< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/03/30

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: قیام الامارات و الاصول مقام القطع

 

فی قیام الامارات و الاصول مقام القطع

کان الکلام فی أن السید الخوئی بعد ما ادعی قیام الاستصحاب مقام القطع الموضوعی فی جواز الإخبار بالواقع وفق الاستصحاب، صادف مشکلة مهمة، و هی أنه دائما کان یقول فیما یرید أن یجری من استصحاب و یوجد له ما قد یعارضه، یقول ذاک الذی یرید أن یعارضه لا اثر له. فلا یجری حتی یتعارض مع هذا الاستصحاب الذی نرید أن نجریه أو أنه لا اثر ترخیصی لذاک الاستصحاب، بل له اثر تنجیزی. و الاستصحاب الذی یکون له أثر تنجیزی لا یعارض الاستصحاب الآخر.

مثلا رجل توضأ بمایع مشکوک کونه نجسا ذاتیا ککونه عرقا مثلا. بعد ما توضأ به یجری استصحاب بقاء طهارته، کما یجری استصحاب بقاء حدثه. و کلا استصحابان جاریان، لماذا؟ لأنه لا معارضة بین استصحاب الحدث الذی له اثر تنجیزی، اثره اعادة الوضوء، لا معارضة بینه و بین استصحاب بقاء الطهارة.

و هکذا لو کان کلاهما تنجیزین، کاستصحاب نجاسة انائین علمنا اجمالا بحصول الطهارة لأحدهما. کان السید الخوئی یقول لا مانع من أن یجری استصحاب بقاء نجاسة هذا الإناء و استصحاب بقاء نجاسة ذاک الإناء ولو علمنا اجمالا بأن احدهما صار طاهرا. و اثر هذین الاستصحابین أنه یحکم بنجاسة الملاقی لأی واحد منهما.

فیقال فی کل هذه المجالات یوجد اثر لذاک الاستصحاب الذی قلتم بأنه لا یتعارض مع استصحابکم. استصحاب بقاء الحدث لا یتعارض مع استصحاب بقاء الطهارة، لأنه اصل تنجیزی فیقال بأن اثر استصحاب بقاء الحدث جواز الإخبار ببقاء الحدث واقعا. ونحن نعلم إجمالا بأننا إما قد تنجس جسدنا، إذا کان ذاک المایع نجسا، أو یحرم علینا الإخبار ببقاء الحدث واقعا، لو کان ذاک المایع ماءا مطلقا توضأنا به.

و هکذا فی استصحاب نجاسة الإنائین، یقال: بأننا نعلم بأنه إما یحرم الإخبار بکون هذا الاناء نجسا واقعا لکونه کذبا، أو یحرم الإخبار بکون ذاک الاناء الثانی نجسا واقعا لکونه کذبا، بعد علمنا بأن احد الاخبارین کاذب و مخالف للواق

و هکذا لو علمنا اجمالا بنجاسة ما فی ایدینا أو نجاسة ما هو خارج عن محل ابتلائنا، استصحاب طهارة ما فی أیدنا حینئذ یتعارض مع استصحاب طهارة ما هو خارج عن محل ابتلائنا لکن اثره جواز الاخبار بکونه طاهرا واقعا، و الاخبار به فی محل ابتلائنا. شربه لیس محل الابتلاء لأنه فی مکان بعید جدا، لکن الإخبار بکونه طاهرا واقعا محل ابتلائنا، فنعلم إجمالا بأنه إما یحرم شرب هذا الاناء الذی فی محل ابتلائنا أو یحرم الإخبار بکون ذالک الإناء الخارج عن محل الابتلاء طاهرا واقعا لکون هذا الاخبار کاذب.

أو ذاک المثال الذی طرحناه امس، السید الخوئی قال: نستصحب عدم جعل الحرمة لشرب التتن فیقال له: بأنه یتعارض مع استصحاب عدم جعل الحلیة له. أنتم قلتم: لا أثر له، خب تحقق له الأثر و هو جواز الإخبار بعدم جعل الحلیة واقعا.

هذه هی المشکلة التی وقع السید الخوئی فیها بمبناه الذی تبناه من قیام الاستصحاب مقام القطع الموضوعی فی جواز الإخبار بالواق

نحن کنا نحاول أن نجیب عن هذا الاشکال و نحل هذه المشکلة: بأن حکومة الاستصحاب علی حرمة الإخبار بغیر علم حکومة واقعیة ولیست حکومة ظاهریة. یعنی بعد ما جری استصحاب بقاء طهارة ذلک الإناء الخارج عن محل الابتلاء و إن کان اثر هذا الاستصحاب جواز الإخبار بکونه طاهرا واقعا، لکن هذا جواز واقعی، صار الاستصحاب واقعی و صار الاستصحاب قائما مقام العلم واقعا فی أثر جواز الإخبار لا ظاهرا. فجاز الإخبار بمقتضی هذا الاستصحاب عن کون ذلک الإناء طاهرا واقعا. محذور الترخیص فی المخالفة القطعیة للعلم الاجمالی إنما یترتب علی فرض کون الاستصحاب مفاده حکم ظاهری. نستصحب طهارة هذا الماء لاثبات حلیة شربه ظاهرا، نستصحب طهارة ذاک الاناء الثانی لاثبات حلیة شربه ظاهرا، مع أننا نعلم بحرمة شرب احدهما واقعا. هنا یؤدی جریان الاستصحابین الی الترخیص فی المخالفة القطعیة لدلیل حرمة شرب الماء النجس المعلوم بالاجمال.

و أما إذا کانت الحکومة واقعیا جاز الإخبار وفق الاستصحاب جوازا واقعا، فلا یؤدی الی أیّ محذور. فإذن ارتفع الاشکال.

لکن هذه نظرة ساذجة الی الاشکال. إذا نظرنا الی الاشکال نظرة متعمقة نری أن الاشکال لم ینحل بعد و یرد علیه اشکالان:

الاشکال الاول: إن هناک حرمتان:

حرمة القول بغیر علم. هذه الرحمة الاستصحاب یزیلها ازالة واقعیة. صحیح.

و لکن حرمة الکذب کیف ترتفع؟ أنا أعلم اجمالا بأنه إما یحرم شرب هذا الماء الذی هو فی محل ابتلائی لکون نجسا، أو یکون الإخبار بکون الماء الخارج عن محل الابتلاء المعلوم نجاسته اجمالا أن الإخبار بطهارة ذاک الإناء الخارج عن محل الابتلاء کذب محرم، لا قول بغیر علم. لا، من ناحیة کونه قولا بغیر علم زالت حرمته، أما کیف تزول حرمته بعنوان الإخبار الکاذب؟

إن قلتم: لا یهمنا أنه کیف یکون حلالا و کیف یکون حراما، فالمهم ثبوت الحرمة للجامع بین القول بغیر علم و بین الکذب، هذه الحرمة زالت بالاستصحاب.

نقول: کلا، هناک حرمتان: حرمة للقول بغیر علم، هذه الحرمة حرمة غیر شدیدة، بل قد یشکّک فی حرمته، و لکن قلنا بأن القول بغیر علم علی الله حرام جزما لقوله تعالی حرم علیکم ﴿أن تقولوا علی الله ما لا تعلمون﴾ لکن هذه الحرمة حرمة غیر شدیدة. و لا یوجب القول بغیر علم بطلان الصوم ولو کان قولا بغیر علم علی الله و رسوله و الائمة علیهم السلام.

و هناک حرمة اخری ثابتة بعنوان کذب، و هذا الحرمة أولا حرمة شدیدة، "إنما یفتری الکذب الذین لا یؤمنون"، الکذب علی الله و رسوله من الکبائر. و ثانیا الاخبار الکاذب له حکم شرعی خاص و هو کونه مبطلا للصوم. فبلحاظ هذه الحرمة الشدیدة التی مخالفتها توجب بطلان الصوم تقع المعارضة. فأنا اعلم اجمالا بأنه إما یحرم علیّ شرب هذا الماء الذی علمت إجمالا بکونه نجسا، أو کون ذلک الماء الخارج عن محل الابتلاء نجسا، أعلم بأنه إما یحرم علیّ شرب هذا الماء الداخل فی محل الابتلاء أو أنی إذا قلت ذاک الماء الخارج عن محل الابتلاء طاهرا شرعا بطهارة واقعیة فقد کذبت علی الله، و الکذب حرام بحرمة شدیدة. أو حینما اجریت استصحاب عدم جعل الحرمة لشرب التتن، فهذا الاستصحاب اثره جواز ارتکاب شرب التتن، یتعارض مع استصحاب عدم جعل الحلیة له بعد علمی اجمالا بجعل احد الحکمین، و اثر استصحاب عدم جعل الحلیة له جواز الإخبار بعدم جعل الحلیة. مع أنی اعلم اجمالا بأنه إما یحرم شرب التتن أو یحرم علیّ الإخبار بعدم جعل الحلیة له من باب الکذب علی الله.

الاشکال الثانی علی ذاک الجواب (أی الجواب بأن حکومة الاستصحاب علی حرمة القول بغیر علم حکومة واقعیة فیخرجه عن طرفیة المعارضة): أنه یوجد مانع ثالث أو فقل یوجد مانع رابع علی الاصح عن جریان الاصول فی اطراف العلم الاجمالی.

اذکر الموانع الثلاثة ثم اذکر هذا المانع الرابع الذی لم یطرح فی علم الاصول:

المانع الاول: ما هو المعروف: الترخیص فی المخالفة القطعیة للتکلیف المعلوم بالاجمال. أعلم اجمالا بأن احد الانائین نجس، استصحاب طهارة هذا الاناء و استصحاب طهارة ذاک الاناء جریانهما یؤدی الی الترخیص فی المخالفة للتکلیف المعلوم بالاجمال.

عرفتم أن هذا المانع یؤدی الی معارضة الاستصحابین فلا یجریان.

المانع الثانی: المناقضة فی المؤدی. استصحاب الطهارة و الحدث مع توارد الحالتین. أنت فی زمان کنت متطهرا و فی زمان کنت محدثا و شککت فی المتقدم و المتأخر منهما. استصحاب بقاء الطهارة و استصحاب بقاء الحدث جریانهما معا یؤدی الی المناقضة فی المؤدی. یعنی الشارع لا یعقل أن یقول بأنک متطهر و محدث معا. کل منهما یلغی اثر الآخر.

ذکر السید الخوئی أن هذا المانع واضح جدا یعدّ بمثابة القرینة اللبیة المتصلة فیمنع من انعقاد ظهور دلیل الاصل لشموله لمورد توارد الحالتین. بخلاف المانع الاول فإنه یشکّل قرینة منفصلة، فلا یمنع من انعقاد ظهور دلیل الاصل لشموله لاطراف العلم الاجمالی و إنما یمنع من حجیتهما ککل مخصص و مقید منفصل.

المانع الثالث: الترخیص القطعی فی المخالفة الواقعیة للتکلیف المعلوم بالاجمال. أنت علمت إجمالا بأنه إما یحرم علیک الحضور رأس ساعة ثمانیة فی الحرم أو فی مدرسة الفیضیة. اصل البراءة عن حرمة الحضور فی الحرم فی رأس الساعة الثمانیة یتعارض مع اصل البراءة عن حرمة الحضور فی هذه الساعة فی مدرسة الفیضیة.

جریانهما معا لا یؤدی الی الترخیص فی المخالفة القطعیة للعلم الاجمالی، لعدم التمکن من المخالفة القطعیة. لا تتمکن من الحضور فی کلا المکانین فی آن واحد. و لکن مع ذلک ذکر السید الخوئی ونعم ما قال بأن الترخیص القطعی فی المخالفة الواقعیة للتکلیف المعلوم بالاجمال مانع عن جریان الاصول. لأنک تقطع بترخیص الشارع فی ارتکاب الحرام. إذا جرت کلتاهما (البراءة عن حرمة الحضور فی هذه الساعة فی الحرم و البراءة عن حرمة الحضور فی هذه الساعة فی المدرسة الفیضیة) جریانهما معا بمعنی الترخیص القطعی فی ارتکاب الحرام المعلوم بالاجمال، و إن کنت لا تتمکن من احراز أنک ارتکبت الحرام. هذا لیس مهما.

المانع الرابع: أن لا یکون هناک مانع عقلی عن جریان الاصلین معا، لکن العرف لا یحتملهما.

العرف بالنظر العقلائی لا یحتمل تعبد الشارع بأصلین معا، و لکن یحتمل تعبد الشارع بواحد منهما فی حد ذاته.

مثلا فی اطراف العلم الاجمالی، الشارع یقول یحل لک شرب هذا المایع مطلقا، و یحل لک شرب المایع الثانی بشرط الاجتناب عن المایع الاول. هذا لا یؤدی الی مخالفة قطعیة، لأن الترخیص المشروط فی احدهما (الترخیص المشروط بالاجتناب عن الآخر) لا یؤدی الی الترخیص فی المخالفة القطعیة، لأنک إذا ارتکبت الاول لا یجوز لک ارتکاب الثانی. ولکن هل یحتمل عقلائیا التعبد بهذا النحو؟ لیس هذا من التعبد العرفی المحتمل.

و هذا یؤدی الی المعارضة بین الخطابین لإحتمال أن یجری الاصل المطلق فی هذا الطرف و یحتمل جریان الاصل فی الطرف الآخر فی حد ذاته، لکن لا یحتمل أن یجتمع الاصلان بهذه الکیفیة.

والمقام من هذا القبیل. إن فرضنا أن استصحاب عدم جعل الحرمة لهذا المایع بلحاظ جواز ارتکابه لا بلحاظ جواز الإخبار، و استصحاب عدم جعل الحرمة له بلحاظ جواز الإخبار لنفی حرمة القول بغیر علم، هذا قد لا یشکّل محذورا عقلیا لکنه غیر محتمل عقلائیا. الشارع یجیء یعبّدنا بجریان استصحاب عدم جعل الحرمة من دون أن یکون اثره جواز الإخبار، ثم یذهب الی استصحاب عدم جعل الحلیة یعبّدنا به لأجل التعبد بجواز الإخبار، هذا امر غیر محتمل عقلائیا.

والجمع بین جواز الإخبار فیهما، متهافت عرفا. کیف؟ معناه یصیر هکذا: أنت تجیء تقول والعباس قد جعلت الحرمة أو الحلیة لشرب التتن. جعل احدهما بلا اشکال. تعلم اجمالا. مع ذلک تقول: و العباس لم یجعل الحرمة له، والعباس لم یجعل الحلیة له. الناس یقولون هذا مجنون. یقولون له: قد جعل لشرب التتن إما الحلیة أو الحرمة؟ افتهمت؟ یقول نعم افتهمنا. و إذا قال هذا الشخص لم یجعل أی منهما، فالناس یثورون علیه یقولون یا کذاب، إذا قال لم یجعل أی منهما، بهذا التعبیر، لأن هذا خلاف العلم التفصیلی. هذا البیان کذب تفصیلی بأن یقول لم یجعل أیّ منهما. ولکن یقول لم یجعل الحرمة لشرب التتن، ثم بعد لحظات یقول لم یجعل الحلیة له، الناس یقولون ماذا تقول؟! فی الاول قلت جعل احد الحکمین لشرب التتن وحلفت بالعبا بعد ذلک سألناک هل تقول لم یجعل احد الحکمین له؟ فقلت لا هذا کذب. هل أنا اقول لم یجعل احد الحکمین لشرب التتن؟ هذا کذب حرام. بعد لحظات قلت: لم یجعل الحرمة لشرب التتن، لم یجعل الحلیة لشرب التتن. فتحقق منک إخباران کل منهما محتمل الصدق. الناس أیّ شیء یقولون لک، هل یقولون أنت عبقری فی علم الاصول أو یقولون أنت مجنون؟!

فالاشکال الثانی عدم احتمال الجمع بین هذه الاصول بهذه الکیفیة.

فلحد الان تعمق الاشکال. فلاحظوا هل ترون حلّا لهذا الاشکال الی اللیلة القادمة إن شاءالله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo