< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

كان الكلام فِي أن الأجزاء والمقدمات الدَّاخِلِيَّة هل تصبح واجبة بوجوب غيري أم لا؟ قلنا: إن الخراساني استدل بدليلين ذكر أحدهما فِي حاشيته عَلَىٰ الكفاية والآخر فِي الكفاية. تَقَدَّمَ الوجه الأَوَّل مفصلاً وكان الوجه الثَّانِي عبارة عن محذور اجتماع المثلين العقلي والامتناع؛ لأنه يلزم منه أَنْ يَكُونَ للجزء وجوب نفسي والوجوب الغيري معاً، وهذا اجتماع للمثلين عَلَىٰ عنوان واحد؛ لأَنَّ وجوب الْمُقَدَِّمَة إِنَّمَا هو عَلَىٰ واقع الْمُقَدَِّمَة (وهو الركوع والسجود مثلاً) وعنوان الْمُقَدَِّمَة فِي المقام حيثية تعليلية وهذا اجتماع المثلين عَلَىٰ عنوان واحد وهو مستحيل.

أَمَّا المتأخرون فقد ورد فِي كلماتهم جوابان عن هذا الوجه، أحدهما ما ورد فِي كلمات السيد الخميني + فِي التقريرات، والآخر ما ذكرته مدرسة الميرزا النَّائِينِيّ والَّذِي أجاب عنه المحقق العراقي & النَّائِينِيّ أَيْضاً، ولكن السَّيِّدَ الأُسْتَاذَ الْخُوئِيَّ & اعتبره جواباً صحيحاً.

أَمَّا الجواب الأَوَّل فهو محاولة لرفض كونه يستلزم اجتماع المثلين عَلَىٰ عنوان واحد؛ لأَنَّ الجزء الَّذِي هو مُقَدَِّمَة داخلية يختلف عن الكل اعتباراً وحقيقةً؛ لأَنَّه مجموع الأجزاء، والجزء عبارة عن كُلّ جزء لوحظ بشكل اللابشرط. إذن، حينما نلحظ الجزء عَلَىٰ نحو اللابشرط يصبح موضوع الوجوب غَيْرِيّاً، ولكن حينما نلحظ الجزء منضماً إلى سائر الأجزاء (والَّذِي هو اعتبار ذهني آخر وعلى نحو البشرط شيء) نراه كُلاًّ. ويختلف هذان العنوانان عن بعضهما اختلافاً عنوانياً واعتبارياً واختلافا حَقِيقِيّاً كذلك؛ لأَنَّ أحدهما لحاظ عَلَىٰ نحو اللابشرط والآخر لحاظ المجموع والأجزاء بشرط الانضمام، وما لوحظ فِي الجزء هو الجزء فحسب، ولكن الملحوظ فِي الكُلّ هو جميع الأجزاء على نحو المجموع ومنضماً إلى بعضها، وهذان العنوانان متغايران مع بعضهما.

إذن، لم يجتمع لدينا وجوبان عَلَىٰ شيء وعنوان واحد، وَإِنَّمَا اجتمعا عَلَىٰ شيئين؛ لأَنَّ كُلّ جزء له وجوبه الغيري الخاص به، وكل جزء إِنَّمَا يحكي عن الجزء لا بشرط عن الأجزاء الأخرى، بينما اللِّحَاظُ فِي >الكل< متربع عَلَىٰ >مجموع الأجزاء< ويحكي عنه وهو عنوان آخر. إذن، إن >الكل< يختلف عن كُلّ جزء جزءٍ وجوداً واعتباراً ولحاظاً، والوجوب النَّفْسِيّ للعنوان الأَوَّل يستلزم الوجوب الغيري للعنوان الثَّانِي مِنْ دُونِ أن يلزم منه اجتماع المثلين فِي أمر واحد.

ولكن هذه الإجابة غير تَامَّة؛ وَذَلِكَ أوَّلاً وَثَانِياً:

أما أوَّلاً: فكما تَقَدَّمَ بناءً عَلَىٰ أَنْ تكون الْمُقَدَِّمَة الموصلة (لا مطلق الْمُقَدَِّمَة) مَوْضُوعاً للوجوب الغيري (أي: بناء عَلَىٰ مبنى صاحب الفصول والَّذِي هو الصَّحِيح ويأتي إثباته فِي المستقبل) فما هو معروض للوجوب الغيري هو الجزء التوأم مع ذي الْمُقَدَِّمَة، وَالْمُقَدَِّمَة الموصلة هي مجموع الأجزاء ومن المقدمات الموصلة إلى ذي الْمُقَدَِّمَة، وليس لهذا المجموع أكثر من فرد واحد ووجوب غيري واحد؛ لأَنَّ الموصل مجموعها مع بعضها البعض، إذن لو قلنا فِي المقام بأن الْمُقَدَِّمَة الدَّاخِلِيَّة الموصلة واجبة بالوجوب الغيري، فَسَوْفَ يكون مجموعُ أجزاء الْمُقَدَِّمَة الدَّاخِلِيَّة الموصلة إلى ذي الْمُقَدَِّمَة الَّذِي هو >الكل< مُتَعَلَّقَ الوجوب الغيري، وهي ليست فقط عين >الكل< وجوداً، بل عينه اعتباراً ولحاظاً.

وَأَمَّا ثانياً: فلا يَتُِمّ هذه الإجابة حتَّى وَفْقاً لمبنى الخراساني القائل بأن مطلق الْمُقَدَِّمَة واجب؛ لأَنَّهُ وإن كان لحاظ كُلّ جزء واعتباره بِالنَّحْوِ اللابشرط مختلفاً عن لحاظ >الكل< واعتباره، ولكن الملحوظ فِي كليهما واحد، والوجوب والإرادة وإن كانا يعرضان فِي عالم النفس عَلَىٰ التصورات واللحاظات الذهنية، إلا أَنَّهُ يجب أن لا تكون ملحوظاتهما متحدة، وتعدد اللِّحَاظِ (أي: لحاظ اللابشرط فِي أحدهما ولحاظ بشرط الانضمام فِي الآخر) لا يصيّر ملحوظهما ملحوظين، وإن كان اللِّحَاظِ والاعتبار الذهني اثنين، فيصبح الملحوظ الواحد فِي هذه الحالة واجباً بوجوب غيري وواجباً بوجوب نفسي أَيْضاً، وهو محال. وبعبارة أخرى: إن امتناع اجتماع وصفين متقابلين (سَوَاء كانا ضدين أم كانا مثلين) إِنَّمَا هو بلحاظ وحدة الملحوظ، وإن كان لحاظهما الذهني والاعتباري متعدداً؛ وذلك ببرهان أَنَّهُ يستحيل أن يتعلق الوجوب والإرادة بِالْمُرَكَّبِ الَّذِي جزؤه حرام ومبغوض بأن تكون الصَّلاَة مثلاً واجبةً ولكن يكون ركوعه حَرَاماً، وإن كان لحاظ الركوع بنحو اللابشرط، وهذا مطلب واضح. إذن، الإجابة الأولى غير تَامَّة.

أَمَّا الجواب الثاني فهو ما أفاده الميرزا من أن اجتماع المثلين لَيْسَ مستحيلاً كاجتماع الضدين، بل يمكن اجتماع ذات وجوبين فِي مورد واحد بشكل وجوب واحد مؤكد وشديد، وما ينتفي هو حَدُّهما الاِسْتِقْلاَلِيّ. أي: أصل اجتماعهما لَيْسَ محالاً، بل يستحيل اجتماع حدّيهما واستقلاليتهما. أي: يستحيل أَنْ يَكُونَ هذان الوجوبان عَلَىٰ شكل وجوبين استقلاليين؛ وذلك لاستحالة عروض عرضين عَلَىٰ معروض واحد، ولا يمكن أن يعرض وجوبان مع قيد التعدد والثنائية عَلَىٰ معروض واحد، ولكن يمكن أن تجتمع ذات وجوبين وذلك بتبدّلهما إلى وجوب واحد مؤكد وشديد، مثل نورين حينما يتحولان إلى نور واحد شديد، أو مثل بياضين حينما يتحولان إلى بياض واحد ولون شديد فِي موضوع واحد. ثُمَّ إن لاجتماع وجوبين فِي وجوب واحد مؤكَّد أمثلة كثيرة فِي الفقه، فعلى سبيل المثال يمكن أن يتصور وجوب صلاة الظهر لجهتين: 1- وجوبها بعنوان الفريضة الواجبة و2- وجوبها بعنوان النذر الواجب أو 3- بعنوان مُقَدَِّمَة وقيد لصِحَّة صلاة العصر. فهذا اجتماع لوجوبين غيريين مع الوجوب النَّفْسِيّ، فهما يجتمعان مع بعضهما ويولِّدان وجوباً واحداً مؤكَّداً.

إذن، فكما أن صلاة الظهر واجبةٌ بوجوب نفسي وواجبة أَيْضاً بوجوب غيري (لأنها مُقَدَِّمَة وقيدٌ لواجب آخر هو صلاة العصر وفي الواقع لها نوع من الإرادة والوجوب المؤكد) كذلك فِي المقام يمكن للمقدمات الدَّاخِلِيَّة والأجزاء أَنْ تَكُونَ واجبات نفسية (باعتبار الوجوب النَّفْسِيّ لِلْمُرَكَّب) كما تَكُون واجبات غيرية (بعنوان الجزء وَالْمُقَدَِّمَة الدَّاخِلِيَّة) وَبِالتَّالِي يثبت لِكُلّ جزءٍ وجوبٌ مؤكد، ويمكن القول بالوجوب المؤكد فِي كُلّ مورد يقوم فيه دليلان عَلَىٰ الوجوب بعنوان واحد أو بعنوانين، فعلى سبيل المثال إذا قال: >أكرم الهاشمي< وقال أَيْضاً: >أَكْرِمِ الْعَالِمَ< يتأكد إكرام العالم الهاشمي، أو مثلاً إذا نذر الإتيان بالفريضة يتأكد وجوب تلك الفريضة، وما نحن فيه من هذا القبيل. إذن، إن ذات الوجوب الغيري محفوظ فِي الْمُقَدَِّمَة الدَّاخِلِيَّة والأجزاء فِي وجوب واحد مؤكد.

واعترض الميرزا النَّائِينِيّ والمحقق العراقي & عَلَىٰ هذه الإجابة قائلين: إننا نسلم باجتماع وجوبين فِي وجوب واحد مؤكد وشديد، ولكن ذلك إِنَّمَا يصح فيما إذا لم يكن الوجوبان طوليين بل يكون الوجوب الثَّانِي فِي طول الوجوب الأَوَّل، كصلاة الظهر الَّتِي نشأ وجوبها الغيري من صلاة العصر، فهي فِي عرض الوجوب النَّفْسِيّ لصلاة الظهر، ولا يتبع أي من الوجوبين الوجوبَ الآخر، خِلاَفاً لما نحن فيه حيث يُرَاد جعل الوجوب النَّفْسِيّ للْمُقَدَِّمَة الدَّاخِلِيَّة الَّتِي هي الجزء متحداً مع وجوب غيري لها ناشئ من نفس ذاك الوجوب النَّفْسِيّ، وهذا مستحيل؛ ذلك لأنهما وجوبان طولييان كُلّ منهما فِي رتبته؛ لأَنَّ الوجوب الغيري فِي طول الوجوب النَّفْسِيّ ومترشح عنه، فلا يمكن أن يُدغما فِي بعضهما البعض ويشكّلا وجوباً مؤكداً.

وأجاب السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & عن هذا الإشكال قائلاً: إن الأحكام أمور زمانية ومن هنا لا يمكن تأكيد وجوبين بينهما تأخر وتقدم زماني؛ فَإِنَّهما لا يجتمعان مع بعضهما، ولكن حيث أن هاتين الرتبتين مجتمعتان فِي زمان واحد فلا ضير فِي تأكّد الوجوبين المجتمعين فِي زمان واحد وبإمكانهما أن يجتمعا معاً.

والتحقيق أن ما ذكره الميرزا من الإشكال (فِي إمكانية اجتماع وجوبين طوليين فِي وجوب واحد مؤكد) صحيح عَلَىٰ تقدير وغير صحيح عَلَىٰ تقدير آخر؛ لأَنَّ لقولهم >الوجوب الغيري ترشحي< فِي بحث الوجوب الغيري معنيان:

المعنى الأَوَّل: أَنْ تَكُونَ الإرادةُ الغيرية منبعثة من الإرادة النَّفْسِيَّة، وأن تكون الإرادة النَّفْسِيَّة من أجزاء العلة للإرادة الغيرية.

المعنى الثَّانِي: أَنَّ الإرادة الْغَيْرِيَّة لا تكون موجودة إلا حيث توجد الإرادةُ النَّفْسِيَّةُ، ولكن الوجوب أو الإرادة النَّفْسِيَّة ليست عِلَّةً للإرادة الْغَيْرِيَّة بل عِلَّة كلا الوجوبين والملاك النَّفْسِيّ الموجود فِي الواجب النَّفْسِيّ، وهذا الملاك النَّفْسِيّ هو الَّذِي يسبب أن تتعلق الإرادة النَّفْسِيَّة بذاك الشيء كما أَنَّهُ السَّبَب فِي تعلق الإرادة الْغَيْرِيَّة بمقدماتها.

وَحِينَئِذٍ إن اختار أحدهم المسلكَ الأَوَّل واعتقد بأن الإرادة النَّفْسِيَّة عِلَّةً للإرادة الْغَيْرِيَّة، يُسَجَّل عليه إشكال الميرزا؛ لأَنَّ العلة والمعلول لا يجتمعان فِي وجود واحد وليس سبب ذلك تَعَدّد الرتبة حتَّى يقال: إن الأحكام أمور زمانية، وَإِنَّمَا السَّبَب تَعَدّدُ وجود السَّبَب والمسبب وامتناع اتحادهما فِي وجود واحد.

أَمَّا إذا قلنا: إن الملاك النَّفْسِيّ هو العلة لكلا الوجوبين ولكلتا الإرادتين فلا يعود لهذا المحذور وَقَعٌ، بل يُتَعَقَّلُ التأكّد ويسجل ذلك فِي صالح السَّيِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ &، وسوف نقول - إن شاء الله تعالى - فِي بحث الترشح: إن الوجوب النَّفْسِيّ لَيْسَ عِلَّةً للوجوب الغيري، وما هو العلة لكليهما هو الملاك النَّفْسِيّ.

إلى هنا تَتُِمّ الإجابة الثَّانية عن دليل صاحب الكفاية وهو مسألة التأكد، ومن هنا آمن السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & بِالدَّلِيلِ الأَوَّل من دليلي الخراساني، ولٰكِنَّهُ لم يرضخ لدليله الثَّانِي (وهو محذور امتناع اجتماع المثلين) بل قبل بالإجابة الثَّانية.

هذا، وبالإمكان ذكر إشكال آخر عَلَىٰ هذه الإجابة وهذا الإشكال غير موجود فِي كلمات الآخرين، وحاصل الإشكال هو أَنَّهُ لا يُتَعَقَّلُ وجوب واحد مؤكد فِي المقام، أي: إن أريد بذلك جعل وجوبين نفسي وغيري فِي أجزاء مستقلة عن بعضها يلزم منه اجتماع المثلين وهو محال، كما أن تشكيل وجوب واحد مؤكد غير ممكن؛ لأَنَّ تأكد الوجوب واشتداد الإرادة منوط بتعدد الملاك والغر ض، كمثال صلاة الظهر حيث أن ملاكها النَّفْسِيّ يختلف عن ملاك صلاة العصر الَّتِي هي منشأ للوجوب الغيري لصلاة الظهر، بينما لا يوجد فِي المقام غير ملاك واحد فِي الْمُرَكَّب (وهو >الكل<)، وهذا الملاك لا يمكنه أَنْ يَكُونَ منشأً لاشتداد الوجوب وتأكّده، كما لا تَتَرَتَّبُ عليه آثار تأكد الوجوب من الشدة أو تَعَدّد العقاب.

إذن، يمكن أن نقرّب الدليل الثَّانِي من دليلي الخراساني أَنَّهُ لَيْسَ للأجزاء والمقدمات الدَّاخِلِيَّة وجوبان مستقلان نفسي وغيري (لاستحالة عروض عارضين عَلَىٰ معروض واحد) كما لَيْسَ لها وجود واحد مؤكَّد، وهذا هو معنى امتناع الوجوب الغيري.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo