< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/03/27

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: تعریف، أقسام و أداة العموم

العام والخاص

تعریف العموم

يقع الكلام في العام و الخاص و قد ذكر في تعريف العموم عدة تعاريف و أورد عليها بعدم الاطراد و عدم الانعكاس و ذكر صاحب الكفاية انه لا مجال لهذه الإيرادات بعد كون هذه التعاريف من قبيل شرح الاسم ،مراده انهم لم يكونوا في مقام التعريف التام بحيث يكون جامعا للأفراد و مانعا عن الاغيار.

و هذا و ان لم يكن دفاعا موجها عنهم لانهم ان لم يكونوا بصدد تعريف التام فلماذا كل منهم يورد على الآخر بان تعريفه ليس بجامع للأفراد او ليس بمانع عن الاغيار.

و المهم ان صاحب الكفاية عرّف العموم بانه شمول المفهوم لجميع ما يصلح ان ينطبق عليه، فالعلماء يشمل جميع ما يصلح ان ينطبق عليه بلحاظ مفرده يعني كل فرد من العلماء ينطبق عليه مفرد العلماء و هو العالم.

هذا التعريف ليس دقيقا لان أداة العموم على قسمين، أداة اسمية و أداة حرفية، الأداة الاسمية نظير كل او جميع او تمام او كافة، اكرم كل عالم، فهنا لا يدل العموم على شمول المفهوم لجميع افراده بل هنا مفهومان مفهوم الكل و مفهوم العالم، فالكل يدل على استيعاب مفهومه و هو التكثر لأفراد مفهوم العالم فهنا العموم عبارة عن استيعاب مفهوم و هو الكل لأفراد مفهوم آخر و هو مدخوله العالم، و ليس هناك مفهوم واحد فيقال العموم شمول المفهوم لجميع ما يصلح ان ينطبق عليه.

و اما أداة العموم الحرفية فهي تدل على نسبة استيعابية بين طبيعة و افرادها كالجمع المحلى باللام بناءا على افادته للعموم، العلماء تدل حرف اللام على نسبة استيعابية بين العالم و تمام افراده فهنا أيضا ليس العموم شمول مفهوم لجميع افراده و انما هو نسبة استيعابية بين طبيعة و افرادها.

فالصحيح ان نقول العموم عبارة عن استيعاب وضعي لا اطلاقي، استيعاب وضعي لمفهوم بالنسبة الى افراد مفهوم آخر سواءا كان الاستيعاب مستفادا من الاسم او مستفادا من الحرف، بل هذا التعريف أيضا ناقص و ان استحسنه في البحوث، فانه لا يشمل استيعاب الطبيعة لتمام اجزائها كقولنا اكلت كل السمكة فلابد ان نضم الى هذا التعريف فنقول العموم عبارة عن استيعاب مفهوم لأفراد مفهوم آخر او لأجزائه، مو مهم.

ذكر صاحب الكفاية انه قد يقال بان لفظ عشرة مثلا بناءا على تعريفكم يكون من أداة العموم مع انه ليس كذلك و أجاب عنه بان العشرة هذا اللفظ لا يصلح للانطباق على كل واحد واحد، فعشرة عالم هذا اللفظ لا ينطبق على زيد العالم فزيد العالم ليس عشرة عالم و لعل مراده ان لفظ العشرة وضع لمعنى مركب و دلالة اللفظ الموضوع لمعنى مركب على اجزائه لا يعني العموم، فالإنسان مركب يدل على رأسه و صدره و بطنه هذا ليس عموما، العشرة لفظ وضع لمعنى مركب من عدد معين فيكون كسائر الالفاظ الموضوعة لمعنى مركب هذا ليس من العموم في شيء، العموم هو دلالة لفظية على استيعاب تمام افراد طبيعة و اما اللفظ الموضوع للمركب فهذا ليس من أداة العموم في شيء.

اقسام العموم

قسموا العموم الى ثلاثة اقسام: العموم الاستغراقي اكرم كل عالم، العموم المجموعي اكرم مجموع العلماء بحيث لو لم يكرم واحد منهم لما امتثل الامر ابدا، نظير الامر بالاجتناب عن جميع مفطّرات الصوم فلو ان شخصا اجتنب عن كل المفطّرات ما عدا واحد منها فلم يمتثل الامر بالصوم ابدا فهذا عموم مجموعي.

و القسم الثالث العموم البدلي اكرم عالما أيّ عالم شئت، و ظاهر الكفاية ان هذا التقسيم ينشأ بعد طرو الحكم فقبل طرو الحكم لا معنى لهذا التقسيم، فالحكم يوجب ان يكون العام استغراقيا اذا كان الحكم انحلاليا كقوله اكرم كل عالم و الحكم يوجب ان يكون العام مجموعيا اذا كان حكما وحدانيا متعلقا بمركب ارتباطي و الحكم يوجب العموم البدلي اذا كان متضمنا للأمر بصرف الوجود كقوله اكرم عالما أي عالم شئت.

و لكن الظاهر امكان تصور هذه الأقسام و لو مع قطع النظر عن الحكم فنحن نرى فرقا بين لحاظ العلماء بحيث في تصورنا ننظر الى كل عالم مستقلا عن غيره فهذا عموم استغراقي و أخرى ننظر الى العلماء بحيث يكون كل عالم منضما الى سائر العلماء اكرام كل عالم، اكرام مجموع العلماء فاذا قلنا اكرام مجموع العلماء يعني اننا لاحظنا اكرام كل عالم منضما الى اكرام بقية العلماء بينما انه في العام الاستغراقي لاحظنا اكرام كل عالم مستقلا عن اكرام غيره، و اما العام البدلي فهو بمعنى لحاظ بدلية، عالمٍ و يعادله بالفارسية "دانشمندي" فانه لوحظ فيه البدلية.

لا كلام لنا في العام البدلي فان امره واضح الكلام فيما اذا دار الامر بين العموم الاستغراقي و المجموعي فما هو الأصل؟ السيد الروحاني قدس سره في كتاب المنتقى ادعى الاجمال في العموم اذا داره امره بين العموم الاستغراقي و بين العموم المجموعي حتى في مثل اكرم كل عالم فضلا عن مثال اكرم العلماء، لان هذا الخطاب و هذا العنوان صالح لان يراد به العموم الاستغراقي او يراد به العموم المجموعي بان يكون هناك وجوب واحد متعلق بإكرام كل عالم عالم بحيث لو تخلف عن اكرام واحد منهم لما امتثل الامر بإكرام كل عالم ابدا، هذا هو العموم المجموعي.

و لكن الانصاف ان العرف يرى في العموم المجموعي مؤونة زائدة حيث يلحظ اما انضمام اكرام كل عالم الى اكرام بقية العلماء و هذا لحاظ زائد او يلحظ ان وجوب اكرام كل عالم وحداني و يندرج فيه اكرام بقية العلماء، هذا لحاظ زائد يحتاج الى قرينة و لأجل ذلك اذا امر المولى عبده بإكرام العلماء او اكرام كل عالم فاذا تمكن من اكرام بعضهم دون بعض فلم يكرم الذي يتمكن من اكرامه لم يعدّ معذورا يقول له المولى لم تكن قادرا على اكرام زيد العالم اما عمرو العالم لماذا ما اكرمته؟، يحتج عليك، و هذا يعني العموم الاستغراقي و الا لو كان العام مجموعيا سقط الوجوب بالعجز عن المركب التام، سقط وجوب اكرام مجموع العلماء و لو بالعجز عن اكرام واحد منهم كما يسقط الامر بوجوب الاجتناب عن جميع المفطرات بالعجز عن الاجتناب عن مفطر ما، لو انجبر ان يأكل لقمة سقط وجوب الصوم بالنسبة اليه.

في البحوث قال اقبل، اكرم كل عالم اكرم كل العلماء ظاهر في الانحلال و اما في اسم الجمع لا اقبل ذلك، اكرم كل القوم اكرم كل العسكر هذا ظاهر في العموم المجموعي لان لفظ القوم لوحظ فيه في رتبة سابقة الوحدانية، القوم اعتبروا امرا واحدا و سموهم بالقوم، العسكر اعتبروا كتلة واحدة فسموهم بالعسكر او الحكم المترتب على عدد معين، صل ثمان ركعات نافلة الظهر صل اربع الركعات نافلة المغرب، لو لم يدل دليل خاص و عجز المكلف او لم يرد المكلف ان يصلي ثمان ركعات قبل صلاة الظهر لم يكفيه ان يصلي اربع ركعات او ركعتين الا اذا دل دليل خاص عليه و لأجل ذلك في الاذكار المعينة شخص لا يقدر على ان يقول الله اكبر اربع و ثلاثين مرة يقول ما اقدر، اقدر الله اكبر عشر مرات هل يقال له مي خالف هذا جزء من تسبيحة الزهراء عليه السلام؟ لا، ذاك منصبّ على هذا العدد كعام مجموعي.

الانصاف ان هذا مو صحيح حتى في مثال اكرم كل القوم لو عجز المكلف عن اكرام واحد منهم اكرمت كل القوم بقية عجوزة في البيت ما اقدر اكرمه هل سقط وجوب اكرام القوم لأني عجزت عن اكرام واحد منهم؟ هذا خلاف الظاهر و هذا يختلف عن الحكم المترتب على عدد معين. على أي حال.

أداة العموم

ننتقل الى البحث عن أدوات العموم بتفاسيرها، الأداة الأولى لفظ كل او أي، اكرم كل عالم لا تكرم أي فاسق. الكلام وقع في ان استفادة العموم من هذه الخطابات تحتاج الى اجراء مقدمات الحكمة في مدخولها كما عليه المحقق النائيني فلا يمكن استفادة العموم من قوله اكرم كل عالم الا بعد جريان مقدمات الحكمة في لفظ عالم و هو الذي مدخول كل لان المحقق النائيني يقول وضع لفظ كل لإفادة استيعاب تمام افراد ما يراد من مدخوله لا ما يكون مدلول مدخوله تصورا و لولا مقدمات الحكمة من اين نثبت ان المراد من مدخول كل هو مطلق العالم طبيعي العالم لا العالم العادل؟.

كلام صاحب الكفاية هنا مجمل و اختلف في انه هل يرى لزوم جريان مقدمات الحكمة في مدخول كل او لا و لكن بعد ما وصلنا تقرير أبحاث صاحب الكفاية و هو كتاب البحوث الأصولية الذي طبع أخيرا في أربعة أجزاء، صرح هناك بان استفادة العموم من أداة العموم بحاجة الى اجراء مقدمات الحكمة في مدخولها. الآن حصحص الحق في نظر صاحب الكفاية.

السيد الخوئي اشكل على استاذه المحقق النائيني بإشكالين، الاشكال الأول يقول السيد الخوئي يا استاذنا على نظرك لا يمكن للمولى التصريح باستيعاب الطبيعة لتمام افرادها؟ لا يمكن؟ لأننا نحتاج دائما الى اجراء مقدمات الحكمة؟ شينو هذا؟ هذا واضح البطلان لازم القول بالاحتياج الى اجراء مقدمات الحكمة في مدخول أداة العموم و استناد العموم الى سكوت المولى عن بيان القيد الزائد عدم امكان التصريح بالعموم في مورد أصلا مع انه واضح البطلان.

لكن هذا الاشكال مو صحيح لان المحقق النائيني لم يذكر امكان التصريح بالعموم و انما قال أداة كل و نحوها لا تدل على العموم الا في طول جريان مقدمات الحكمة في مدخولها و اما اذا قال المولى اكرم العلماء مطلقا اكرم العلماء قاطبة اكرم العلماء اجمعون، المحقق النائيني لا ينكر ان هذا لا يحتاج الى مقدمات الحكمة، اكرم العلماء بلا استثناء، المحقق النائيني يقول استفادة العموم من مثل اكرم كل عالم و نحوه تحتاج الى اجراء مقدمات الحكمة في مدخول كل.

الاشكال الثاني للسيد الخوئي انه على كلام المحقق النائيني يلغو استخدام أداة العموم لانه لو جرت مقدمات الحكمة في مدخول أداة العموم اكتفينا به لم نحتج الى اداة العموم لو لم تجر المقدمات الحكمة في مدخول أداة العموم لم تفد أداة العموم شيئا فإذن يلغو استخدام أداة العموم.

و الجواب عنه ان استفادة الشمول و ظهور الخطاب في الحكم الشمولي يختلف ضعفا و قوة، نحن نسمي مقدمات الحكمة بالظهور السكوتي كما ذكره السيد الخوئي، الظهور السكوتي يختلف باختلاف الموارد شدة و ضعفا، مثلا تارة يتكلم عن زيد و عمرو و يمدحونهما انا اسكت مع انه يتوقع مني ان أقول شيئا، هذا ظاهره السكوتي اني لا يعجبني زيد، هذا ظاهر في ان زيد لا يعجبني، اذا قمت و مدحت عمروا، يمدحون زيد و عمرو انا أقول هذا عمرو هو لا يعجبني و ابد ما اهجي عن زيد، هذا ظاهر بظهور سكوتي في ان زيد لا يعجبني و لكن ظهوره السكوتي في ان زيد لا يعجبني صار اقوى و اشد من الظهور السكوتي حينما سكت و لم امدح لا زيدا و لا عمروا، فاذا قال المولى اكرم العالم ظهوره السكوتي ينفي القيد الزائد و لكن اذا قال اكرم كل عالم فيتقوى الظهور السكوتي.

هذا فائدة تترتب على استخدام أداة العموم و بقية الكلام في الليلة القادمة انشاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo