< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/04/04

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: العام و الخاص/ حجیة العام فیما عدا مورد التخصیص/

كان الكلام في العام المخصص حيث نقل عن بعض العامة انه يسقط عن الحجية في ما عدا مورد التخصيص أيضا بصيرورته مجملا بعد ان احرزنا عدم إرادة العموم منه بل حكي عن بعضهم جريان الاشكال في العام المخصص بالمخصص المتصل و هذا غريب فان المخصص المتصل فيما اذا كان بنحو التوصيف لا يوجب أي تجوز في العام، اكرم كل عالم عادل او اكرم كل عالم ليس بنحوي و اما مثل اكرم كل عالم الا الفاسق او اكرم كل عالم و لا تكرم العالم الفاسق فهو و ان اتى فيه مبنى الشيخ الانصاري و مبنى صاحب الكفاية من انه هل يكشف المخصص المتصل فيه عن استعمال العام في ما عدا التخصيص كما عليه الشيخ الانصاري او ان المراد الجدي مضيق و محدد بما عدا مورد التخصيص و لكن المراد الاستعمالي منه عام كما قد يظهر من صاحب الكفاية.

هذا بحث آخر و على أي حال لا وجه لدعوى الاجمال في العام المبتلى بالمخصص المتصل اما العام المبتلى بالمخصص المنفصل فالجواب عن شبهة الاجمال فيه بالنسبة الى ما عدا مورد التخصيص لا يكون الا بالرجوع الى مرتكز العقلاء فان مرتكز العقلاء حجية العام في ما عدا مورد التخصيص و لاجل ذلك يحتجون على العبد اذا قال له المولى في خطاب اكرم كل عالم و وصل الى العبد في خطاب آخر ان المولى قال لا تكرم النحوي فلم يكرم هذا العبد الصرفي فالمولى يحتج عليه يقول انا قلت لك اكرم كل عالم ثم بعد فترة نقلوا عني اني قلت لا تكرم النحوي فما عذرك في تركك اكرام العالم الصرفي لا يقبل منه ان يقول انا احتملت ان العام استعمل في معنى لا يشمل العالم الصرفي أيضا.

مسلک الشیخ الانصاری ومسلک صاحب الکفایة فی تحلیل المخصص المنفصل

و لكن بعد ان اخذنا هذا المطلب من مرتكز العقلاء ينبغي في مقام التحليل و التخريج الثبوتي ان نرى هل مسلك الشيخ الانصاري تام او مسلك صاحب الكفاية، فان الشيخ الانصاري قال نستكشف من المخصص المنفصل عدم استعمال العام في معناه الحقيقي التام فاكرم كل عالم بعد مجيء قوله لا تكرم النحوي في خطاب منفصل يعلم انه لم يستعمل في وجوب اكرام كل عالم يشمل النحوي اما صاحب الكفاية فيقول لا، اصالة الحقيقة تقتضي استعمال ذلك العام في معناه الحقيقي الشامل للنحوي أيضا لكن المخصص المنفصل كشف عن عدم كونه مرادا جديا للمولى فالمولى استعمل الخطاب العام و لم يكن ارادته الجدية شاملة للنحوي لكن ارادته الاستعمالية كانت شاملة له.

تقريب كلام الشيخ الانصاري هو انه يقول العام يتضمن دلالات متعددة بعدد افراده و كل دلالة غير منوطة بسائر الدلالات فاكرم كل عالم له دلالة على وجوب اكرام الفقيه و دلالة ثانية على وجوب اكرام الصرفي و دلالة ثالثة على وجوب اكرام النحوي و كل هذه الدلالات غير منوطة بدلالة أخرى و بعد ان ورد خطاب لا تكرم النحوي علمنا ان الدلالة على وجوب اكرام النحوي لم تكن مطابقة للإرادة الاستعمالية، دلالة تصورية وضعية نحن أجرينا اصالة الحقيقة فيها لاحراز ان هذا المدلول التصوري الوضعي و هو وجوب اكرام العالم بحيث يشمل النحوي مراد استعمالي للمولى و لكن الآن بعد مجيء المخصص المنفصل عرفنا انه لم يكن مرادا استعماليا للمولى هذا المدلول التصوري المنحل الى وجوب اكرام النحوي لم يكن مرادا استعماليا للمولى و بلحاظه وقع التجوز و لكن هذا لا يمنع عن اجراء اصالة الحقيقة في سائر دلالات العام دلالته على معنى شامل للعالم الصرفي، اصالة الحقيقة تقول هذه الدلالة متطابقة مع الإرادة الاستعمالية للمولى فوجوب اكرام العالم الصرفي مراد استعمالي للمولى فهناك ليست اصالة حقيقة واحدة، لكل دلالة اصالة حقيقة فاذا سقطت اصالة الحقيقة في الدلالة على وجوب اكرام النحوي هذا لا يوجب ان تسقط اصالة الحقيقة في دلالة العام على وجوب أكرام الصرفي و هكذا.

صاحب الكفاية قال المدلول التصوري و الاستعمالي للعام واحد و ليس متعددا انما التعدد في مقام الانطباق فقوله اكرام كل عالم واجب ليس له الا مدلول تصوري واحد فليس مقتضى اصالة الحقيقة الا كون المولى مستعملا لهذا الكلام العام في ذلك المدلول التصوري الوحداني للعام، معنى اصالة الحقيقة ان المدلول التصوري للعام مراد استعمالي للمولى و هذا ليس انحلاليا لان المدلول التصوري واحد و ان انحل بتعمل عقلي الى دلالات تضمنية متعددة و هذا بخلاف الإرادة الجدية، الإرادة الجدية يعني الداعي الى الاستعمال فيمكن التعدد الداعي فالداعي للمولى الى الاستعمال الخطاب العام بالنسبة الى العالم غير النحوي داعي الجد و لكن داعيه بالنسبة الى استعمال العام في المعنى الشامل للعالم النحوي لم يكن داع جد بل داعي ضرب القانون في مقام الاثبات لمن يريد ان يرجع الى العام في مقام الشك فالارادة الجدية قابلة للانحلال بلحاظ الدلالات التضمنية المتعددة بخلاف اصالة الحقيقة بخلاف الإرادة الاستعمالية، الإرادة الاستعمالية يعني استعمال اللفظ في معناه، اذا كان معنى اللفظ واحدا فكيف تكون الإرادة الاستعمالية متعددة؟ و اما الإرادة الجدية فلا تعني الا الداعي الى الاستعمال و يمكن تعدد الداعي بتعدد الدلالات التضمنية فحينما تقول كل من في الدار عادل فيمكنك ان يكون داعيك في الاخبار عن عدالة زيد منهم الجد و داعيك في الاخبار عن عدالة عمرو منهم التقية و داعيك في الاخبار عن عدالة بكر منهم الهزل و هكذا.

و الانصاف ان ما ذكره صاحب الكفاية متين جدا فاننا لا نحس بتعدد الإرادة الاستعمالية بتعدد افراد العام فان معنى العام معنى واحد تصوري و ليست الإرادة الاستعمالية الا استعمال العام في هذا المدلول التصوري الوحداني.

في البحوث قال نحن من المتحيرين و المتوقفين لا نجزم بان مبنى الشيخ الانصاري صحيح او مبنى صاحب الكفاية صحيح لأننا نرى ان الإرادة الاستعمالية و الظهور الاستعمالي يعني ظهور حال المتكلم في ان كل مدلول تصوري للخطاب فقد أراده في مقام الاستعمال، هذا ظهور حالي فمجرد كون المدلول التصوري واحدا لا يقتضي وحدة الظهور الحالي في ان ما كان مدلولا تصوريا للخطاب فهو مراد استعمالي للمولى، لا، بالنسبة الى كل فرد من افراد العام يوجد ظهور حالي في ان المدلول التصوري للعام بالنسبة هذا الفرد مراد استعمالي للمولى، الوضع واحد العلقة الوضعية واحدة لكن ظهور حال المتكلم في انه أراد المدلول التصوري و استعمل العام في مدلوله التصوري بالنسبة الى النحوي هذا الظهور الحالي يختلف عن الظهور الحالي في انه استعمله في المعنى الشامل للصرفي و هكذا كما ان الظهور الحالي في ان ما أراده استعمالا فقد أراده جدا انحلالي كما عليه صاحب الكفاية و بعد ان قبلنا الانحلال في الظهور الحالي بالنسبة الى الإرادة الاستعمالية و قبلنا الانحلال في الظهور الحالي بلحاظ الإرادة الجدية فلا ندري ماذا نقول؟ هل نقبل مبنى الشيخ الانصاري فنقول لا تجري اصالة الحقيقة و التي هي بمعنى حجية الظهور الحالي في ان ما افاده اللفظ فقد أراده المولى في استعماله او هل تسقط اصالة الحقيقة بالنسبة الى النحوي او كما يقول صاحب الكفاية تسقط اصالة الجد بالنسبة الى النحوي و تبقى اصالة الحقيقة.

ثم ذكر شواهد بصالح الشيخ الانصاري و شاهد واحد بصالح صاحب الكفاية، نحن لا نطول هذا البحث بعد ان قلنا بان مبنى الشيخ الانصاري و هو انحلالية الإرادة الاستعمالية ليس مبنى صحيحا فانه ليست الإرادة الاستعمالية الا استعمال اللفظ في مدلوله التصوري فاذا كان المدلول التصوري للفظ واحدا فليس هناك الا إرادة استعمالية واحدة و لا انحلالية فيها و بذلك يبطل مسلك الشيخ الأعظم.

ثم انما قد يفهم مبنى الشيخ الانصاري ان قوله اكرم كل عالم استعمل لفظ العالم في العالم غير النحوي ان كان مقصود الشيخ الانصاري هذا فهو غريب جدا لانه يحتاج المجاز الى استحسان الطبع فكيف يستعمل لفظ العالم في العالم غير النحوي اذا قال النحوي ليس بعالم صار مجاز ادعائي، شينو بل يقول الفاعل مرفوع المفعول منصوب هذا يصير عالم؟ ابدا مو عالم هذا مجاز ادعائي مي خالف اما المجاز اللغوي بان يستعمل اللفظ العالم في العالم غير النحوي هذا مما لا يستحسنه الطبع، اكرم كل عالم ثم قال لا تكرم زيدا العالم يستعمل لفظ العالم في عالم غير زيد هذا هل يستحسنه الطبع؟ ابدا لا يستحسنه الطبع.

و لا نطول هذا البحث اكثر من ذلك نقول الظاهر الذي یساعد عليه الوجدان هو ان المخصص المنفصل لا يكشف عن استعمال العام في معنى مجازي بل مقتضى الوجدان حينما نحن نستعمل العام ثم نأتي بمخصص منفصل أحيانا اننا نستعمل العام في معناه الحقيقي، سألونا في مكان قالوا هل كل الجالسين فقهاء مثلا؟ نحن قلنا كل الجالسين فقهاء و لم يكن هناك مصلحة نستثني فردا واحدا منهم اما لانه خلاف التقية او لمصلحة أخرى لم نستثنه في المجلس قلنا كل الجالسين فقهاء، ثم لما رجعنا الى البيت و صار مجال خابرنا كل واحد من الذین يسألونا عن هذه المسالة فقلنا لهم فلان و فلان ليسا فقيهين بنحو لا يستلزم تخصيص الأكثر المستهجن فانتم بارتكازکم ترون اننا حينما قلنا كل الجالسين فقهاء استعملنا هذا الخطاب في الجالسين غير ذاكين الرجلين الذين استثناهما في خطاب آخر، لا، استعملنا العام في معناه الحقيقي الداعي الى الاستعمال العام بالنسبة اليهما كان داعي التقية او داعي التدرج في البيان او رعاية المصلحة العامة و نحو ذلك.

هذا تمام الكلام في هذا البحث و لم ندخل في التفاصيل لعدم الحاجة اليها فيقع الكلام في اجمال المخصص فهل اجمال المخصص يمنع من العمل بالعام في مقدار اجماله كما لو ورد في خطاب اكرم كل عالم و ورد في خطاب آخر مجمل لا تكرم العالم الفاسق و لم نعلم ان الفاسق ما هو؟ هل هو العاصي او الظالم ففي العاصي غير الظالم هل يمكننا التمسك بعموم العام كما هو المشهور او لا يمكن كما عليه بعضهم هذا بحث ينبغي ان نتكلم عنه في الليال القادمة انشاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo