< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/05/18

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: العام و الخاص/ شمول خطابات القرآن الكريم للغائبين/

كان الكلام في النزاع حول اختصاص خطابات القرآن الكريم بالحاضرين في مجلس التخاطب او عمومها للغائبين و المعدومين، فذكر السيد الخوئي ان منشأ النزاع هو ان من ذهب الى وضع اداة الخطاب للخطاب الحقيقي اي الخطاب المتقوم بقصد تفهيم المخاطب حين صدور الخطاب فيلتزم باختصاص خطابات القرآن الكريم بالحاضرين، و من ذهب الى وضع اداة الخطاب للخطاب الانشائي اي الخطاب في الكلام و ان لم يشتمل على قصد التخاطب و تفهيم الغير حين صدور الخطاب فيقول بعموم خطابات القرآن الكريم للغائبين و المعدومين.

ثم اختار وضع اداة الخطاب للخطاب الانشائي وفاقا لصاحب الكفاية بتقريب ان المستعمل لاداة الخطاب و النداء قد لا يقصد تفهيم الغير ابدا بل يخاطب غير ذوي الشعور ينشأ خطاب النداء بداعي ابراز التحسر فيقول يا كوكبا ما كان اقصر عمره و كذا تكون كواكب الاسحار، او ينشأ خطاب النداء بداعي ابراز الحزن فيقول أَيُّها اللَيلُ الطَويلُ أَلا اِنجَلي بِصُبحٍ وَما الإِصباحُ مِنكَ بِأَمثَلِ، كما يقول حينما يحس بوجع يا اماه بداعي ابراز الوجع و ما شابه ذلك و لا يحس باي مجاز في هذه الاستعمالات، ثم قال لو غمضنا العين عن ذلك و قلنا بان المعنى الحقيقي لاداة النداء و الخطاب توجيه النداء و الخطاب الحقيقيين اي بقصد تفهيم الغير حين صدور الخطاب فحيث ان اختصاص خطابات القرآن الكريم بالحاضرين في مجلس التخاطب خلاف الضرورة اذ لا يحتمل ان يكون الخطاب القرآن الكريم مختصا بجماعة قليلين كانوا حاضرين في مسجد النبي فغايته ان نلتزم باستعمال خطابات القرآن الكريم في الخطاب الانشائي و لو تجوزا.

السيد الصدر في البحوث اورد على السيد الخوئي بان المشهور ذهبوا الى ان العلقة الوضعية تصورية لا تصديقية فلا يحتمل في حقهم ان يقولوا بوضع اداة الخطاب للخطاب الحقيقي المتقوم بقصد المتكلم تفهيم الغير فانه لا يعقل ذلك فيما اذا صدر خطاب النداء من متكلم غير ذي الشعور كالببغاء مع ان العلقة الوضعية موجودة بين هذا اللفظ الصادر من الببغاء و المعنى الذي يخطر ببال السامع منه و لكنكم ترون ان جماعة من المشهور ذهبوا الى اختصاص خطابات القرآن الكريم بالحاضرين.

هذا الاشكال قابل للجواب و ان كنا لا نقبل دعوى السيد الخوئي و لكن لا نتحمل هذا الاشكال عليه فاي مانع من ان يكون العلقة الوضعية تصورية و لكن يوضع لفظ لايجاد معنى غايته ان هذا اللفظ لو صدر من متكلم غير ذي شعور انتقل ذهن السامع الى صورة ايجاد المعنى و هذا هو الذي اعترف به في الجزء الاول من البحوث في الفرق بين استعمال بعت في مقام الاخبار و استعمال بعت في مقام الانشاء فقال بعت في مقام الاخبار يلحظ فانيا تصورا في معنى موجود مع قطع النظر عن هذا الاستعمال و بعت في مقام الانشاء يلحظ فانيا تصورا في معنى يوجد في طول هذا الاستعمال و ان صدر هذا اللفظ من متكلم غير ذي شعور مثلا علّم الببغاء تارة يقول جئت تطلب مني ابيعك خبز "بعت الخبز" يعني روح يخبر و انه باع الخبز و هو لا يفهم معناه لكن حينما يخطر ببال السامع معنى هذا اللفظ يخطر بباله معنى ملحوظ فانيا في بيع موجود تصورا في الرتبة السابقة على الاستعمال، و علّم الببغاء احيانا يقول تريد ان تشتري مني الخبز "مي خالف بعتك الخبز"، ماذا يخطر ببال السامع؟ بيع ملحوظ فانيا تصورا فيما هو موجود في طول الاستعمال، هذا هو الذي صرح به في البحوث مع انه يعتبر العلقة الوضعية تصورية و لكن لا مانع من ان يكون المعنى صورة ايجاد شيء فنحن حينما نسمع من الببغاء "ضرب زيد" يخطر ببالنا صورة صدور الضرب من زيد و لكن حينما يقول الببغاء "الضرب" لا يخطر ببالنا صورة ايجاد الضرب بل يخطر ببالنا تصور مفهوم كلي للضرب، فلا مانع من كون العلقة الوضعية تصورية و مع ذلك يكون حرف الخطاب موضوعا لصورة ايجاد التخاطب او وضع اداة النداء لصورة ايجاد النداء.

فلا يتم اشكال البحوث على السيد الخوئي، و لكن في نفس الوقت نعترض على السيد الخوئي نقول يا سيدنا على مبناكم العلقة الوضعية تصديقية لا تصورية و لاجل ذلك تعتبرون ان دلالة اللفظ الصادر من الببغاء على معناه دلالة انسية لا دلالة وضعية لان الوضع هو تعهد المستعمل ان لا يستعمل هذا اللفظ الا حينما يريد تفهيم هذا المعنى و التعهد لا يكون الا في اطار الفعل الاختياري و لا معنى للتعهد بالنسبة الى الببغاء و لاجل ذلك ذكر ان الجملة الخبرية وضعت لابراز قصد الاخبار و الجملة الانشائية وضعت لابراز امر نفساني غير قصد الاخبار، فليت وضعت لابراز التمني النفساني و لعل وضعت لابراز الترجي النفساني و حرف النداء وضعت لابراز قصد النداء و اداة الخطاب وضعت لابراز قصد التخاطب، فقصد التخاطب موجود في نفس المتكلم و وضعت اداة الخطاب لابراز هذا القصد، فاذا استعملت اداة الخطاب و لم يكن الداعي لاستعمالها ابراز قصد التخاطب بل ابراز التحسر هذا يعني استعمال اداة الخطاب في غير ما وضع له، السيد الخوئي نظره ان التعبير بقوله يا كوكبا ما كان اقصر عمره ليس استعمالا لاداة النداء في معناها الحقيقي لان المعنى الحقيقي لاداة النداء ابراز قصد النداء لا ابراز التحسر و قول الذي يريد ابراز الوجع يا اماه ابراز لقصد التوجع و التعلم، فما ذكره هنا من ان اداة النداء و الخطاب موضوعة للخطاب الانشائي و لا يختلف معنى الكلام في هذه الاستعمالات المتفرقة، هذا خلاف معنى السيد الخوئي.

و لكننا نقول نحن نقبل ان اداة الخطاب موضوعة للخطاب الانشائي بل لا نمتنع ان نقول اداة الخطاب موضوعة للخطاب الحقيقي و لكن نقول الخطاب الحقيقي لا يتقوم بقصد تفهيم الغير بل يكفي فيه قصد توجيه الخطاب الى شخص او الى شيء و لو لم يكن بقصد تفهيمه و لاجل ذلك لا نحس باي عناية حينما يقول الرجل يا اماه يخاطب امه و هي متوفاة توجيه للخطاب لكن لا بقصد تفهيم الغير، نقول هذا هو الخطاب الحقيقي و هذا الاشكال يأتي و يرد على السيد الصدر ايضا حیث قال بان ظاهر حال المتكلم حينما يستعمل اداة الخطاب ان يستعمها بقصد ايجاد التخاطب، نقول نعمو لكن ما هو معنى التخاطب لماذا حصرتم التخاطب بتوجيه الخطاب الى من يمكن تفهيمه حين صدور الخطاب؟ ما هو الداعي الى هذا التضييق؟

و عليه اصلا نحن نعتقد ان هذا النزاع لا محصل له و من الواضح ان اداة الخطاب موضوعة للخطاب الانشائي او فقل الخطاب الحقيقي بهذا المعنى الذي ذكرناه.

و لكن هناك بحث آخر و هو ان المخاطب يا ايها الذين آمنوا يمكن ان يكون خصوص الحاضرين و يمكن ان يكون اعم منهم و من الغائبين او اعم منهم و من المعدومين فالمعين لارادة العموم اعم من الحاضرين و الغائبين و المعدومين من الخطاب الصادر في القرآن الكريم لابد ان يفحص هل هناك معين يعين ان المخاطب اعم، اذا لم يكن هناك معين لذلك فيكون القدر المتيقن كون المخاطب بهذه الآيات القرآنية المشتملة على اداة الخطاب خصوص المعاصرين في زمان النبي صلى الله عليه و آله لا لاجل ان شمولها للمعدومين يستلزم المجاز ابدا، نقول كما يمكن ان يراد من الخطابات القرآنية توجيه الخطاب الى الاعم من المعاصرين للنبي و المعدومين في زمانه يمكن ان يكون منحصرا في المعاصرين كما في بعض الآيات القرآنية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ﴾، ثم يقول ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾، و هكذا قوله تعالى ﴿يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا نٰاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوٰاكُمْ صَدَقَةً﴾، خطاب للمعاصرين و هكذا قوله تعالى ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾، هذا الخطاب موجه الى المعاصرين للنبي صلى الله عليه و آله و الذين شاركوا في حرب بدر، انزل عليكم من السماء ماءا ليطهركم، اذ يغشيكم النعاس امنة منه، ازال الله الخوف عن اصحاب النبي صلى الله عليه و آله في حرب بدر، فغلب عليهم النوم جماعة منهم كانوا محتلمين فاحتاجوا الى غسل الجنابة ماء ماكو و انزل عليكم من السماء ماءا ليطهركم به و يذهب عنكم رجس الشيطان و ليربط على قلوبكم و يثبت به الاقدام، هذا خطاب موجه الى اصحاب النبي هذا هو البحث المهم و الا فلا يحس باي تجوز في شمول خطابات القرآن الكريم للمعدومين في زمان النبي يا ايها الذين آمنوا اقيموا الصلاة، يا ايها الناس اتقوا ربكم. و الا المخاطب الحقيقي للوحي القرآنی خصوص النبي الاكرم المخاطب الحقيقي الخطاب الموجه من الله سبحانه و تعالى كخطاب حقيقي وجّه الى النبي حتى حينما نزلت هذه الآية يا نساء النبي لستن كاحد من النساء المخاطب الحقيقي يعني من وجّه اليه الخطاب النبي الاكرم هو الذي نزل عليه الوحی.

فاذن ينبغي ان يكون البحث هكذا القرينة على كون المخاطب الانشائي بالخطابات القرآنية هو عموم الناس الى يوم القيامة عموم المسلمين الى يوم القيامة القرينة على ذلك ما هي؟ فان الخطاب قابل للاختصاص بالمعاصرين و قابل للتعميم، للمعاصرين و لغير المعاصرين.

المحقق النائيني قال الخطابات القرآنية على نحوين خطابات على نهج القضية الخارجية و خطابات على نهج القضية الحقيقية فاذا كان الخطاب على نهج القضية الخارجية فيختص بالمعاصرين و اذا كان الخطاب على نهج القضية الحقيقية فيشمل المعدومين لان القضية الحقيقية تشتمل على تنزيل المعدوم منزلة الموجود و بعد ما نزل المعدوم منزلة الموجود يرتفع الاشكال نزل المعدوم منزلة الموجود حتى في مخاطبته.

نقول يا شيخنا المحقق النائيني اولا ما حليتم المشكلة هذا ليس حلا للمشكلة خب الآيات التي نشك في كونها شاملة للمعدومين هذا يعني اننا نشك انها على نهج القضية الخارجية او القضية الحقيقية و ثانيا مجرد كون القضية حقيقية لا يعني تنزيل المعدوم منزلة الموجود من اين جئتم هذا الشيء، القضية الحقيقية مئالها الى قضية شرطية يكون الموضوع فيها مقدر الوجود، لا منزل الوجود مقدر الوجود يعبر عنه بإن، إن وجد المستطيع، تقدير و فرض و اين هذا من التنزيل اي اعتبار الوجود للمعدوم فهل قوله تعالى السارق و السارقة فاقطعوا ايديهما، يعتبر وجود السارق؟! لا، يقدر وجوده يعني يقول ان وجد سارق و اين هذا من اعتبار الوجود و ادعاء الوجود.

فاذن لابد لاثبات عموم خطابات القرآن الكريم لغير المعاصرين من التمسك اما بمناسبات الحكم و الموضوع كما في كثير من الآيات لعدم خصوصية في المعاصرين او نتمسك بالغفلة النوعية حيث لا يحتمل الناس عادة اختصاص القرآن و الخطابات القرآنية بالمعاصرين و لو كان الخطاب القرآن مختصا بهم لكان على الشارع تبيين ذلك و الا لاخل بغرضه و اما لوجود روايات اهمها مرسلة ابن ابي عمير ابي احمد يعني محمد بن ابي عمير الصدوق يعني ابي احمد محمد بن زياد الازدي، و صاحب الوسائل يقول ابي احمد و هو ابن ابي عمير فَإِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا أَيُّهَا النَّاسُ وَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يَقُولُ لَبَّيْكَ رَبَّنَا، و هذا يعني ان كل مؤمن الى يوم القيامة مخاطب لهذا الخطاب و لاجل ذلك يقول لبيك ربنا.

و عليه فلا ينبغي الاشكال في شمول خطابات القرآن الكريم لغير المعاصرين الا اذا قامت هناك قرينة خاصة على اختصاص تلك الآيات بالمعاصرين.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo