< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم اللٰه الرحمن الرحيم

بحث أصول

 

{مُقَدَِّمَةُ الْوَاجِبِ\تنبيهات الواجب الْمُعَلَّق\التنبيه الأول: وجوب الواجب الْمُعَلَّق}

الجلسة الـ248، السبت 02-04-1433 (الموافق لـ25-02-2012)

الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوَّتَة والوجوه المذكورة للزومها ووجوبها

كان الكلام في وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة قبلَ الوقت، وذكرنا طُرُقاً لوجوبها، كانت إحداها الواجب الْمُعَلَّق الَّذِي كان له تقريبان، وكانت الإجابة الثانية للخراساني حيث افترض الأمر التهيئي وَالَّذِي قلنا بشأنه إنه راجع إلى وجهٍ سوف نذكره.

الواجه الرابع:

أَمَّا الوجه الرابع فقد ذكره سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ & من إرجاع الواجب من الدفعي إلى الاستقبالي (طَبْعاً هذا روح كلامه). أي: لا نقول بأن الصيام كان وَاجِباً من قبل عَلَىٰ نَحْوِ الواجب الْمُعَلَّق أو المشروط بالشرط الْمُتَأَخِّر كي يكون مستحيلاً، أو أَنَّهُ واجب منذ الفجر عَلَىٰ نَحْوِ الشَّرْطِ الْمُقَارِن، لكي لا تكون مقدمته واجبةً بالوجوب الْغَيْرِيّ، وإنما نقول: إن الواجب ليس فعلاً، وإنما هو سد لباب عدم الفعل، و>عدم الفعل< عَلَىٰ عكس >وجود الفعل< له حصص؛ لأن >عدم الفعل< يصبح متعدداً ومتحصصاً بترك كل واحدة من مقدماته، ومن لم يأت بِالْمُقَدَِّمَاتِ الْمُفَوِّتَةِ قبل الفجر لا يمكنه الإمساك عن طهور بعد الفجر، فينعدم الصوم لأجل ترك مقدمته الْمُفَوِّتَةِ وهو باب من أبواب العدم، كما يحصل لديه عدم آخر بسبب عدم الفعل نفسه أو عدم النية نفسها (أَيْ: لأجل ترك الإمساك في الفجر). إذن، إن للترك أو لعدم الفعل حصص مختلفة وأن أبواب الترك وأبواب العدم متعددة.

وَحِينَئِذٍ (لما كان للترك أو العدم أبواب متعددة) لا يجعل الشارع الوجوبَ عَلَىٰ الفعل حتى نقول: >إن توفر وجوبُهُ من قبلُ يكون وَاجِباً مُعَلَّقاً وإن توفر بعد الفجر فلا يمكن لمقدمته أن تكون واجبةً من قبل؛ فإن المولى كان يتصور أبواب عدم الفعل ويوجب سدها (طَبْعاً ما ارتبط منها بالمكلف وكان من اختياراته). وهذا السد لأبواب العدم يبدأ قبل الفجر ومنذ تكوّن الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَةِ، فإن تركها يحصل >عدم الإمساك عن طهور< فيكون هذا وَاجِباً تدريجياً يبدأ قبل الفجر ويدوم إلى المغرب، فيكون منجزاً كسائر الواجبات التنجيزية (الَّتِي لا إشكال فيها).

طَبْعاً، يجب أن يفترض أن الزمان الاستقبالي ليس شَرْطاً للاتصاف بالملاك لكي يكون الملاك والإرادة فِعْلِيّاً من قبل، فيكون الواجب تدريجي الوجود ومنجزاً. أي: يبقى وجوبه وكذلك واجبه موجوداً من قبلُ، وعلى من يقبل بالواجب التدريجي المنجز (والكل آمن به) أن يقبل بهذا أَيْضاً.

ثم يقول سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ &: إن هذا الوجه ممكن ومعقول ولكنه تأويل؛ فإن ظاهر الدليل ليس هكذا. طَبْعاً، إن هذا التأويل يماثل ذاك التأويل لدليل وجوب الحج منذ وقت الاستطاعة أو وجوب الصوم منذ بداية شهر رمضان حيث يجعل الميرزا النائيني تعقبَ الزمان وسائر الشروط المستقبلية شروطاً مقارنةً.

الإشكال على الوجه الرابع:

ويورد عليه بأن هذا الوجه وإن كان يحل الإشكال ولكنه:

أَوَّلاً: يلزم منه التأويل ومخالفته لظاهر دليل الأمر أو لصريحه؛ فإن الأمر تعلّق بالفعل لا بسد باب عدم الفعل.

وَثَانِياً: يرد عليه إشكال آخر ذكرناه في هامش تقريراتنا من أَنَّهُ يلزم من هذا التبرير أن يكون وجوبُ الْمُقَدَِّمَةِ الْمُفَوِّتَةِ بل وجوب جميع الْمُقَدَِّمَات في عرض واحد مع وجوب ذي المقدمة؛ لأَنَّهُ إن لم يصدق سدُّ باب عدم الفعل عَلَىٰ المقدمة وكان المقصود هو >الترك داخل الوقت< الَّذِي زمانه استقبالي، فَحِينَئِذٍ يجب القبول بالواجب الْمُعَلَّق وهو خلف المقصود. وإن كان قد قام بسدّ باب عدم الصدق من قبلُ وصحت المقدمة عَلَىٰ الفعل نفسه ويتحد معها، فَحِينَئِذٍ تُعَدُّ المقدمةُ وَاجِباً نَفْسِيّاً، وإذا كان فعلاً آخر وليداً من فعل المقدمة، فَحِينَئِذٍ وإن باتت المقدمة وَاجِباً غَيْرِيّاً (لا نَفْسِيّاً) ولكن يلزم منه أن يكون الإمساك داخل الوقت من الواجبات الغيرية أَيْضاً؛ لأن فعل الإمساك حِينَئِذٍ يكون محققاً لعنوان سد باب عدمه، ويجب القول هناك بأن ذات الفعل مقدمةٌ لتحقق سد باب عدم الفعل.

والحاصل أن وجوب الْمُقَدَِّمَات حِينَئِذٍ يأتي مع ذات الفعل في عرض واحد، بينما المفروض أن وجوب المقدمة غيريٌّ والفعل نفسه مطلوب نفسي للمولى.

الوجه الخامس:

وهناك وجه خامس ذكره سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ & أَيْضاً وهو وجه مذكور في كلمات الآخرين من أَنَّنا لو قلنا بامتناع الشَّرْط الْمُتَأَخِّر والواجب الْمُعَلَّق، لا يلزم من هذا القول منعٌ عن وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة قبل الوقت إذا كان ملاك الواجب فِعْلِيّاً من قبل. أي: أن لا يكون الوقت الاستقبالي وسائر شروط التكليف شٌرٌوطاً للاتصاف بالملاك، بل تكون شٌرٌوطاً لتحقق الملاك من قبل، وأن يكون الملاك والإرادة بمعنى الشوق فِعْلِيّاً. والسبب في تأخير الوجوب هو أن الواجب استقبالي وكان وجوبه مستحيلاً من قبل، ومن هنا يصبح الوجوب والواجب استقباليين معاً، ولكن الملاك والشوق (اللذان هما مبادئ الوجوب) كانا فِعْلِيَّين من قبل، وَبِالتَّالِي سوف تكون الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة لمثل هذا الواجب واجبة التحصيل عَقْلاً كما سوف تكون واجبةً بالوجوب الشرعي الْغَيْرِيّ؛ ذلك لما يأتي من أن فعلية الملاك والإرادة بالنسبة إلى الواجب النَّفْسِيّ هو منشأ الوجوب الْغَيْرِيّ، لا إيجاب الوجوب واعتباره له.

ما معنى تبعية الوجوب الْغَيْرِيّ عن النَّفْسِيّ؟!

إن ما قالوه من أن >الوجوب الْغَيْرِيّ تابع للوجوب النَّفْسِيّ< لا يعني التلازم بين الوجوبين في مرحلة المجعول الاعتباري أو الجعل، وَإِنَّمَا في مرحلة روح الحكم وإرادة المولى وشوقه. إذن، كُلَّمَا كان ملاكُ شوق المولى (وَالَّذِي هو أمر غير اختياري يصبح فِعْلِيّاً قبل الوقت) فِعْلِيّاً كانت الإرادةُ ووجوبُ المقدمةِ الْغَيْرِيُّ فِعْلِيّاً أَيْضاً.

دراسة الوجه الخامس ثُبُوتاً وَإِثْبَاتاً:

إن هذا الوجه صحيح ثبوتاً ولا غبار عليه، ولكنه إنما يَتُِمّ إِثْبَاتاً فيما إذا أحرزنا أن الوقت الاستقبالي وكذلك سائر شروط التكليف والوجوب (الَّتِي تقع قيوداً للوجوب في الزمان الاستقبالي) ليست شٌرٌوطاً للاتصاف بالملاك، وكان الملاك والإرادة (الَّذِي يعني الشوق) فِعْلِيّاً من قبلُ، وهذا المطلب بحاجة إلى دليل خاصٍ لا يمكن استخراجه من الخطاب والجعل الدال عَلَىٰ الوجوب المشروط بالزمان الاستقبالي؛ إذ من الممكن أن يكون الزمان وكذلك سائر شروط الوجوب في الوقت الاستقبالي شٌرٌوطاً للاتصاف، مِمَّا تدل عَلَىٰ أنَّ الملاك والإرادة المولوية لا تكون فعلية البتةَ.

إذن، إن أحرزنا بالدليل أن الملاك فعلي من قبل وأن الحياة والقدرة وكذلك سائر الشروط شروط لاستيفاء الملاك وليست شٌرٌوطاً للاتصاف، فَحِينَئِذٍ يَتُِمّ هذا الوجه، وهو بدوره يثبت الوجوب العقلي للمقدمات الْمُفَوِّتَة قبل وقت الواجب؛ لأَنَّ تفويت الملاك الْفِعْلِيّ للمولى تعجيز ومعصيةٌ (كتعجيز الواجب الْفِعْلِيّ)، كما يثبت أَيْضاً الوجوب الشرعي الْغَيْرِيّ، ولكن حيث أن وجوب الواجب اشتُرط بالوقت الاستقبالي والشروط الأخرى للتكليف حِينَئِذٍ، فلا يمكننا أن نستفيد من دليل الوجوب أن الملاك فعلي من قبل؛ إذ لعل الشروط المذكورة دخيلة في الاتصاف.

طَبْعاً، إن الميرزا النائيني سوف يذكر وجهاً لاستفادة عدم أخذ شروط الوجوب في الاتصاف، ولكنه يواجه إشكالاً، فيحتاج هذا الوجه إلى دليل خاص يدل عَلَىٰ فعلية الملاك قبل وقت الواجب.

الوجه السادس:

وهناك وجه سادس يُتوسع به في الوجه الخامس (حَتَّىٰ فيما إذا كان الزمان الاستقبالي شَرْطاً للاتصاف). وهذه نكتة إضافية ذكرها الميرزا النائيني وآخرون حيث قالوا: لو كان الزمان الاستقبالي شَرْطاً للاتصاف أَيْضاً ولم يكن زمان الملاك فِعْلِيّاً قبله (مثلما إذا علمنا بأن المولى سوف يحصل لديه العطش مُسْتَقْبَلاً وأن المولى في الوقت الراهن ليس عطشاً) فمن الطبيعي أن إرادة الفعل سوف تحصل في المستقبل أَيْضاً، والعقل يحكم هنا مرة أخرى بأن ترك المقدمة الْمُفَوِّتَة قبل الوقت عصيان لأمر المولى؛ لأن تفويت الغرض والإرادة التَّشْرِيعِيّ الْفِعْلِيِّ للمولى إنما هو في المستقبل، والتفويت والتعجيز للغرض المولوي (سواء كان فِعْلِيّاً أم كان مستقبلياً) إنما يكون قبيحاً وعُصْيَاناً لأمر المولى فيما إذا علم الْمُكَلَّف بأنه سوف يصبح فِعْلِيّاً؛ لأَنَّ المولى قد أراده ولو عَلَىٰ نَحْوِ الوجوب المشروط بالوقت الاِسْتِقْبَالِيِّ.

وهذا يعني أن الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة يجب تحصيلها عَقْلاً سواء كان الوقت الاِسْتِقْبَالِيُّ شَرْطاً للاتصاف أم كان شَرْطاً لاستيفاء الملاك، ذلك فيما إذا أحرز الْمُكَلَّف أَنَّهُ سيبقى حَيّاً إلى ذاك الوقت الاِسْتِقْبَالِيّ وحائزاً لشروط التكليف، وإن كانت تلك الشروط شٌرٌوطاً للاتصاف بالملاك.

طَبْعاً، يشترط في القدرة صرف وجود القدرة من ناحية المقدمة الْمُفَوِّتَة، وهو محفوظ من قبل. وَأَمَّا إذا كان شرط اتصاف القدرة عَلَىٰ الواجب في وقت خاص، فسوف تنتفي هذه الحصة من القدرة بترك المقدمة الْمُفَوِّتَة. فإذا كان مَأْخُوذاً في الاتصاف بالملاك لا يلزم التفويت بترك المقدمة الْمُفَوِّتَة، بل يؤدي إلى ارتفاع حاجة المولى وملاكه وَالَّذِي لا يُعَدُّ قَبِيحاً ولا عُصْيَاناً؛ لأَنَّهُ لا مشكلة في رفع موضوع ملاك المولى والإرادة المولوية.

إذن، إن هذا الوجه إنما يَتُِمّ فيما إذا كان المشروط هو صرف وجود القدرة عَلَىٰ القيد، أو إذا لم يكن القدرة شَرْطاً من الأساس، فتكون الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة واجبة التحصيل عَقْلاً. وَحِينَئِذٍ يبحث عن مقامين:

المقام الأول: في أنَّ الْمُقَدَِّمَةَ الْمُفَوِّتَةَ حِينَئِذٍ هل لها وجوب شرعي أَيْضاً أم لا؟ وهذا ما جرى البحث والمناقشة حوله بين الميرزا النائيني والسَّيِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ &.

المقام الثَّانِي: حول الملاحظة الَّتِي أبداها سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ & كإشكالٍ عَلَىٰ هذا الوجه.

وهذا ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo