< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/07/22

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الدرس: 62 الأستاذ: الشيخ محمد تقي الشهيدي

موضوع: مقدمات الحكمة / المطلق والمقيّد/

الدرس: الأصول

التاريخ: الإثنين، 22 رجب الأصب، 1444 ه

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

 

كان الكلام فيما ذكره صاحب الكفاية رحمه الله في المقدمة الثالثة من مقدمات الحكمة؛ أنّه يُعتبر في انعقاد الإطلاق مقدّمةٌ ثالثة وهي انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب.

 

نحن ذكرنا: أنّ المراد من القدر المتيقن في مقام التخاطب:

أ. إن كان هو عدم وجود قدرٍ متيقنٍ يوجب تردد العرف في شمول الخطاب لغير القدر المتيقن: فمن الواضح لزوم انتفاء قدرٍ متيقنٍ من هذا القبيل؛ فإنّه يعني الإنصراف إلى القدر المتيقن، فإنّ الإنصراف على قسمين: إنصرافٌ يجعل العنوان ظاهراً في الاختصاص بالمتيقن –كانصراف اللحم في بعض الأعراف إلى خصوص اللحم الأحمر في قبال السمك مثلاً- وتارةٌ أخرى يكون الإنصراف بحدٍّ يشكُّ العرف في إرادة المولى من العنوان ما يعمُّ القدر المتيقن؛ نظير مولىً تعوّد على أكل لحم الشاة، فحينما يأمر خادمه بشراء اللحم فلا ينعقد ظهورٌ في كلام هذا المولى في الإطلاق لما يعمُّ غير لحم الشاة، أو يأمره بشراء الحليب وهو متعوّدٌ على شراء حليب البقر وشربه، فيشكّ العرف ويتردد في أنّ هذا العنوان –عنوان الحليب- هل يشمل في خطاب هذا المولى حليب غير البقر؟

وهذا ما نسمّيه بالقدر المتيقن في مقام التخطاب، ولعلّ المثال الشرعي له ما ورد في فضل العالم، فلا يبعد أن يكون المنصرف منه في مقام التخاطب عالم الدين لا مطلق العالم.

وكيف كان، فإن أُريد من القدر المتيقن هذا الذي ذكرناه فلا كلام فيه.

ب. وأما إن كان المراد منه ما يعمُّ مورد السؤال حيث إنّه القدر المتيقن في مقام التخاطب بالنسبة إلى الجواب، إذ يلغو أن لا يكون الجواب شاملاً لمورد السؤال: هذا مستهجنٌ عرفاً، فإن كان المراد من القدر المتيقن ما يعمّ مورد السؤال فمن الواضح أنّ القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يضرّ بإطلاق الخطاب.

[لفت نظر]

وينبغي أن ألفت نظركم هنا إلى غفلةٍ في المحاضرات –تقرير أبحاث السيد الخوئي رحمه الله- الجزء الخامس ص 371؛ حيث مثّل للقدر المتيقن في مقام التخاطب بموثقة ابن بكير، قال:"سأل زرارة أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر؟ فأخرج كتاباً علیه السلام زعم أنّه إملاء رسول الله صلی الله علیه و آله: أنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكلّه فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وألبانه وكلّ شيء منه فاسد لا تُقبل تلك الصلاة حتى تصليّ في غيره ممّا أحلّ الله أكله".

هذا التمثيل ناشىء عن الغفلة؛ فإنّه:

أولاً: هذا الكلام المذكور في هذه الموثقة عامٌّ وليس مطلقاً "إن الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله" ولم يدعِ صاحب الكفاية رحمه الله أنّ القدر المتيقن في مقام التخاطب يضرّ بالعموم وإنّم ادّعى ذلك في الإطلاق.

وثانياً: الإمام علیه السلام نقل في الجواب كلاماً عن النبي صلی الله علیه و آله وكلام النبي صلی الله علیه و آله لم يكن مسبوقاً بالسؤال "فأخرج كتاباً زعم-أي قال- إنه إملاء رسول الله صلی الله علیه و آله وفيه: إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وكلّ شيء منه فاسد؛ فلا ترتبط هذه الموثقة بالقدر المتيقن في مقام التخاطب المانع عن الإطلاق بنظر صاحب الكفاية رحمه الله.

[مناقشة تفصيل السيد السيستاني]

وأما ما ذكره السيد السيستاني من التفصيل بين روايات مقام الإفتاء وروايات مقام التعليم من أنّ القدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع عن الإطلاق في مقام روايات الإفتاء دون روايات مقام التعليم؛ فإن كان المراد منه أنّ الإمام علیه السلام قد يلحظ أحوال السائل وظروف السائل: هذا صحيح، في روايات مقام الإفتاء قد يخاطب الإمام السائل ويلاحظ في خطابه ظروف هذا السائل. فقد ورد في صحيحة معاوية بن عمار، قلت لأبي عبد الله علیه السلام: أقضي صلاة ...فقال: إنّك قلت:‘ . فقال: إنّ ذلك يطيق وأنت لا تطيق.

فلو أنّ رجلاً كبير السن أفطر عمداً في نهار شهر رمضان وسأل الإمام ماذا أصنع؟ فقال له الإمام: أطعم ستين مسكيناً، وسأله رجلٌ شاب: فقال له: صم ستين يوماً. لا يُستفاد منه أنّ الواجب تعييني؛ فلعلّ الإمام لاحظ أحوال السائل إذا كان رجلاً كبير السن لا يطيق الصوم ولكنه ثريٌّ يأمره بكفارة إطعام ستين مسكيناً، أو رأى أنّه شابٌ يطيق الصوم ولعلّه لا يملك كفارة الإطعام فيأمره بصوم ستين يوماً، هذا صحيح.

وهكذا يتمّ ما قد يقال: من أنّ الإمام علیه السلام يلحظ انصراف سؤال السائل المتعارف، فحينما يقول السائل "وقعت يدي القذرة في إناءٍ" فالإمام علیه السلام يأمره بإهراق ذلك الإناء، فلا يبعد أن يكون منصرف سؤال هذا السائل العادي إلى الإناء المتعارف دون الإناء البالغ حدّ الكرّ.

وأما ما مثل له السيد السيستاني = من أنّ السائل قد يكون في مكانٍ لا يكون فيه ماء معدني، فحينما أمره بمزج الدواء بالماء ولم يقل لا بدّ من أن يكون الماء ماء غير معدني فلا يستفاد منه الإطلاق؛ لأنّ الإمام علیه السلام لعلّه لاحظ أنّ السائل لا يوجد في بلده ماءٌ معدني، هذا لا علاقة له بالقدر المتيقن في مقام التخاطب، من الواضح أنّ السائل لو لم يكن يتمكن من الإتيان بالفرد الآخر وخاطبه الإمام بشيء لا ينعقد إطلاقٌ في كلام الإمام، لكن كل قدرٍ متيقن من هذا القبيل؛ فحينما يأمر المولى عبده شرب الحليب لا يعني أنّه لا يوجد في هذا البلد حليب الناقة، لا، المعهود والمعتاد هو شرب حليب البقر، لا أنّه لا يوجد حليب الناقة، هذا هو الذي يُدّعى أنّه يمنع عن انعقاد الإطلاق.

وهذا لا وجه له إلا إذا وصل إلى حدٍّ يوجب تردد العرف في شمول الإطلاق للفرد الغير المتيقن، وإذا وصل إلى هذا الحدّ فالقدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع عن الإطلاق حتى في روايات مقام التعليم؛ لأنّه إذا وصل إلى حدٍّ يوجب إلى تردد العرف في شمول الخطاب لغير المتيقن فلا فرق في ذلك بين روايات مقام الإفتاء وروايات مقام التعليم.


[لفت نظرٍ]

هنا ينبغي أن ألفت نظركم إلى فرعٍ فقهي يرتبط بالقدر المتيقن في مقام التخاطب:

صاحب الجواهر رحمه الله في مسألة وجوب وطء الزوجة المنقطعة في أربعة أشهر مرةً واحدة ذكر صحيحة صفوان: "الرجل يكون عنده المرأة الشابة، قال: إذا تركها أربعة أشهر يكون آثماً إلا إذا كان بإذنٍ منها" فقال: المتيقن هو الدائم، فلا يجب ذلك في المنقطع، لأنّهن مستأجرات.

والسيد الزنجاني وافق صاحب الجواهر رحمه الله في ذلك، فقال: بعد أن لم يكن الزواج المنقطع في ذلك الزمان متعارفاً فيتمّ كلام صاحب الجواهر.

أقول: ما هو الوجه في الإنصراف؟ إذا ورد في خطاب الشارع لا في سؤال السائل الذي قد ينصرف إلى الزوجة المتعارفة التي هي زوجةٌ دائمة، إذا ورد في كلام الإمام علیه السلام "من كانت عنده زوجة فلا يتركها أكثر من أربعة أشهر" ألا يشمل هذا الخطاب الزوجة المنقطعة التي يكون وقت زواجها ممتداً عرفاً؟ كما لو تزوّج زواجاً منقطعاً بإمرأةٍ لسنةٍ أو أكثر. ما هو وجه الإنصراف؟ العرف لا يتحيّر في شمول هذا الخطاب للزوجة المنقطعة.

وكيف كان، آخر ما أقوله في ذيل هذه المقدمة الثالثة:

أنّ صاحب الكفاية رحمه الله قال في متن الكفاية "إذا كان هناك قدرٌ متيقنٌ في مقام التخاطب وكان مراد المولى هذا القدر المتيقن فلا إخلال بالغرض، فإنّ الفرض أنّه كان بصدد بيان تمام مراده وقد بيّنه". إذا قال المولى: أكرم العالم، والقدر المتيقن منه عالم الدين فلا إخلال بالغرض لو كان مراده إكرام عالم الدين لأنّه بين واقع تمام مراده وإن لم يبين أنّ هذا تمام مراده دون غيره.


[كلام صاحب البحوث رحمه الله]

في البحوث: ذكر مطلبين:

المطلب الأول: هو أنّه إذا كان المولى بصدد بيان أنّه تمام مراده –يعني كان بصدد تفهيم المخاطب أنّ تمام مراده ما هو- يعني يعرف المخاطب أنّ تمام مراده هذا دون غيره فهنا القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يمنع من الإطلاق؛ لماذا؟ لأنّ المخاطب لا يفهم من قوله "أكرما العالم" أنّ إكرام عالم الدين تمام مراد المولى، حيث لا يفهم منه ذلك ويحتمل أنّ تمام مراده إكرام مطلق العالم ولو لم يكن عالم دين، فهذا القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يمنع عن الإطلاق، وإنّما يمنع القدر المتيقن في مقام التخاطب عن الإطلاق فيما إذا لم يكن غرض المولى أن يُفهم العبد ما هو تمام مراده، بل كان غرضه: أن يفهم المخاطب واقع المراد إكرام عالم الدين وإن لم يعلم أنّه تمام مراده دون غيره، هنا القدر المتيقن في مقام التخاطب يضرُّ بالإطلاق.

وأمّا إذا كان مقصود المولى أن يفهم المخاطب إنحصار مراده بما فهمه: خوب، لا يفهم المخاطب إنحصار مراد المولى من قوله "أكرم العالم" وجوب إكرام عالم الدين؛ إذ يحتمل أنّ مراد المولى أوسع من ذلك، فهنا القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يضرُّ بالإطلاق. هذا هو مطلبه الأول.

ومطلبة الثاني: أنّه منع من كون القدر المتيقن في مقام التخاطب مانعاً للإطلاق؛ فادّعى أنّ مفاد الخطاب هو الجعل، والمطلق هو القدر المتيقن دون المقيّد، القدر المتيقن من الجعل وجوب إكرام العالم، فإنّ القيد الزائد وهو وجوب إكرام العالم الديني يحتاج إلى بيانٍ زائد.

نعم، إذا كان مقصود المولى: بيان مصاديق الجعل يمكننا أن نقول: القدر المتيقن بلحاظ المصاديق الخارجية وجوب إكرام علماء الدين، والزائد عليه زائدٌ عن القدر المتيقن وأمّا بلحاظ كبرى الجعل القدر المتيقن من الجعل هو أن يجعل الوجوب للإكرام بالنسبة إلى العالم، وأمّا التقييد بالقيد الزائد وهو العالم الديني فهذا زائدٌ عن القدر المتيقن، فكيف يقول صاحب الكفاية أنّ القدر المتيقن هو وجوب إكرام علماء الدين، بالعكس القدر المتيقن من الخطاب المتكفل للجعل هو أنّ الذي جُعل له وجوب الإكرام هو العالم لا العالم الموصوف بأنّه عالم ديني.

تأملوا في هذين المطلبين إلى الليلة القادمة إن شاء الله.

والحمد لله ربّ العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo