< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/10/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فصل في موارد وجوب القضاء دون الكفارة

 

من تسحّر ثم علم بان تسحره كان بعد طلوع الفجر

كان الكلام في الموارد التي يجب قضاء الصوم فيها من دون كفارة فوصلنا الی المورد الرابع و هو من تسحّر ثم علم بان تسحره كان بعد طلوع الفجر مو بعد اذان التلفيزيون، هذا الاذان ينشر قبل طلوع الفجر بدقائق، لا، علم بان كان تسحره بعد طلوع الفجر الواقعي.

فذكر صاحب العروة انه يجب عليه القضاء مطلقا بل الاحوط وجوبا انه لو كان مع المراعاة و اعتقد بقاء الليل مع ذلك يجب عليه القضاء.

فيقال بانه اذا كان المقصود من المراعاة النظر الی الافق فمع الاعتقاد الجزمي ببقاء الليل كيف يجب عليه القضاء؟ و هذا هو القدر المتيقن من موثقة سماعة‌ و صحيحة معاوية‌ بن عمار انه لا يجب عليه القضاء. و لاجل ذلك ذكر السيد الخوئي انه من المحتمل ان مراده هنا الاعتقاد ببقاء الليل من طريق النظر الی الساعة أو من خلال السؤال عن الآخرين دون النظر الی الافق. و لكنه خلاف سياق كلام صاحب العروة،‌ يقول و كذا مع المراعاة و عدم اعتقاد بقاء الليل بل الاحوط القضاء حتی مع اعتقاد بقاء الليل،‌ ظاهره انه في فرض المراعاة و اعتقاد بقاء الليل يحتاط وجوبا بالقضاء و الظاهر من المراعاة النظر الی الافق. نعم يحتمل ان يكون مراده من الاعتقاد الاعتقاد الظني. و هذا ايضا خلاف الظاهر لان القدر المتيقن من الاعتقاد هو الاعتقاد الجزمي.

و كيف كان، هذا المورد لعل المتسالم بينهم انه كان يجوز له تكليفا ان يتسحر مادام لا يعلم بطلوع الفجر و لا يجب عليه الفحص لكنه لو انكشف له اتفاقا انه تسحر بعد طلوع الفجر يتكلمون عن وجوب القضاء عليه و عدمه و اما من ناحية الحكم التكليفي كان المتسالم بينهم انه يجوز التسحر من دون فحص لانه شاك في طلوع الفجر و لاجل ذلك لا يجب عليه الكفارة‌ و انما يجب عليه القضاء لو تبين ان تسحره كان بعد طلوع الفجر.

کلام المحقق الروحاني

لكن ذكر السيد الروحاني في المرتقی انه يشكل الاعتماد علی الاستصحاب و ذلك لوجهين:

الوجه الاول: بناءا علی كون الصوم واجبا مشروطا قد يقال بانه يستصحب بقاء الليل فينفی به الوجوب للامساك و لكن المشهور كما هو الظاهر من قوله تعالی فمن شهد منكم الشهر فليصمه ان الصوم واجب معلق، لااقل من انه بدخول الليل يصير وجوب الصوم فعليا و انما الزمان اي النهار شرط واجب، من اول الليل يجب الصوم و الامساك في نهار شهر رمضان،‌ يقول السيد الروحاني اذن انت حين ما تتسحر في هذه اللحظة كيف تحرز ان هذه اللحظة ليست نهارا؟ هذه القطعة من الزمان التي تتسحر فيها كيف تحرز انها ليست نهارا أو انها ليل؟ لا حالة سابقة له. انت اكثر شيء تستصحب بقاء الليل، تسصحب عدم النهار كمفاد كان التامة تستصحب بقاء اليل و كمفاد كان التامة تستصحب عدم النهار، هذا لا يثبت ان هذا الزمان الذي تتسحر فيه ليل و ليس نهارا. نعم لو كان بقاء الليل دخيلا في عدم الوجوب و طلوع الفجر دخيلا في حدوث الوجوب كما لو كان الواجب مشروطا بطلوع الفجر لم يكن بذلك الاستصحاب بأس لكن بناءا علی الواجب المعلق ليس لاستصحاب بقاء‌ الليل و عدم دخول النهار اثر شرعي الا اذا اثبت ان هذه القطعة من الزمان ليست نهارا كي تنقح به امتثال الواجب و هذا اصل مثبت.

جواب سؤال: الزمان ليس وجوده وجودا تكوينيا حادثا، هذه القطعة من الزمان ذاتها متصفة بانها قطعة نهارية أو قطعة ليلية فلا حالة سابقة معلومة لهذه القطعة. ... تارة يكون الوصف وصف الوجود، هنا تقول بانه قبل وجود هذا الشيء لم يكن هذا الشيء متصفا بهذا الوصف و تارة‌ يكون العنوان عارضا للذات في رتبة سابقة علی الوجود هنا كيف تقول بان هذه الذات في زمان ما لم تكن متصفة بهذا الوصف. مثلا هذا الفعل لم يكن قبيحا، ميصير، لان هذا الفعل ذاته محكومة بالقبح و عدم القبح لا ان هذا الفعل بعد وجوده يتصف بالقبح، لا، القبيح قبيح وجد ام لم يوجد، الكذب علی الله،‌ الافتراء علی الله قبيح اوجدته أو لم توجده، فلا يمكنك ان تقول بان هذا الشيء الذي تشك انه افترا‌ء علی الله قبل ان اوجده لم يكن متصفا بانه قبيح، لا، اذا كان افتراء علی الله فذاته كانت متصفة‌ بالقبح، هذا ايضا كذلك. هذه القطعة لها حيثية انتزاعية، هذا القطعة قطعة نهارية أو قطعية ليلية حتی قبل وجودها،‌ النهار قبل وجوده قطعة نهارية. هذا هو الاشكال مضافا الی ان الاستصحاب في العدم الازلي محل نقاش. علی اي حال انا اريد اقرّب كلام السيد الروحاني.

هذا هو الاشكال الاول. الاشكال الثاني: يقول كما ذكر المحقق النائيني ان الاستصحاب ينصرف عن الشك الذي يزول بالفحص المتعارف إما لان الشك منصرف الی الشك بعد الفحص،‌ الشك المستقر بعد الفحص، أو ان عنوان الشك و ان لم يكن منصرفا لكن خطاب الاستصحاب منصرف عن هذا الشك قبل الفحص. و لاجل ذلك ليس له ان يسد باب غرفته و لا ينظر الی السماء و يأكل حتی يشبع، بعد ذلك ينام يقول بعد نصف ساعة اقعدوني حتی اصلي؟ حتی لا اعلم بطلوع الفجر حينما تسحر، يقال بان هذا ينصرف عنه عنوان الشك إما موضوعا أو خطابا.

ثم ذكر روايتين و اجاب عنهما:

الرواية الاولی‌ رواية اسحاق بن عمار. سندها ضعيف لاجل جعفر بن مسمي الذي لم يوثق. عن اسحاق بن عمار قلت لابي عبدالله عليه السلام آكل في شهر رمضان بالليل حتی اشك قال كل حتی لا تشك.

و الرواية الثانية موثقة سماعة قال سألته عن رجلين قاما فنظرا الی الفجر فقال احدهما هو ذا يعني الفجر هذا، و قال الآخر ما اری‌ شيئا قال عليه السلام فليأكل الذي لم يستبن له الفجر و قد حرم علی الذي زعم انه رأی الفجر قال الله تعالی كلوا و اشربوا حتی يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر.

يقول السيد الروحاني اما الرواية الاولی فيمكن ان نقول بان موضوعه الشك و قد ذكرنا ان الشك منصرف الی الشك المستقر بعد الفحص إما موضوعا أو خطابا لانه قال في هذه الرواية آكل في شهر رمضان بالليل حتی اشك. و ثانيا: لعل الامام يقول كل الی زمان لا تشك، كل حتی لا تشك يعني كل الی زمان لا تشك في طلوع الفجر، يقول قلت لابي عبدالله عليه السلام آكل في شهر رمضان بالليل حتی اشك مو معلوم ان الامام قال له كل الی ان تعلم بطلوع الفجر،‌ لعل الامام قال له كل حتی لا تشك يعني كل الی الزمان الذي تعلم ببقاء الليل فاذا شككت فلا تأكل، كل حتی لا تشك يعني كل الی زمان لا تشك في طلوع الفجر فاذا شككت في طلوع الفجر فلا تأكل.

و اما الرواية الثانية و هو موثقة سماعة يقول السيد الروحاني ظاهرها فرض المراعاة للافق،‌رجلين قاما فنظرا الی الفجر فقال احدهما هو هذا و قال الآخر ما اری شيئا يعني هذا نظر الی الافق و لم ير شيئا نعم يجوز له ان يتسحر، اين هذا من الذي يقعد في غرفته و ما يطلع الی الساحة يقول اخاف اشوف السماء مضيئ و اطمئن طلوع الفجر ما اقدر اتسحر. و لاجل ذلك قال في جواز التسحر عند الشك في طلوع الفجر اشكال الا اذا الانسان ينظر الی الافق و لا يری شيئا، هذا قد فحص بعدُ، من حينئذ يكون شكه شكا مستقرا و رواية اسحاق بن عمار و موثقة سماعة شاملتان لهذا الفرض.

المناقشة

اقول: اما الاستصحاب، بالنسبة الی اشكال المثبتية نقول اولا: ما هو المانع من استصحاب عدم تحقق المعلق عليه في الواجب المعلق لنفي فعلية الوجوب في مقام الانطباق. مثلا: يقول المولی ان جاءك زيد فاكرمه،‌ افرض هذا واجب معلق، اكرم زيدا ان جاءك، افرض انه واجب معلق كما يقول به الشيخ الانصاري، انا اشك ان زيدا جاءني ام لا، فماذا اصنع؟ هل تجيء قاعدة الاشتغال؟ أو لا بد ان اجري استصحاب عدم مجيئه لنفي ايّ شيء‌؟ المفروض ان الوجوب فعلي، استصحاب عدم مجيئه لا ينفي الوجوب لان الوجوب فعلي و لو قبل مجيئه. ففي الواجب المعلق اذا شككتُ في حصول المعلق عليه ماذا اصنع؟ العرف يقول استصحاب عدم تحقق المعلق عليه استصحاب عدم مجيء زيد مؤمّن عن فعلية وجوب اكرامه بقول مطلق، الواجب ماذا كان؟ الواجب (الذي صار وجوبه فعليا) اكرام زيد علی تقدير مجيئه و انا اجري البراءة عن وجوب اكرام زيد بقول مطلق.

لا تقل الجعل واضح، اكرم زيدا علی تقدير مجيئه كواجب معلق. نقول نعم و لكن العرف في مقام المجعول في مقام التطبيق اذا حصل الشرط و هو مجيء زيد يقول اكرام زيد واجب الان بينما انه لو لم يجيء زيدا كان يقول يجب اكرام زيد علی اي تقدير مجيئه اما بعد ما جاء يقول يجب اكرام زيد. و هذا نحو تطور في الوجوب عرفا فاجري البراءة عنه و استصحب عدم مجيء زيد للتأمين عن هذا الوجوب المتطور.

و الا فماذا نصنع من واجبات المعلقة؟ كيف نحصل المؤمّن عنها؟ اذا لم يكن هناك شك في الوجوب فكيف نجري الاصل للتأمين عند الشك في حصول المعلق عليه؟‌ غير نؤمّن ارواحنا عن الوجوب المحتمل؟ اذا كان الوجوب معلقا فما هو الوجوب الذي نجري البراءة عنه أو نستصحب عدمه أو نستصحب عدم موضوعه؟ غير ان نفرض وجوبا متطورا؟ ذاك الوجوب المنشأ في عالم الجعل صحيح، وجوب اكرام زيد علی تقدير مجيئه و لكن العرف لا ينظر في الاستصحاب الی الجعل محضا،‌ ينظر الی المجعول،‌ عالم تطبيق الجعل،‌ بعد ما جاء زيد يقول الان يجب عليه اكرامه. هنا ايضا بعد ما يطلع الفجر يقول الان يجب علیّ الامساك و ان كان الواجب معلقا في مقام الجعل.

هذا من الخطأ ان يلحظ الفقيه مقام الجعل محضا لاجراء‌ الاستصحاب بل لابد ان ينظر الی مقام المجعول و هو عالم عروض الحكم و انطباق الحكم فيری عالم الانطباق و نظر العرف في عالم الانطباق. انتم سامعين انه مثلا في موضوع الاحكام لا يلحظ عالم الجعل،‌ الماء المتغير نجس، هذا الماء الان مو متغير، زال تغيره،‌ فاذا لوحظ مقام الجعل فقد ارتفع الموضوع و يعتبر في جريان الاستصحاب بقاء‌ الموضوع و لكن يقولون لا تنظروا الی عالم الجعل انظروا الی عالم المجعول فان العرف يری موضوع معروض النجاسة ذات الماء لا الماء‌ المتغير فيقول هذا الماء كان نجسا حينما كان متغيرا مع ان الجعل كان الماء المتغير نجس.

فهنا ايضا كذلك. انا ادري اذا كان الصوم واجبا معلقا كما هو هكذا، فلا يؤثر استصحاب عدم طلوع الفجر لنفي الوجوب الذي يلحظ في مقام الجعل لان الجعل بنحو الواجب المعلق لكن العرف يری انه بعد تحقق المعلق عليه يصير تطورا في الحكم في عالم التطبيق و المجعول لا في عالم الجعل فيقول الان وجب علیّ ‌الامساك كما يقول في مثال اكرم زيدا علی تقدير مجيئه انه اذا تحقق مجيء زيد يقول الان وجب علیّ اكرامه بينما قبل مجيئه لم يكن يقول الان وجب علیّ اكرامه بل كان يقول الان وجب علیّ اكرامه علی تقدير مجيئه.

هذا اولا. بناءا علی هذا الجواب الاول نتضح اننا نستصحب عدم طلوع الفجر لنفي الوجوب في عالم المجعول، ننفي وجوب الامساك مع ان وجوب الامساك علی تقدير طلوع الفجر كان ثابتا في مقام الجعل.

جواب سؤال: المهم انه قبل طلوع الفجر لم يكن يجب علیّ الامساك بقول مطلق و انما كان يجب علیّ الامساك علی تقدير طلوع الفجر و لكن بعد طلوع الفجر اقول الان يجب علیّ الامساك،‌ فهذا وجوب حادث. اذا لاحظت مقام الجعل نعم لم يحدث ايّ وجوب بعد طلوع الفجر لكن انظر الی مقام عروض الحكم و هو مقام المجعول تقول الان حدث وجوب الامساك. هذا هو النظر العرفي و لاجل ذلك نؤمّن عن هذا الوجوب إما بالاصل الموضوعي أو بالاصل الحكمي.

هذا اولا. و ثانيا: استصحاب عدم طلوع الفجر لا يثبت ان هذه القطعة من الزمان ليس من النهار، الاستصحاب بنحو كان التامة لا يثبت مفاد كان الناقصة، صحيح، انا اقبل ذلك، أو استصحاب مفاد ليس التامة لا يثبت مفاد ليس الناقصة، اذكر لكم مثالا: انت كان في حوض بيتك ماء كر، تارة تطمئن بان هذا الماء الموجود اليوم نفس ذلك الماء فتقول هذا الماء كان كرا علی نحو مفاد كان الناقصة و لكن قد تحتمل ان ذلك الماء الكر ان سحب و هذا الماء الذي تراه اليوم ماء جديد لا يمكنك ان تقول هذا الماء كان كرا لانك تحتمل ان هذا الماء‌ غير ذاك الماء الذي كان امس في هذا الحوض. فقد يقال باننا نستصحب بقاء الماء الكر في الحوض هذا مفاد كان التامة‌ و لكن يجاب عنه بان هذا لا يثبت ان هذا الماء‌ كر الا بنحو الاصل المثبت. مفاد كان التامة اذا استصحب لا يثبت به مفاد كان الناقصة و هكذا مفاد ليس التامة اذا استصحب لا يثبت به مفاد ليس الناقصة.

هذا صحيح،‌ انا ابد ما نناقش في ذلك. و لكن قد يقال بانكم اذا تلحظون هذه القطعة بانفرادها لاحظوا قطعة اوسع من ذلك،‌ قولوا هذا الزمان لا هذا الزمان الذي ضيقتموه في هذه الدقيقة، لا، هذا الزمان الذي لوحظ كساعة مثلا، هذه الساعة كانت ليلا ليلا لا هذه الدقيقة‌ كانت ليلا حتی تقول هذه الدقيقة‌ متي علم بانها كانت من الليل، لا،‌ هذه الساعة، هذه القطعة‌ الكبيرة‌ من الزمان مو قطعة الصغيرة التي تنحصر علی هذه الدقيقة، هذه الدقيقة كانت ليلا صحيح، هذا لا حالة سابقة له، هذه الساعة كانت ليلا،‌ هذه الساعة التي يتسحر فيها لم تكن نهارا.

تاملوا في ذلك هل هذا الجواب الذي قد يستفاد من كلمات البحوث جواب صحيح ام لا، نتكلم عن ذلك و عن بقية المطالب التي ذكرها السيد الروحاني ناسبا له الی المحقق النائيني من ان الاستصحاب ينصرف عن الشك قبل الفحص و كذا ما ذكره حول كلتا الروايتين، نتكلم عن الجميع ان‌شاءالله في ليلة الاثنين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo