً لتعتدوا.

فإذاً القسم الأول، والقسم الثالث من الواضح أن التمسك بالقاعدة تام، أما القسم الثاني فكيف يمكن التمسك بها، كما تمسك القدماء كالشيخ الطوسي وجماعته، وهو الصحيح، لا مشهور المتأخرين، فكيف يصح التمسك مع أن الناشز هي الزوجة؟

الجواب: يمكن التمسك وذلك لأن فعل الزوجة - مع أنه فعلها - هذا ليس فعلاً المسؤول عنه حصراً الزوجة، لما مر بنا أن الفعل المشترك ُيسأل الإنسان عنه أيضاً، فمادام الزوجية هي الفعل المشترك، والمعيشة هي مشتركة يسأل عنه كل من الزوجة والزوج، فمادام الفعل مشتركاً، فلا محالة تكون المسؤولية مشتركة، بمعنى أن الزوج يُسآئل عن فعله عن فعلها، وليس عن فعله فقط، فيُسآئل لماذا زوجتك ناشز، ولماذا لا تعالج ذلك النشوز على ضوء قوله تعالى: ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ وَ سَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً﴾ وليس العلاج بالضرب والتعنيف.

فإذا كان الزوج مسؤولاً عن المرأة، وإن كان الفعل فعلها، فيقال له لما تجعل الزوجة تعقك أكثر فأكثر، فسرحها سراحاً جميلاً، وكذلك من هذا الباب علاقة الولد بالأب فكما أن الأب يُسآئل عن عقوق ولده له، مع أن العقوق من الولد؛ لأن صلة الرحم بين الولد والأب فعل مشترك، وليس فعلاً خاصاً، كذلك الولد يُسآئل عن قطيعة الوالد له، مع أن قطيعة الوالد لإبنه فعل الأب.

كل هذا لما مر بنا أن الفعل المشترك يُسأل عنه الإثنين معاً، وعن كلا الفعلين، يعني يُسأل الإنسان عن فعله وفعل غيره، كرئيس الجيش فإنه يُسآئل عن فعله وفعل جيشة؛ لأن ما دام الفعل مشتركاً فإن فيه تأثير وتأثر وفعل وإنفعال، وتسبيب وتسبب.

ومن هنا لا يصح أن يقال إن يزيد(عليه لعنة الله) ليس له مسؤولية في قتل الحسين (عليه السلام)، وعبيد الله بن زياد (عليه لعنة الله) ليس له مسؤولية في قتل الحسين(عليه السلام)، فكيف ليس لهما مسؤولية، بل أكبر المسؤولية عليهما.

وإذا ثبتت هذه القاعدة تأتي هذه القاعدة الثانية، أن في الصورة الثانية وهي نشوز الزوجة فقط مع أنه فعل من الزوجة فقط يُسآل عنه الزوج، ولما عشرتكم ليست بالمعروف، ولما تبقي الزوجية وأنت تعلم أنها لن تأول الى إقامة حدود الله، فلما أنت ماسك بحبس الزوجية، وإن كان التمرد من الزوجة، فبالتالي يمكن للزوج أن يعالج هذا النزاع بأن يسرح الزوجة فينعدم موضوع النزاع والنشوز وعصيان الزوجة، فلاحظ أنت أيه الزوج أنك يمكنك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا تبقى عقد الزوج لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنك تعلم أن ثبوته لن يفيد، فعليك إعدام موضوع المنكر وهو بقاء الزوجية ولو بسبب شرورية الزوجة، فالذي يبقي موضوع المنكر هو الزوج نفسه، وهذا شبيه بمن يريد شرب الخمر وهو مصر على الشرب، فإنت يمكن أن تعدم الموضوع وهو إتلاف الخمر، فإذا أعدمت الأرضية، فإنت قطعت الطريق عن المنكر، وإن كان هذا الخمر يمكن إستعماله في الأمور الطبية، والمختبرية، لكنه بالتالي بقاء هذا الخمر يولد الأرضية لشارب الخمر لشربه، فهناك إرتباط مشترك.

إذً قاعدة (لا تمسكوهن ) شاملة للقسم الثاني وهو نشوز الزوجة فقط؛ لأنه فعل مشترك، وبإمكان الزوج العلاج بنحو أو بآخر.

وهذه القاعدة إستند اليها القدماء وهي قاعدة متينة، ومر بنا أنها مكررة في القرآن بسور عديدة وآيات عديدة، كقوله تعالى ﴿ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسان﴾ في قبال عدل ثالث﴿ وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا﴾ أو﴿ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ فإنه نفس﴿ وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا﴾ لكن بألفاظ أخرى.

إذاً ما أستدل به المشهور في محله وأن هذه القاعدة تامة.

والقسم الثاني الذي هو نشوز الزوج هذه الحالة فيها صورتان:

الصورة الأولى: الزوجة متعصية، وحينذٍ يأتي ﴿وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا﴾ .

الصورة الثانية: أن الزوجة صحيح أنها طالبة للطلاق، لكن ليست جداً حسمت الأمر، وليس معاندة الى أقصى حد، ولكنها في نزاع مع الزوج، لكن ليست متعصية، وإحتمال إذا صار هناك حاور بينها وبين الزوج ترجع الى الزوج، وهنا لت تجري قاعدة إجبار الزوج على الخلع؛ لأن الروايات الواردة في الخلع هي بنفسها مفصلة، وأكثر الروايات الواردة في الخلع واردة في ما إذا إختص النشوز بالزوجة، بأن قالت(كذا، وكذا) من الكلمات التي تبين أنها باتة في الإنفصال، ولا يمكن بوجه أن ترجع، فهنا يكون الخلع الإجباري للإنصاف بينه وبين الزوجة، يعني يطلق إجباراً، لكن بعوض، بأخذه تعويضات عن خسائره، ليكون جبراً بين الطرفين.

وعندنا ثلاثة أو أربع في حرمة الإمساك مطلقاً في الأقسام التي مرت بنا.

قال تعالى: ﴿ وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَ تَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَ إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

هذه جملة وصلنا اليها في الآية ٢٣٣، في سورة البقرة.

﴿ وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ ﴾ يدل على أنه الرضاعة يمكن أن تكون أقل من سنتين.

والقدماء كثير منهم يتبنى أن الرضاعة حق إلزامي للرضيع على أبيه، فإما أن يجعل أم الولد ترضعه، أو يهيئ له مرضعة أخرى.

وسابقاً كانت الولادات كثيرة فدائماً سوق الرضاعة متوفر وكثير، ويدل على كثرة المواليد، وكثرة الزواج، ومع قله هذين الأمرين يقل الرضاعة.

﴿ وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ وعلى الوارث مثل ذلك.

وفي ذيل الآية ذكر الباري أن إجرة الرضاعة على الزوج، قال: ﴿ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَ إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾ فليس حراماً أن الإنسان يرضع إبنه من غير إمه، إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف، وهي إجارة الرضاعة من الأجنبية، فما دامت الرضاعة إجرتها على الأب لا على الأم.

وكذلك لو أرضعت الأم إبنها فإنها تستحق على الزوج أجرة، فمع أنه بين في ذيل الآية أن أجرة الرضاعة على الزوج لا على الزوجة مع ذلك ذكر في صدر الآية:﴿ وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ يعني رزق المرأة الحامل يعني نفقتها، فالدليل على كون نفقة المرأة الحامل على الزوج هي هذه الآية، ورزقهن ليس إجرة الرضيع، وإنما نفقة الأم، وكسوتهن يعني (اللباس) فعليه السكن والطعام، والكسوة، والآية ذكرة الأخيرين دون الأول، ولكن في آية أخرى تذكر السكنى، مثل﴿ وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَ إِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ أْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ﴾ وإن كانت في المطلقة الرجعية.

إذاً في الآيات ذكرت أن نفقة الزوجة ثلاثة أمور السكنى، والأكل والشرب والكسوة، وكذلك في هذه الآية ذكرت أجرت الرضاعة على حدة و نفقة الزوجة على حدة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo