< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث التفسیر

44/11/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التفسير

مر بنا اية مئتين وخمسة واربعين من سورة البقرة : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط واليه ترجعون

مر بنا ان جملة من الايات قد لا تتعرض لتفاصيل التشريع بل تتعرض الى الخطوط العامة الفوقية جدا وهذا النمط متوفر كذلك في العقائد والمعارف وهذا ينبه الباحث في العلوم الدينية ان يتعرض الى الايات والروايات حيث انها تارة تتعرض الى المعلومة الدينية في العمومات الفوقية العليا جدا وتارة طبقة دونية وتارة المتوسط وتارة فوق المتوسط وتارة تتعرض الى التفاصيل

اذن طبيعة البيان الوحياني في القرآن على درجات وانماط سواء في علم الكلام او الفقه او علوم دينية اخرى وهذه الطبقات والدرجات ما هي ضابطة المحكم القرآني فيها? حيث دور المحكم انه هو المرجع وهو المراقب العلمي المهيمن على التفاصيل وهو ميزان وضابط كما مر بنا

وهذا الميزان لا يعرفه الا من كانت لديه ملكة علمية في الاستنباط سواء في علم الكلام او الفقه او العلوم الدينية الاخرى لكي يصل بخبرته في معرفة التفاصيل الى ارجاعها الى المحكمات الفوقية وهي ذو طبقات وفوق كل محكم محكم

فهناك سلسلة من الضوابط العلمية وهذه الضابطة لها فوقها وهلم جرا

فاذن وجود طبقات البيان في الوحي وفي القرآن او في الروايات يجب ان نكترث به جدا في صناعة الاستنباط في العلوم الدينية لان هذه الطبقات الفوقية عبارة عن مركز مختبر علمي يبين لنا ايا من التفاصيل صحيح واي منها ليس بسديد

لاحظ الان الاية في سورة ال عمران التي فصلت بين المحكمات والمتشابهات يعني قطب علمي في القرآن ففي سورة ال عمران يقسم بيان القرآن الى قسمين محكم ومتشابه فالقرآن لا ينفي ان المتشابهات من القرآن ولكن يجعل السيطرة للمحكمات ففي حين ان في سورة ال عمران يقولون والراسخون في العلم يقولون كل من عند ربنا فليس في تشكيك بانه المتشابه من ايات الوحي ولكن هذا الوحي لابد ان تتعامل معه بنظام علمي يسمى بطبقات يسيطر بعضه علميا على بعض ومن لم يراع هذا النظام يؤدي به الى الزيغ والفتنة العقائدية او الفكرية فاذا لم يراع لا ينجو من فتنة عقائدية سياسية اجتماعية روحية

ايا ما كان في كثير من الموارد انحراف الانسان هي بسبب فتنة او شبهة اخلاقية فهذا النظام العلمي ليس بعبط وانما هو مؤثر وعدم مراعاته بنص القران يسبب زيغ او فتنة

ما الفرق بين الزيغ والفتنة?

الفتنة تكون على الصعيد الروحي واما الزيغ فهو على الصعيد التطبيقي العملي فالمعادلات الوحيانية من القرآن او من الروايات في كل من العلوم الدينية هي نظام طبقات ويسيطر بعضها على بعض وهذا هو معنى المحكم كلما ازداد فوقية زاد احكاما وكلما دخل في التفاصيل ففهم الانسان يكون فيه معرضا للفتنة

لاحظ نفس القرآن الكريم في موارد اخرى كتاب احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم عليم وهذا تفصيل واضح فيما هو المحكم وما هو المتشابه، ولذلك القرآن الكريم في مورد اخر يفصل المحكم : ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب

فهذا يدل على ان الجانب الفوقي في القرآن انه كلما صعدت الى الفوق فهو احكام و ام وكلما نزلت الى التفاصيل يدب التشابه اليه ، فاذا جمدنا على التفاصيل دون ان نرجعها الى المحكمات سوف ينجم منه زيغ وفتنة

الشيخ جعفر كاشف الغطاء في منهج الرشاد لمن اراد السداد يذكر ان الفقيه اذا لم يراع الضوابط يمكن له ان يصوغ الفقه بشكل علماني او وهابي او داعشي او فقه انفلاتي او مادي او شيوعي ، فمن الذي يمسك بعنان الفقه? وكذلك التفسير وعلم الكلام ؟ الذي يمسك به هو المحكمات الكلية واذا اعتمد على التفاصيل فهذا مشكل

الان البعض نفس الشيء يعتمد على الدليل الخاص الخاص ولا يكترث بالادلة العامة وهذا قد يتقمص علميا ان الدليل الخاص هو الدليل فقط واما الادلة العامة فلا واصلا لا يقيم وزنا للاستنباط من العمومات وهذا يسبب كارثة لانه يريد فقط الادلة الخاصة ، انت تعتمد التفاصيل من دون ان ترجع الى العمومات يكون التفاصيل لا اصل لها ولا فصل ولا نسب وانما لابد ان تعتمد على العمومات في ضبط التفاصيل وضبط الادلة الخاصة

افترض من هذه التفاصيل مثلا لا يضر الصائم اذا اجتنب عن الاكل والشرب هل هذا نعتمد عليه? ونغض النظر عن الجماع والاصباح على الجنابة وبقية المفطرات ؟ فالعمومات هي التي تؤلف الادلة الخاصة والتفاصيل والا التمسك بالتفاصيل جمودا عليها يشتت الحقيقة الواحدة ، اذن دور العموم في اي علم من العلوم الدينية في الفقه او علم الكلام او علم التفسير او الاخلاق دور العمومات هي عبارة عن منصات ومحطات ضبط في التفاصيل والا تكون تفاصيل فوضى متناثرة فيجعل الخاص هو المدار ويعطف العام على الخاص لان الدليل الخاص اقوى دلالة والخاص مقدم على العام والخاص اقوى ظهورا من العام فاذن العام لا دور له ، فهل يا ترى هو عام واحد او مجموعة عمومات?

لاحظ مثلا الفقهاء يقولون في جملة من الموارد ان هذا الخاص مفاده شاذ من اين علموا ان مفاده شاذ? من باب عرض الخاص على العمومات ومباينتها للخاص يعطى لها مساحة اذا لم يكن بدرجة المباينة والا اذا كانت بدرجة المباينة القطعية فلا نعتمد عليه

اذن درجات التفاصيل انما يضبطها درجات العموم الفوقية وهذا في كل علم من العلوم الدينية واذا لم يراع هذا فينجم منه ما ينجم

القدماء كثير منهم او اكثرهم مع التفاوت في الدرجات بينهم كثيرا ما يراعون هذا الامر ولكن هناك جو علمي ربما ان المدار الاول والاخر على التفاصيل من دون تفسير التفاصيل بالمحكمات وهذا ينجم منه خطورة

اذن قضية المحكمات والتشريعات العامة او المعارف والخطوط العامة في الايات يجب ان يكترث بها

نرجع للاية الكريمة

اذن من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة ، مر بنا ان هذه الاية تتعرض للنظام المالي وانما يعطى البعد التخويلي للافراد او للقطاع الخاص ، فيضاعفه له اضعافا كثيرة ، القرآن الكريم دائما في بيان الكمال ان طبيعته متنامية وملكوتية في الاضعاف الكثيرة بينما جانب الشر ليس كذلك رحمة منه تبارك وتعالى

نعم والعياذ بالله في جانب الشر يتراكم بتراكم الذنوب كما ورد اياكم واستصغار الصغائر فانها اذا جمعت تصير كالكبائر

ولم يصروا على ما فعلوا بلى من احاطت به خطيئته

فالله لا يزود تكوينا تراكم الذنوب ولذلك الطبقات في المعاصي تختلف وهذا بعد اخر في الاية الكريمة والله يقبض ويبسط واليه ترجعون وهذا اصلا اقتصادي عظيم في منطق القرآن انه ليست السياسة التربوية لله في النظام المالي او في القضاء والقدر الالهي او في التشريع الالهي ليست السياسة على بسط المال او النعم بل على الاقتصاد يعني القصد يعني لا تبسطها كل البسط ولا تجعلها مغلولة طبعا هذه ليست على اطلاقها مثلا في بعض الموارد تعطي للطفل شيئا ما يسبب له السكر والمرض ، ففي مورد لازم تعطيه وفي مورد يجب ان لا تعطيه يعني ليست طريقة الوسط ان تتخذ بين ذلك سبيلا ، لا تؤتوا السفهاء اموالكم فليست السياسة الاقتصادية في الاسلام والقرآن والثقلين هو على الوسطية في البذل والقبض

سابقا كان يعرف العدل بالتساوي في العطاء لكن بعد ذلك كثير من البحوث الاقتصادية او الحقوقية التفتت الى ان التساوي ليس بالضرورة يكون عدلا ، العدل لكن هو اعطاء كل ذي حق حقه وهذا اقرب للعدل وهذا متى يكون?

البعض قال في بداية القابلية يجب التساوي وبعد ذلك وجعلنا بعكم لبعض سخريا اتصبرون

المقصود اذا كان هناك بعد اقتصادي فلا معنى للتساوي فهذه الشيوعية واشتراكية من هذه الجهة صحيحة والرأسمالية صحيحة من جهة اخرى وتجازوات كثيرة من جهات اخرى اذن ليست دائما عدل وليس التمييز بصورة مطلقا

العدل في النظرية الاقتصادية الله يقبض ويبسط فهذا هو في مورد والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما

ما الفرق بين الاقتار وبين صفات الله عز وجل بانه يقبض ويبسط ؟ بيان الامام الجواد عليه السلام ان الله جواد حتى فيما يقبض لانه يضر المؤمن فليس كل منع عنه اقتار ، لا تؤتوا السفهاء اموالكم يعني ليس الاعطاء دائما صحيح وتمكين السفيه من المقدرات سواء مالية او سياسية او غير ذلك

هذا مثال المنع والاقتار يكون اذا كان المنع في محله

شبيه من اعطى الحكمة لغير اهلها فقد ظلمها ومن منعها عن اهلها ايضا ظلمها فعلى هذا اذن زكاة العلم نشره هو اعطاء الحكمة في محلها

اذن النظام الاقتصادي او الاداري في القرآن ليس على التسوية او الوسطية بل الموارد تختلف

فيقبض ويبسط البسط هو في محله والقبض في محله مثلا طالب متأهل يمنعه الاستاذ عن المعلومات فهذا خطأ وطالب متاهل اخر ولكن لا يعلم كيف يستفيد من المعلومات فاعطاؤه المعلومات هذا ايضا خطأ فليس دائما القبض والمنع بخل بل هو جود وليس دائما البسط اسراف وانما الموارد تختلف وهي بقدر المعرفة والمعروف بقدر المعرفة

وهذا نظام اخر للعدل المعروف سواء كان حقوقي او كذا المعروف ليس دوما تسوية او بسط او منع وهذا غير نظام الاشتراكية وفكرة النظام الشيوعي وانما هي منظومة ضوابط في بيانات الوحي

فالاسراف والتبذير فيه بسط والبسط في غيرهما ايضا فيه بسط فما الفرق بين البسط والاسراف ؟. مع ان صورة كليهما بسط ؟

الفرق ان هذا بذل في محله وذاك في غير محله اذن استحقاق المحل سواء في النظام الاقتصادي او المالي او الاداري او العلمي او الحقوقي قابلية تدور فيه وليس التسوية اذن هذا النظام العادل

لذلك الخوارج اعترضوا بسوء ادب على سيد الرسل ص في تقسيم الغنائم في حرب حنين وقالوا اعدل يا محمد انظر الى التطاول في جانب الدين والعقائدي بناءه ان الامور دائما على العدل بمعنى التسوية وليس الامر كذلك نعم التسوية في موارد عديدة هي كذلك لكن ليس دائميا فالجمع بين هذه الامور في منظومة الوحي مهم اما والتجارة والاخلاق نتابعها غدا

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo