< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث التفسیر

44/06/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الرضاع وأحكام عدة الوفاة

﴿ وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَ تَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَ إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

هنا ذكر من أساسيات النفقة للزوجة على الزوج، الطعام، والشراب﴿رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، والسكنى في آيات أخرى ذكرت، فعندنا ثلاثة محاور في النفقة.

الأكل والشرب والكسوة والسكن هي ملك المنافع:

ومن الواضح أن السكنى غير ملك العقار، وهي المنفعة، كما أن الكسوة هي تمليكها المنفعة، وليس العين، أما في الأكل فإنه يبيح لها أن تأكل وتشرب، وفي ذلك بعد مالي.

﴿لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها﴾ ورد في الروايات أن لا يجامع الزوجة، فالزوج يخاف على لبن الطفل، فلا يجامع الزوجة، ومن هنا قالت الآية ﴿لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها﴾، فإنه يخاف أن تحمل فينقطع الحليب.

﴿وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ أيضاً ربما كانت المرأة تمتنع من تمكين الزوج تحت ذريعة أن هذا قد يؤثر على الحليب للطفل، من هنا قال تعالى:﴿لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾.

﴿وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ﴾ الوارث يعني فرض أن الزوج قد مات.

والعدة للحامل ليس بقدر عدة الوفاة، فالعدة الى أن تضع الحمل، يعني أبعد الأجلين، ففي هذه الفترة أيضاً نفقة هذه الأم المرضعة للطفل على مسؤولية تركة الزوج.

المسؤولية المشتركة للزوجين في رعاية الطفل:

﴿فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما﴾ التعبير جاء بالتثنية، وهو يدلل على أن حضانة الطفل من نصيب الأم، وولاية الطفل من نصيب الأب، يعني كلاهما لديه إستحقاق في الطفل الرضيع، لا الزوجة بمفردها ولا الزوج كذلك، فتربية الطفل مسؤولية مشتركة شرعية بين الزوج والزوجة، فالزوج يشرف ولاية، والزوجة تباشر حضانة.

الحوار بين الزوجين في الجهات المشتركة:

ومن اللطيف في الآية أنه حتى الفعل المشترك ذي الحقوق المشتركة يفرض فيه القرآن أن يكون فيه تراض و تشاور، والأصل في التشاور في الجهات المشتركة غالباً.

مسؤولية الزوج في أجرة إرضاع الطفل:

﴿وَ إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ يمكن لأحد أن يستأجر مرضعة للطفل، وليس من الواجب أن الأم ترضعه فقط، ولكن بشرط أن يدفع الزوج أجرة الرضاعة، ولذلك نفقة الرضيع على الأب لا على الأم، فكل ذلك يستفاد من هذه الآية.

نعم، إذا الأم قنعت بنفس الأجرة أو دونها ليس للأب أن يستأجر غيرها، وذلك لما مرَّ ﴿فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَ تَشاوُرٍ﴾ فالأم أولى بالحق هذا، ولكن إذا كانت الأم تريد الأجرة والأب حصل على مرضعة متبرعة، فإنه للأب أن يسترضع لآخرى، وليس لزاماً الأم، خصوصاً إذا طلبت أجرة باهظة مثلاً، وهذا يدلل على أنه عند إجتماع حقين في فعل فإنه يراعى كلا الجانبين، فإنه من جهة الأم لها الرضاعة، ومن جهة أخرى الأب له المجانية مثلاً من غير الأم.

﴿وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ دائماً في الحقوق المشتركة يحصل حيف وميل بين الأطراف، وكثير من الشركاء يبغي بعضهم على بعض، فالشركة مثار للتعدي،﴿وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ﴾.

وقوله تعالى﴿ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ تحذير من التعدي.

عصمة الزوج المتوفي وعدة الوفاة للزوجة:

﴿ وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ يعني وضيفتهن التربص يعني عدة الوفاة﴿ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً﴾ حق على الزوجة للزوج الميت، فتمنع أن تتزوج غير زوجها في هذه المدة إحتراماً وحداداً على الزوج.

إختلاف عدة الوفاة عن الطلاق:

﴿ فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ بأن يتزوجن.

إﺑﺘﺪاء عدة الوفاة للزوجة عند بلوغ خبر الموت:

وهذه العدة لا تبدأ بمجرد موت الزوج، بل ببلوغ موت الزوج للزوجة؛ لأن في هذه العدة وضيفة الزوجة أن تعتد، وأن تقوم بالحداد على زوجها، فمن ثم لابد من بلوغ الموت للزوجة، وإن بلغها أنه مات قبل ستة أشهر، فإن هذا لا يكفي في حصول إنقضاء عدة الوفاة، بل تبتدأ عدة الوفاة من حين حصول خبر الوفاة للزوجة، بخلاف عدة الطلاق، فإنها تبدأ من حين الطلاق علمت به الزوجة أو لا، فلو علمت أن زوجها طلقها قبل ستة أشهر مثلاً، فإنه قد إنقضت عدتها وإن لم تكن تعلم، هذا في عدة الطلاق أو أي عدة من العدد، فإن العدد تبدأ بأسبابها، إلا عدة الوفاة، فإنها لا تبدأ إلا بوصول الخبر والعلم الى الزوجة، ولو مضى على موت الزوج سنين، فلو إفترضنا أن الزوجة تزوجت جهلاً قبل أن يصلها خبر موت الزوج، فإن زواجها يكون باطلاً؛ لأنها قبل أن تعتد عدة الوفاة أيضاً لا زالت في عصمة زوجها المتوفى، فالزوجة المتوفى عنها زوجها ليست مرتبطة ومرهونة بعصمة زوجها فقط في عدة الوفاة، بل حتى قبل عدة الوفاة، فلو فرضنا أن توفي قبل أربع سنوات، ولم يصلها الخبر، ولم تطلق مثلاً من الحاكم الشرعي، فهي مازالت واقعاً ثبوتًا في عصمة الزوج، وهذه المدة المديدة لا يكفي لخروجها من العدة، بل لابد أن تعتد أربعة أشهر وعشرة من حين وصول الخبر.

ومن هنا لو إفترضنا أن الزوج مات وبقي جسده لم يغسل طيلة سنين، فإنه يجوز للزوجة أن تغسل زوجها؛ لأنها ما زالت هي على عصمته، وتترتب عليها كل آثار تلك العصمة، ومنها جواز وتغسيلها له؛ وبإنقضاء عدة الوفاة تخرج الزوجة عن عصمة زوجها المتوفى لا بمجرد الموت.

وعدة الوفاة تختلف عن بقية العدد، فإنها بعد وصول الخبر لا بمجرد الموت، ومن هنا الرجل يختلف عن المرأة، فإنه بمجرد موت الزوجة يجوز له أخذ الرابعة.

التفكيك بين الإخلال بعدة الوفاة والحداد:

ولو أن المرأة إعتدت عدة الوفاة، ولكن لم تقم بالحداد، بأن أخذت تتزين وتخالط الرجال، فهنا عصت معصية، لكن هذا لا يخل بعدة الوفاة، فإنه يوجد تفكيك بين الحداد وعدة الوفاة، فالإخلال عمداً بوضيفة الحداد لا يخل بصحة عدة الوفاة، أما عدم وصول خبر الموت للزوجة فإنه يخل بعدة الوفاة، فالموضوع الواقعي لعدة الوفاة ليس مجرد موت الزوج، بل لابد من وصول الخبر لكي تقوم بالحداد، وإن لم يكن الحداد شرط صحة، فإنه يوجد تفكيك بين هذه الأمور الثلاثة.

الحرمة الأبدية والجهل بأحكام العدة:

إذاً عدة الوفاة لها أحكامها الخاصة، وليست هي كبقية العدد، فإن تصرم عدة الوفاة ليس قهرياً كبقية العدد علمت الزوجة بها أم لم تعلم﴿وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ فلا جناح عليهن في أن يتزوجن، وقضية وقوع العقد مع زوج آخر قبل إنقضاء العدد كثير من عامة الناس يجهلون به أنه يؤدي الى فساد العقد الثاني، بل يوجب من الوطئ الحرمة الأبدية، بل العقد على مطلق ذات البعل يوجب الحرمة الأبدية، إذا كان مع الدخول، أو مع لعلم بكونها ذات بعل.

ومن هنا تثقيف المؤمنين بهذه الأحكام مهم جداً، والمسؤولية تقع على رجل الدين في تبليغ هذا الحكم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo