< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/04/03

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم اللٰه الرحمن الرحيم

بحث أصول

 

{مُقَدَِّمَةُ الْوَاجِبِ\تنبيهات الواجب الْمُعَلَّق\التنبيه الأول: وجوب الواجب الْمُعَلَّق}

الجلسة الـ249، الأحد 03-04-1433 (الموافق لـ26-02-2012)

الوجه السادس:

كان الكلام في الوجه السادس حيث يقال بأن قيد الوقت هنا بات قَيْداً للوجوب عَلَىٰ نَحْوِ الشَّرْطِ الْمُقَارِن، وكذلك سائر الشروط إذا كانت شٌرٌوطاً للاتصاف بالملاك. وإذا توقّف تحقق هذا الواجب في زمانه (حيث يكون الملاك فِعْلِيّاً حِينَئِذٍ) عَلَىٰ مقدمةٍ يجب تحققها من قبل ولا مجال لتحققها داخل الوقت، فَحِينَئِذٍ يحكم العقل بوجوب الإتيان بتلك المقدمة، وإن لم يأت الْمُكَلَّف بتلك المقدمة وهو غير قادر عَلَىٰ الإتيان بها بعد الوقت، فيُعدُّ ذلك تفويتاً للملاك الْفِعْلِيّ داخل الوقت، والعقل يحكم بقبح تفويت الملاك الْفِعْلِيّ، سواء كانت الفِعْلِيَّة حالية أم استقبالية (أي: سواء كانت حاجة المولى حاجةً حالية أم كانت حاجية استقبالية). فإذا كان السبب في التفويت تركُ مقدمةٍ مقدورة فيكون قد صدر منه عملاً قَبِيحاً وَيُعَدُّ عَاصِياً.

والحاصل أَنَّهُ لا فرق بين أن يصبح ملاكٌ مّا فِعْلِيّاً فيما بعدُ، وبين أن يكون فِعْلِيّاً من قبلُ، وبين أن يكون الشَّرْط قَيْداً للاتصاف أم لا. وإذا علم الْمُكَلَّف أن الملاك سوف يكون فِعْلِيّاً داخل الوقت ويُفوّت الملاكُ بترك مقدمة مُفَوِّتَة، يحكم العقل حِينَئِذٍ بقبح التفويت ويعتبره من الامتناع بسوء الاختيار؛ لأَنَّهُ وإن صَحَّ أن الواجب غير مقدور له وممتنع عليه حينَ مجيء الوجوب (مثلما إذا لم يكن الإمساك عن طهور مَقْدُوراً له من أَوَّل الوقت)، ولكنَّ هذا العجز إنما هو بسوء اختياره، والامتناع بسوء الاختيار لا يمنع عن استحقاق العقاب، حَتَّىٰ لو منع من فعلية الوجوب والخطاب؛ لأَنَّهُ لغو.

إصلاحات السيد الخوئي:

طَبْعاً هناك إصلاحات صحيحة ذكرها السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & من أن القدرة عَلَىٰ الواجب داخل الوقت إذا كانت شَرْطاً في الاتصاف يجب أن نفترض اشتراط صرف وجود القدرة الَّذِي تم الحفاظ عليه من قبل، لا خصوص القدرة داخل الوقت. أي: يجب أن نرى ما هي القدرة المشروطة؟ فإذا كانت القدرة في زمان الواجب شَرْطاً للاتصاف، لا صرف وجود القدرة أو عدمها داخل الوقت، فلا تحصل الحاجة للمولى نحو الملاك، وإذا كان الأمر كذلك فلا يُعَدُّ ترك المقدمة الْمُفَوِّتَة تفويتاً؛ لأَنَّ رفع شرط الاتصاف ليس تفويتاً للملاك، وَإِنَّمَا هو رفع لموضوع الملاك، فلا يوجد ملاك حَتَّىٰ يُفوَّت.

وفي هذا الضوء تبين أن علينا إما أن نجعل مطلق القدرة شَرْطاً للاتصاف، وإما أن لا نعتقد أَسَاساً بأن القدرة دخيلةٌ في الملاك وشرطٌ للاتصاف؛ إذ لو جعلنا القدرة دخيلة في الاتصاف وكانت القدرة داخل الوقت أو خصوص قدرة خاصةٍ (كأخذ القدرة من ناحية الاستطاعة في الحج) دخيلةً في الملاك، فسوف يكون تفويت مثل هذه القدرة رافعاً للملاك، وليس تفويت ذاك الملاك. ومن هنا لا يجب عَلَىٰ أحد أن يكسب الاستطاعةَ، وإذا تقدّم إليه أحدٌ بهدية تجعله مستطيعاً بإمكانه أن يرفض تلك الهديةَ، ولا يُعَدُّ هذا تفويتاً، وَإِنَّمَا هو رفع لموضوع ملاك المولى وحاجته وتكليفه.

فروض في اشتراط القدرة:

إذن، إن لاشتراط القدرة ثلاث صور:

الصورة الأولى: أن لا تؤخذ القدرةُ في الاتصاف بالملاك.

الصورة الثانية: أن يؤخذ صرف وجود القدرة ومطلقه دخيلاً في الاتصاف بالملاك.

الصورة الثالثة: أن تتدخل قدرةٌ خاصةٌ (كالقدرة داخل الوقت) في الملاك.

وَحِينَئِذٍ يجب تحصيل المقدمة الْمُفَوِّتَة في الصورتين الأولى والثانية؛ لأَنَّ تركها يفوّت الملاكَ الْفِعْلِيّ عَلَىٰ المولى، وفي الصورة الثالثة لا يجب تحصيلها؛ لأَنَّ ترك المقدمة الْمُفَوِّتَة يرفع موضوع الملاك والتكليف.

مختار النائيني في وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة

وقد وقع النقاش هنا بين السَّيِّد الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ & وبين الميرزا النائيني في أَنَّهُ لطالما حكم العقل بوجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة، فيا ترى هل يحكم به الشرع أَيْضاً أم لا؟ فيقول الميرزا النائيني بوجوبها العقلي إلى جانب وجوبها الشرعي الاستقلالي عَلَىٰ نَحْوِ متمم الجعل، فهو يحمل الأمر الوارد في المجاميع الروائية بالغسل قبل الفجر عَلَىٰ أَنَّهُ أمر شرعي ويقول بأن الغسل قبل الوقت واجب شرعي أَيْضاً، طَبْعاً ليس وُجُوباً غَيْرِيّاً؛ لأَنَّ الوجوب الْغَيْرِيّ يتبع الوجوب النَّفْسِيّ ولا يكون فِعْلِيّاً قبله، بل يتصدّر وجوب مستقل يتمم الجعل الأول.

ومن هنا لا يحمل النائيني الأوامرَ المذكورة عَلَىٰ الإرشاد إلى حكم العقل، بل يقول: إن المولى حِفَاظاً عَلَىٰ غرضه ولأجل أن لا يعجز الْمُكَلَّف نفسه يأتي بجعل آخر وبواسطة متمم الجعل يجعل الوجوبَ عَلَىٰ الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة، نظير ما تقدم في بحث الأمر بقصد القربة حيث كان النائيني يقول بأن المولى حيث لا يمكنه أخذ قصد القربة في الجعل الأول، فلذلك يأمر به بجعلٍ آخر هو متمم للجعل الأول؛ لأَنَّ ملاكه ملاك ذاك المجعول الأول. وفي المقام كذلك؛ فإن المولى يأمر بالطهور قبل الفجر أمراً مستقلاً ليس له غرض مستقل، بل لأجل الصوم تقيَّد بالطهور، فهو متحد معه روحاً ولبّاً وملاكاً، ولكن المولى يجعله بجعل مستقل؛ ذلك لأن الجعل الأول يأبى من أن يشتمل عَلَىٰ المقدمة الْمُفَوِّتَة؛ إذ من الضروري أن يكون الوجوب مَوْجُوداً من قبلُ، وهذا يستلزم الوجوب المشروط بالشرط الْمُتَأَخِّر أو الواجب الْمُعَلَّق اللذان يعتقد الميرزا باستحالة كليهما، فيأتي النائيني هنا بجعل آخر؛ إذ الجعل أمر اختياري عنده.

تقريب الجعلين المذكورين:

وهذان الجعلان هما:

الأول: وجوب الصوم الْمُقَيَّد بالطهور الَّذِي ليس الآن وقته وَإِنَّمَا يصبح فِعْلِيّاً بعد الفجر.

الثَّانِي: وجوب المقدمة الْمُفَوِّتَة قبل الوقت، فهو متمم للجعل الأول، ويحمل الروايات عَلَىٰ جعل المتمم الشرعي، ويجب أن لا نرفع اليد عن ظهور الأوامر الشرعية في التأسيسية، وقاعدة متمم الجعل هذه قاعدة جذابة استخدمها النائيني في كثير من الموارد.

ملاحظة الْخُوئِيِّ عَلَى النائيني:

وقد أنكر السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & عَلَىٰ الميرزا النائيني وجودَ الوجوب الشرعي للمقدمة الْمُفَوِّتَة، فهو يحمل الأوامر عَلَىٰ الإرشاد إلى حكم العقل وينكر إمكانية استفادة الوجوب الشرعي من الوجوب العقلي للمقدمات الْمُفَوِّتَة؛ لأَنَّ الأحكام العقلية عَلَىٰ قسمين:

الأول: بعض الأحكام العقلية الَّتِي هي في طول الأحكام الشرعية.

الثَّانِي: بعض الأحكام العقلية الَّتِي تقع في مبادئ الأحكام الشرعية.

أَمَّا القسم الأول: فمثاله الحكم بوجوب الانقياد للأحكام الشرعية ومنجزيتها، فهذا حكم عقلي في طول الحكم الشرعي، والعقل بعد ثبوت الأحكام الشرعية يقول بوجوب الاتباع لها.

وَأَمَّا القسم الآخر من الحكم العقلي الَّذِي يصدق عَلَىٰ العنوان الْفِعْلِيّ فمثاله ما إذا حكم العقل بحسن الصِّدق وبقبح الكذب أو الظلم، فهذا النمط من الحكم العقلي لا يبت بصلة إلى حكم الشارع.

فحكم العقل في القسم الأول في طول حكم الشارع، وحيث أَنَّهُ في طول الحكم الشرعي فلا يمكنه أن يستلزم حكما شرعياً آخر. فلا يمكن أن يكون وجوب الطاعة شرعياً أَيْضاً؛ لأَنَّ هذا الحكم إما هو لغو وإما يستلزم المحال؛ إذ أن هذا الوجوب الشرعي إما لم يثبت وجوب إطاعته وهو لغو، وإما ثبت وجوب إطاعته فيلزم منه التسلسل. ولذلك لا يستفاد من مثل هذه الأحكام العقلية حكم شرعي، ويجب حمل الأوامر بالإطاعة عَلَىٰ الإرشاد إلى حكم العقل العملي.

وَأَمَّا إذا كان العقل من القسم الثَّانِي كقبح الظلم والكذب وحسن العدل والصدق، فلا يتوجه إليه إشكال إن اكتشفنا أن الشارعَ يحكم بحرمة الظلم شَرْعاً ووجوب العدل.

إيضاح الإشكال عَلَى كلام النائيني:

وتوضيحاً للإشكال الوارد عَلَىٰ كلام النائيني نقول بأن حكم العقل في المقام طولي؛ لأَنَّ العقل حينما يحكم بوجوب المقدمة الْمُفَوِّتَة قبل الوقت إِنَّمَا يحكم به لأن تركها معصية وتفويت للغرض عَلَىٰ الواجب الشرعي داخل الوقت؛ لأَنَّ الامتناع بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار، وهذا هو الحكم العقلي بلزوم امتثال الأحكام والأغراض المولوية الفِعْلِيَّة الَّتِي لا تصلح للأمر الشرعي؛ لأنها إما لاغية وإما مستحيلة، وَبِالتَّالِي يجب أن يكون أمر الشَّارِع بها من باب الإرشاد إلى حكم العقل العملي، كالأوامر الدالة عَلَىٰ إطاعة المولى في سائر الموارد.

الإجابة عن إشكال السيد الخوئي:

ويورد عَلَىٰ ملاحظة السَّيِّد الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ & أنها إِنَّمَا تُسجل عَلَىٰ الميرزا النائيني فيما لو كان مراده استفادةُ الوجوب الشرعي للمقدمة الْمُفَوِّتَة من باب الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع من أن هذا الحكم ثابت للشارع أَيْضاً لكونه عاقلاً.

ولكن الواقع أن النائيني أراد أن يجعل المقدمة الْمُفَوِّتَة واجباً شرعياً من باب متمم الجعل، أي: أراد أن يجعل منشأ الوجوب غرض المولى، لا الحكم بوجوب إطاعة المولى. ولذلك يتعلق هذا الوجوب بذات المقدمة الْمُفَوِّتَة، لا بعنوان >الإطاعة وعدم تفويت غرض المولى<. أي: أن جعل وجوب المتمم يماثل جعل الوجوب النَّفْسِيّ عَلَىٰ ذي المقدمة نفسه وَالَّذِي نشأ من الغرض المولوي، فهو كُلَّمَا تعسر لديه تأمين غرضه بجعلٍ واحد وأمكنه أن يؤمّنه بجعلين أتى بجعلين أحدهما أصلي والآخر متمم له، وهذا لا علاقة له بحكم العقل.

فكما أن الواجب الْمُعَلَّق أو المشروط بالشرط الْمُتَأَخِّر كان يمكن أن يُجعل وجوبُه من قبلُ وجوباً فِعْلِيّاً، وكان يجعله لكي تكون المقدمة الْمُفَوِّتَة وَاجِباً شَرْعِيّاً (ولو بالوجوب الْغَيْرِيّ)؛ كذلك يمكنه أن يجعل بدلاً عنه متمماً للجعل في فرض استحالة الواجب الْمُعَلَّق أو المشروط بالشرط الْمُتَأَخِّر، وهذا وجوب مولوي كوجوب الصوم، ولذلك تكون ذاتُ المقدمةِ الْمُفَوِّتَةِ مُتَعَلَّقَهُ، لا عنوان >الإطاعة وعدم التفويت< الَّذِي هو موضوع لحكم العقل.

وهذا الجعل المتمم يشبه تماماً متممَ الجعل المذكور في بحث الأوامر التعبدية، كما أن الملاك والنكتة فيهما واحد وهو عبارة عن عدم تمكّن المولى من الحفاظ عَلَىٰ فعلٍ مُقَيَّدٍ وقع غرضاً للمولى بواسطة جعل واحد، فاضطر إلى اعتبار جعلين.

والواقع أن المولى بجعل المتمم لا يُشعِر بأنَّهُ راض بفوات الواجب داخل الوقت لجهةِ ترك المقدمة الْمُفَوِّتَة وعجز الْمُكَلَّف عنه داخل الوقت، وكذلك بأن الملاك فعلي داخل الوقت، وجعل مثل هذا الوجوب لا هو لغو ولا مستحيل؛ لأَنَّهُ ليس من باب الملازمة مع حكم العقل وعلى عنوان >الإطاعة< حَتَّىٰ يتسلسل أو يصبح لاغياً.

طَبْعاً، كان بإمكان المولى أن لا يأمر، بل يخبر عن فعلية الملاك وأن القدرة داخل الوقت ليست شَرْطاً للاتصاف، فكان هذا المقدار يكفي لحكم العقل بوجوب المقدمة الْمُفَوِّتَة، ولكن يمكن تقريب هذا المطلب وَفْقاً للأمر وطبقاً لجعل المتمم، فهو ليس مستحيلاً، بل يمكن للمولى أن لا يقوم بوضع جعلٍ بالنسبة إلى أصل الملاك، بل يُوجِد موضوع حكم العل بوجوب الإطاعة بواسطة الإخبار به؛ لأَنَّنَا قلنا فيما سبق: إنَّ إبراز الغرض وطلبه مِنْ قِبَلِ المولى يكفي في المنجزية كما أَنَّهُ كافٍ في وجوب الإطاعة ولا يحتاج إلى جعل واعتبار، وإن تمّ لدى العقلاء في القضايا الحقيقية عن طريق الجعل والاعتبار.

إذن، إن الوجوب الشرعي للمقدمة الْمُفَوِّتَة عن طريق متمم الجعل معقول وممكن في نفسه، ولا يَصِحُّ قياسه بالأوامر الإرشادية الدالة عَلَىٰ الإطاعة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo