< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/07/21

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الدرس: 61 الأستاذ: الشيخ محمد تقي الشهيدي =

موضوع: مقدمات الحكمة / المطلق والمقيّد/

الدرس: الأصول

التاريخ: الأحد، 21 رجب الأصب، 1444 ه

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

 

كان الكلام في مقدمات الحكمة، فذكرنا أنّ صاحب الكفاية رحمه الله ذكر ثلاث مقدمات، وصلنا إلى المقدمة الثالثة وهي: انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب.

فقال رحمه الله: إذا كان هناك قدرٌ متيقنٌ في مقام التخاطب فهذا يمنع عن انعقاد الإطلاق بخلاف ما إذا كان هناك قدرٌ متيقنٌ في خارج مقام التخاطب.

القدر المتيقن خارج مكان التخاطب: يُلحظ بالنسبة إلى الملاك؛ فإنّ القدر المتيقن من "وجوب إكرام العالم" وجوب إكرام العالم العادل؛ إذا لا يُحتمل أن يكون إكرام العالم الفاسق واجباً ولا يكون إكرام العالم العادل واجب، هذا غير محتمل، فيكون قدر متيقن خارج مقام التخاطب، يعني مع غمض العين عن شؤون التخاطب هذا الحكم الصادر من هذا المولى له قدرٌ متيقن.

وأما القدر المتيقن في مقام التخاطب: فيُلحظ بالنسبة إلى شؤون التخاطب.

[فهم المحقق النائيني والسيد الخوئي للمقدمة الثالثة]

المحقق النائيني والسيد الخوئي ‚ فهما من القدر المتيقن في مقام التخاطب مورد سؤال السائل؛ فقالا: بأنّ صاحب الكفاية قدس سره يدّعي: أنّ مورد السؤال حيث يكون قدر متيقن في مقام التخاطب إذا لا يُحتمل أن لا يكون الجواب عن سؤالٍ لا يحتمل أن لا يكون شاملاً لمورد السؤال، ولذلك اعترضوا عليه فقالوا: لا يُحتمل أن يكون السؤال مانعاً عن إطلاق الجواب، فيا تُرى أنّه لوسُئل المولى عن وجوب إكرام العالم العادل فقال "أكرم العالم" فلا ينعقد له ظهورٌ إطلاقيٌّ بالنسبة إلى غير مورد السؤال؟

[مناقشة كلامهم]

أولاً: عدول المولى عن جواب السؤال بما يشتمل على الضمير الراجع إليه وبيانه لكبرى قرينة صارفة، فيمنع عن اختصاص الجواب بمورد السؤال، فحينما يقول السائل: هل يجب أن أكرم العالم العادل؟ فلو كان الجواب مختصاً به فكان ينبغي أن يقول المولى: "نعم، أكرمه" لا أن يقول "أكرم كل عالمٍ".

وثانياً: إن كان مقصود صاحب الكفاية رحمه الله كون مجرّد السؤال مانعاً عن إطلاق الجواب لغير مورد السؤال فالوجدان يقتضي بطلان هذا الكلام، ولكن قد تكون هناك نُكات أخرى كتعدد مورد السؤال كما في صحيحة زرارة الواردة في قاعدة التجاوز؛ فزرارة سأل الإمام علیه السلام عن رجلٍ شكّ في الآذان وقد دخل في الإقامة، فأجابه الإمام علیه السلام بقوله "يمضي"، ثم سأل: فقال رجل شكّ في الآذان والإقامة وقد كبّر، قال: يمضي، ثم سأل: رجلٌ شكّ في التكبير وقد قرأ؟ قال: يمضي، ثم سأل: رجلٌ شكّ في القراءة وقد ركع؟ قال: يمضي، ثم سأل: رجلٌ شكّ في الركوع وقد سجد؟ قال: يمضي، ثم قال علیه السلام: يا زرارة، إذا خرجت من شيءٍ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء.

فإنّه إذا ادّعي أنّ القدر المتيقن في مقام التخاطب في هذه الصحيحة الشك في أجزاء الصلاة وهذا يوجب عدم إطلاق جواب الإمام علیه السلام غير مورد الصلاة، فهل هذه الدعوى واضحة البطلان كي ننقض على صاحب الكفاية رحمه الله؟! ليست هذه الدعوى واضحة البطلان.

وقد قبل السيد الخوئي رحمه الله أنّ القدر المتيقن في مقام التخاطب إذا أوجب التردد للعرف كما في مثل هذه الصحيحة فهذا يمنع عن الإطلاق.

وكذلك نرى: أنّ السيد السيستاني ' قبِل مانعية القدر المتيقن في مقام التخاطب عن الإطلاق في روايات مقام الإفتاء.


توضيح ذلك:

صاحب الكفاية وكذا المحقق العراقي ‚ بشكلٍ عام ذكرا أنّ القدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع من انعقاد الإطلاق.

السيد السيستاني ' فصّل؛ فقال: رواياتنا على قسمين: روايات في مقام الإفتاء ورواياتٌ في مقام التعليم.

1.روايات مقام الإفتاء: وردت عند استفتاء مستفتٍ يستفتي الإمام علیه السلام عن وظيفته الفعليّة كي يعمل بها فيفتيه الإمامعلیه السلام.

2. وأما روايات مقام التعليم: فهي رواياتٌ وردت لتعليم الفقهاء من الأصحاب؛ الإمام علیه السلام يعلّمهم الأحكام الشرعية الكليّة، فيقول لزرارة -مثلاً-: لا تعاد الصلاة إلا من خمس، ويقول لمحمد بن مسلم: لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال، وهكذا.

ويمثّل لذلك: بالطبيب الذي يعالج الناس في مركز عيادته ويدرّس الطلاب في كلية الطب، فحينما يدرس الطلاب في كليّة الطب يلقي عليهم قواعد في الطب، فتشبه روايات مقام التعليم، وحينما يذهب إلى مركز عيادته ويعالج المرضى فيفتيهم بما يكون بيان لوظيفتهم الفعليّة، وقد ذكر أنّ الإطلاق والتقييد ليس متعارفاً في مقام روايات الإفتاء وإنّما هو متعارفٌ في مقام روايات التعليم كما بيّن في محله، قال: يقبح كما أنّه يقبح للطبيب أن يلقي خطاباً عاما أو مطلقاً لمريض فيقول له اشرب هذا الدواء ثم يذكر المقيد له بعد وقت الحاجة أو لمريض آخر فيقول لا تشرب هذا الدواء إلا بعد أكل الطعام، فالمريض الأول يعاتب هذا الطبيب؛ يقول له: أنت قلت لي اشرب هذا الدواء مطلقاً وأنا شربت هذا الدواء قبل الأكل فأصبت بداء المعدة، انجرحت معدتي، أنت المسؤول.

يقول السيد السيستاني': هنا الطبيب في مقام الإفتاء في مركز عيادته قد يلحظ ما يُبتلى به هذا المريض، هذا المريض جاء من مكانٍ لا يوجد فيه الماء المعدني، فيقول له: امزج هذا الدواء بالماء واشربه، ولا يقول له: امزج هذا الدواء بماءٍ غير معدني لأنه ليس مبتلى به لهذا المريض، فلا ينعقد إطلاق لجواب الطبيب بالنسبة إلى الماء المعدني؛ لأنّ هذا المريض ليس مبتلىً بذلك، بخلاف ما إذا كان في مقام التعليم، فروايات مقام الإفتاء أيضاً من هذا القبيل؛ الإمام علیه السلام قد يأتيه شخصٌ عاميٌّ يقول له: وقعت يدي وهي قذرة في ماء إناءٍ، يقول الإمام علیه السلام له: أهرق ذلك الإناء.

السيد الخوئي رحمه الله قال هذا إطلاقه يشمل الإناء الكبير الذي كان يوجد في بيوت الأمراء والكرماء مما يبلغ حدّ الكر، يضعون فيه بعير كامل ويطبخون ماء اللحم ويوزعون على الناس.

السيد السيستاني ' يقول: إذا كان الإمام علیه السلام يلقي في مقام التعليم هذا الكلام فيقول لزرارة "إذا أدخل رجلٌ يده القذرة في إناءٍ فليهرق ذلك الإناء" فقد يتم ما ذكره السيد الخوئي رحمه الله، أمّا إذا هذا السائل يأتي إلى الإمام علیه السلام فيستفتيه والإمام يفتيه لعلّه نظر الإمام علیه السلام إلى أنّ هذا العامي ليس مبتلىً عادة بإناء كبير يبلغ حدّ الكر فأطلق له الجواب، وهذا الجواب لا يشمل ما هو خارج عن القدر المتيقن في مقام التخاطب وهو الإناء البالغ حدّ الكر.

وسيأتي الكلام حول ما ذكره السيد السيستاني '.

 

نرجع إلى كلام السيد الخوئي رحمه الله فنقول:

إن كان مقصود صاحب الكفاية رحمه الله:

أ. مجرّد كون السؤال قدراً متيقناً في مقام التخاطب ويمنع من إطلاق الجواب لغير مورد السؤال فمن؛ الواضح بطلان هذه الدعوى.

ب. ولكن لو كان مقصود صاحب الكفاية خصوص ما أوجب تكرر السؤال كما في صحيحة زرارة عن موردٍ ما كالصلاة مثلاً يمنع من إطلاق الجواب؛ فهذه الدعوى ليست واضحة البطلان.

نعم نحن باستظهارنا العرفي لا نوافق كون جواب الإمام علیه السلام في هذه الصحيحة مجملاً؛ والشاهد على ذلك: أنّه لو لم يجب الإمام علیه السلام عن أسئلة زرارة قبل ذلك بقوله علیه السلام "يمضي" فيقول زرارة: رجلٌ شك في الآذان وقد دخل في الإقامة أو شك في الآذان والإقامة وقد كبّر أو شكّ في التكبير وقد قرأ، أو شك في القراءة وقد ركع، أو شك في الركوع وقد سجد، فيقول الإمام علیه السلام له: يا زرارة إذا خرجت من شيءٍ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء، هل كنا نتردد بشمول هذا الجواب لغير باب الصلاة كما لو شكّ حين صلاة الطواف هل أتى بالطواف قبله أو لا، أو شك في حال السعي هل أتى بالطواف قبله أو لا، أو شكّ في حال الطواف في أنّه هل أحرم قبل الطواف أو لا؟ هذا الجواب مطلق يشمل الشك في أجزاء الحج بعد الدخول في الغير.

ولكن إن كان مقصود صاحب الكفاية رحمه الله:

أنّه قد يوجب القدر المتيقن في مقام التخاطب تردد العرف في شمول إطلاق الخطاب لغير مورد القدر المتيقن في مقام التخاطب؛ فالإنصاف أنّه لا يمكن منع دعوى صاحب الكفاية رحمه الله.

نعم، نحن نقول في مثل صحيحة زرارة أنّ تكرر السؤال عن أجزاء الصلاة لا يوجب تردد المخاطب في شمول إطلاق جواب الإمام لغير مورد الصلاة، ولكن على نحو الموجبة الجزئية إذا أوجب التردد والعرف تحيّر فلا بأس بدعوى عدم انعقاد الإطلاق؛ فإنّ ما يصلح للقرينية المتصلة كالقرينة المتصلة يكفي في عدم انعقاد الإطلاق، فكما أنّ القرينة المتصلة تمنع من إنعقاد الإطلاق فكذلك ما يصلح للقرينية المتصلة أي ما يوجب التردد للمخاطب، هذا أيضاً يمنع من انعقاد الإطلاق.

[نقاش عبارة الآخوند رحمه الله]

نعم، عبارة صاحب الكفاية رحمه الله هنا قابلةٌ للنقاش:

فإنّه قال: "المقدمة الثالثة: إنتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب فإنّه لو كان تمام مراده هو ذلك القدر المتيقن في مقام التخاطب فسكوته لا يكون إخلالاً بالغرض حيث إنّه بيّن تمام مراده بذلك. نعم، لا يفهم المخاطب أنّه تمام المولى، أي أنّ غيره ليس مراداً له".

يقول صاحب الكفاية رحمه الله: مع وجود القدر المتيقن في مقام المخاطب إذا كان تمام مراد المولى هذا القدر المتيقن دون غيره فسكوته عن بيان القيد لا يكون إخلالاً بالغرض.

نقول: يا صاحب الكفاية، إذا فرضت الإجمال في الخطاب بحيث يتردد العرف في شمول الخطاب لغير القدر المتيقن في مقام التخاطب فهذا يكفي في المنع عن الإطلاق، لا حاجة إلى التفصيل، فرض كون الخطاب مما يتردد فيه العرف أنّه هل يشمل غير القدر المتيقن في مقام التخاطب أم لا؟ نفس هذا التردد يعني الإجمال، يعني عدم انعقاد الإطلاق، فلا حاجة بعد ذلك إلى أن تذكر لعدم الإطلاق مبرراً.

وأمّا إذا لم يمنع هذا المقدار من ظهور الخطاب ولم يجعل العرف متحيّراً في شمول الخطاب لغير القدر المتيقن فلماذا يمنع القدر المتيقن في مقام التخاطب عن الإطلاق؟ بل نقول: يا صاحب الكفاية حتى على فرض الإجمال لا بدّ من التفصيل بين المطلق البدلي والمطلق الشمولي، في المطلق الشمولي إذا كان مثلاً أكرم العالم قدره المتيقن العالم العادل مثلاً، قدر متيقن في مقام التخاطب أو فقل: قال المولى لعبده "لا تشرب الحليب" والقدر المتيقن منه شرب الحليب البقري، أفاد ما هو تمام مراده واقعاً، بيّن للعبد حرمة شرب الحليب البقري، وأمّا إذا كان مطلقاً بدلياً فقال له: اشرب الحليب، اشرب حليباً كل يوم، القدر المتيقن في مقام التخاطب هو الحليب البقري، لكن العرف لم يفهم أنّ الواجب هو الحليب البقري؛ لأنّ القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يوجب ظهور الخطاب في اختصاصه به، فيبقى العرف متحيرا ويجري البراءة عن لزوم كون الحليب الذي يجب شربه حليب البقر، فيجري البراءة وهذا إخلالٌ بالغرض. في المطلق البدلي لو كان القدر المتيقن في مقام التخاطب موجباً للإجمال فيا صاحب الكفاية هذا يخلّ بغرض المولى لأنّ العبد بعد تردده يتمسك بـ "رفع ما لا يعلمون" ويجري البراءة عن شرطية الشرط المشكوك وهو كون الحليب حليب بقر فيذهب ويشرب حليب الناقة.

فعلى أيّ حال، إن كان مقصود صاحب الكفاية رحمه الله من انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب انتفاء ما يصلح للقرينية الذي يوجب تردد المكلف تردد المخاطب في شمول كلام الإمام لغير القدر المتيقن فنِعمَ ما قال. ولكن ما ذكره رحمه الله من أنّه لو سكت المولى حينئذٍ عن بيان القيد الزائد لا يكون إخلالاًبالغرض؛ هذا لا يتمّ في المطلق البدلي لأنّه في المطلق البدلي العرف بعدما تحيّر يجري البراءة عن شرطية الشرط المشكوك وهذا إخلالٌ بالغرض الواقعي، وبقية الكلام في الليلة القادمة إن شاء الله.

والحمد لله ربّ العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo