< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/07/22

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: مقتضی الاصل عند الشک فی حجیة الامارة

 

كان الکلام فی مقتضی الاصل فی الشک فی حجیة امارة کالشهرة.

کان الوجه الاول: أن الشک فی الحجیة مساوق للقطع بعدمها. فذکرنا ثلاث تفاسیر لذلک. و قبلنا التفسیر الاول و هو أن الشک فی الحجیة مساوق للقطع بعدم الحجیة الفعلیة العقلیة أی المنجزیة و المعذریة. کما قبلنا التفسیر الثالث بمناسبات الحکم و الموضوع، و هو أن الشک فی الحجیة مساوق للقطع بعدم روح الحجیة. و هی عدم رضی الشارع بمخالفة التکلیف الواقعی علی تقدیر وجوده فیما إذا کان الحکم الواقعی الزامیا و کان الاصل مثبتا أو تلک الامارة مثبتة لذلک الحکم الالزامی. فإذا لم یصل الینا حجیة هذه الامارة علی حرمة شرب التتن مثلا فنقطع بمناسبات الحکم و الموضوع بجریان البراءة عن حرمة شرب التتن و انتفاء روح الحرمة الواقعیة و هی عدم رضی الشارع بارتکاب شرب التتن. کما نعلم بانتفاء روح حجیة هذه الامارة علی حرمة شرب التتن، لأن روح الحجیة علی حرمة شرب التتن عدم رضی المولی بارتکاب شرب التتن علی تقدیر حرمته. فنقطع بانتفاء هذه الحرمة بمناسبات الحکم و الموضوع. و هذا یعنی قبولنا لجریان البراءة العرضیة، أی جریان البراءة عن نفس حرمة شرب التتن مع وجود امارة نشک فی حجیتها.

بینما أنه فی البحوث لم یقبل جریان البراءة العرضیة مع ثبوت حجیة تلک الامارة علی حرمة شرب التتن واقعا و إنما التزم بجریان اصلٍ یکون فی طول الشک فی حجیة تلک الامارة کالبراءة عن حجیتها.

ذکرنا عدة ملاحظات علی کلامه و وصلنا الی الملاحظة الرابعة، و هی أنه قال: البراءة عن حجیة هذه الشهرة علی حرمة شرب التتن نسبتها الی حجیة هذه الشهرة کنسبة البراءة العرضیة أی البراءة عن حرمة شرب التتن الی الحکم الواقعی بحرمة شرب التتن. فکما أنه لا منافاة بین البراءة عن حرمة شرب التتن مع واقع حرمته، فکذلک لا منافاة بین البراءة عن حجیة الشهرة علی حرمة شرب التتن مع واقع حجیة هذه الشهرة. و هذا غیر صحیح.

تقول: أنتم فی حل المنافاة بین البرائة عن حرمة شرب التتن و واقع حرمة شرب التتن قلتم: بأن روح الحرمة الواقعیة هی البغض و البغض بالنسبة الی شرب التتن لا یرتفع ابدا و إنما یرضی الشارع بارتکاب هذا المبغوض لمصلحة. هکذا رفعتم المنافاة بین حرمة الواقعیة لشرب التتن و البراءة عن حرمته. قلتم البراءة عن حرمته یعنی رضی الشارع بارتکابه، و روح الحرمة الواقعیة هی البغض. فالشارع یرضی بارتکاب هذا المبغوض.

لکن هنا ماذا تقولون؟ روح الحجیة للشهرة علی حرمة شرب التتن لیست الا عدم رضی الشارع بشرب التتن علی تقدیر حرمته. هذه هی روح حجیة الشهرة علی حرمة شرب التتن. روح الحجیة بالنسبة الی الشهرة علی حرمة شرب التتن لیست الا ان الشارع لا یرضی بارتکاب شرب التتن إذا قامت الشهرة علی حرمته. و البراءة عن حجیة هذه الشهرة تعنی رضی الشارع بارتکاب شرب التتن فی هذه المرتبة، فی مرتبة الشک فی حجیة الشهرة القائمة علی حرمته. فکیف یجتمعان؟ روح حجیة الشهرة علی حرمة شرب التتن لیست الا عدم رضی الشارع بارتکاب شرب التتن فی فرض قیام الشهرة علی حرمته. هذه کیف تجتمع مع روح البراءة عن حجیة هذه الشهرة التی تعنی رضی الشارع بارتکاب شرب التتن فی مرتبة الشک فی حجیة الشهرة القائمة علی حرمته؟

نحن بمناسبات الحکم و الموضوع قلنا بأن دلیل البراءة العرضیة یعنی دلیل البراءة عن حرمة شرب التتن ظاهر فی أنه کما لا یرفع البراءة واقع الحرمة، و إنما الرافع لها وصول الحرمة الواقعیة فکذلک لا یکون الرافع للبرائة واقع الحرمة الظاهریة، أو فقل واقع حجیة الشهرة علی حرمة شرب التتن. و بذلک نحرز انتفاء روح حجیة هذه الشهرة التی لم یصل الینا حجیتها.

و کیف کان.

نصل الی الوجه الثانی عند الشک فی حجیة امارة: و هو التمسک بالعمومات أو الاصول المخالفة لمفاد هذه الامارة التی یشک فی حجیتها. و نذکر لذلک مثالین:

المثال الاول: لو ورد خبر ثقة علی جواز اخذ الربا من الکافر الحربی و شککنا فی حجیة هذا الخبر، هکذا یقال: یمکننا التمسک بعموم دلیل تحریم الربا لنفی مضمون هذا الخبر الذی یقول یجوز اخذ الربا من الکافر الحربی.

و فیه: اولا: أن هذا لا ینفی حجیة هذا الخبر واقعا، و إنما ینفی مضمونه تعبدا. لأن حجیة العام لا تنفی حجیة الخاص المنفصل. لأن حجیة العام ثابتة ما لم یصل حجیة الخاص المنفصل. فثبوت الحجیة الواقعیة للخاص المنفصل لا یمنع من حجیة العام، فکیف ننفی بحجیة العام واقع حجیة الخاص المنفصل؟ نعم! یمکننا أن ننفی بهذا العام مضمون هذا الخطاب المنفصل و نقول أنه بمقتضی عموم حرّم الربا لا یجوز اخذ الربا من الکافر الحربی.

و ثانیا: إذا شککنا فی حجیة الخبر عقلائا بنحو الشبهة الحکمیة کما لو شککنا فی أن خبر الثقة الذی لا یکون مفیدا للوثوق هل هو حجة عند العقلاء أم لا، فالشک فی حجیة هذا الخبر یساوق الشک فی حجیة ذلک العموم بنظر العقلاء. أنتم إذا لاحظتم عموما و خبر ثقة علی التخصیص، لا تدرون هل العقلاء یعملون بذلک الخبر المخصص فکیف تجزمون بأنهم یعملون بالعموم الذی یرید هذا الخبر أن یکون مخصصا له؟

و إذن یسری شککم الی حجیة العموم. لأن حجیة العموم عقلائیة، فإذا شک فی حجیة المخصص بنظر العقلاء، فیعنی ذلک سریان الشک الی حجیة العموم بنظر العقلاء. نعم! لو علمنا بعدم حجیة هذا الخبر عقلائا و إنما شککنا فی حجیته شرعا، هنا یمکننا أن نقول بأن اصالة العموم و حجیة العموم ثابتة بارتکاز العقلاء.

هذا هو المثال الاول.

اما المثال الثانی: و هو لو ورد خبر ثقة علی حرمة شیء و شککنا فی حجیة هذا الخبر، فیتمسک بعموم دلیل البراءة عن حرمة ذلک الشیء. و هذا بنظرنا و نظر المشهور لا یکشف جریان البراءة عن حرمة شرب التتن مثلا لا یکشف عن عدم حجیة ذلک الخبر القائم علی حرمته. لأننا قلنا بأن ما یمنع عن جریان البراءة عن حرمة شرب التتن هو وصول حجیة خبر الثقة علی حرمة شرب التتن. أما علی مسلک المشهور فواضح، فإنهم یرون التنافی بین الاحکام الظاهریة بعد وصولها، لأن الحجیة قبل الوصول لا روح لها بنظر المشهور، لأن روحها المنجزیة و المعذریة و هما یتوقفان علی وصول الحجیة. فلا مانع من جریان البراءة عن حرمة شرب التتن، و المانع لجریانها یکون وصول الحجیة لخبر الثقة علی حرمة شرب التتن. و أما بناءا علی نظرنا فنقول: مناسبات الحکم و الموضوع تقتضی جریان البراءة عن حرمة شرب التتن و أن لا یکون الرافع لها واقع الحجیة، کما أنه لم یکن الرافع لها واقع الحرمة.

و اما علی ما اختاره البحوث من أن الحجیة بوجودها الواقعی تنافی البراءة عن حرمة شرب التتن. حجیة هذا الخبر القائم علی حرمة شرب التتن بوجودها الواقعی تنافی البراءة عن حرمة شرب التتن، و لأجل ذلک انجبر الی التمسک باصل یجری فی طول الشک فی حجیة الامارة. قال من جملة تلک الاصول اصالة العموم. اصالة العموم فی دلیل البراءة تجری عند الشک فی حجیة هذا الخبر القائم علی حرمة شرب التتن إذا شککنا فی حجیته علی نحو الشبهة الحکمیة، لأنه شک فی التخصیص الزائد لدلیل البرائة.

نقول: هذا الکلام منکم هنا ینافی ما ذکرتم فی بحث الاستصحاب و قلنا بأن ذاک الذی قلتم هناک هو الصحیح، من أنه لا یستفاد من دلیل البراءة نفی حجیة غیر العلم الوجدانی. لأن المرتکز المتشرعی وجود طرق و امارات شرعیة فی الشبهات الحکمیة و الشبهات الموضوعیة غیر العلم الوجدانی. فلا یستفاد من رفع ما لا یعلمون الغاء حجیة سائر الحجج. فکیف ننفی بعموم دلیل البراءة حجیة هذه الامارة المشکوکة حجیتها؟ و لأجل ذلک نقول: حتی من یری أن رفع ما لا یعلمون بمعنی أنه رفع ما لا طریق معتبر علیه کما هو مختار السید السیستانی و مختار السید الخمینی علی اختلاف منهجهما، نقول مع ذلک ظاهر قوله رفع ما لا طریق معتبر علیه أنه رفع ما لا طریق معتبر واصل علیه لا أنه رفع ما لا طریق معتبر علیه ولو لم یکن هذا الطریق المعتبر واصلا. فإن العلم ظاهر فی المثالیة لکل طریق معتبر واصل. و هکذا ما یقوله السید السیستانی من أن العلم ظاهر فی لغة العرب فی مطلق التبین و البصیرة و الوضوح لا خصوص القطع بل قد لا یسمی القطع بالعلم کما إذا کان ناشئا عن مناشیء غیر عقلائیة و مع ذلک نقول: التبین و الوضوح البصیرة إنما ینطبق علی ما إذا وصل الطریق المعتبر لا ما إذا لم یصل إما صغری أو کبری. أی وصلت الامارة بذاتها و لکن لم تصل حجیتها.

و بقیة الکلام فی اللیلة القادمة إن شاء الله. و الحمد لله رب العالمین.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo