< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/04/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مُقَدَِّمَةُ الْوَاجِبِ\تنبيهات الواجب الْمُعَلَّق\التنبيه الأول: وجوب الواجب الْمُعَلَّق

تتمة البحث الإثباتي في الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة

كنا نتحدث في مقام إثبات وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَةِ، وقلنا إذا كانت القدرة داخل الوقت شَرْطاً للاتصاف ولم يأت الْمُكَلَّف بِالْمُقَدِّمَةِ الْمُفَوِّتَةِ فلا يتحول الملاك والحاجة فِعْلِيّاً، فلا يعطش المولى أصلاً في مثال العطش، وهذا ليس تَفْوِيتاً حَتَّىٰ يقال بقبحه عَقْلاً أو أَنَّهُ واجب غيري شَرْعاً. إذن، إذا لم نأت بِالْمُقَدِّمَةِ الْمُفَوِّتَةِ من قبلُ يحصل لدينا الشك في أن الملاك هل تم تفويته أم لا؟ فنجري أصالة البراءة.

التقريبات المذكورة في إثبات وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة

تقدم أن هناك تقريبات ذكرت في مقابل هذا التقريب لإثبات وجوب المقدمة الْمُفَوِّتَة وعدم أخذ القدرة في الملاك، ذكرنا تقريبين منها:

التقريب الأول:

أن القدرة ليست شَرْطاً في التكليف بل هي شرط في التنجز العقلي، ولازمه فعليةُ الملاك وكذلك الخطاب داخل الوقت، وَبِالتَّالِي يصدق تفويتُ الملاك، بل الخطاب أَيْضاً، وهذا تفويت لا يجوز ارتكابه.

التقريب الثَّانِي:

كان عبارة عن التمسك بِالدَّلاَلَةِ الاِلْتِزَامِيَّةِ بتقريب أن لكل خطابٍ مدلول مطابَقي وهو الوجوب، وله مدلول التزامي هو الملاك، وما يسقط بالعجز هو الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيّ دون الالتزامي. وهذا التقريب يتبنى عدم تبعية الدَّلاَلَة الاِلْتِزَامِيَّة لِلدَّلاَلَةِ الْمُطَابَقِيَّةِ في الحجية، فلو أصبح الملاك فِعْلِيّاً حكم العقل بقبح تعجيزه.

مناقشة التقريبين:

ولكن لم يَصِحُّ شيء من التقريبين المذكورين، أَمَّا التقريب الأول فَلأَنَّنَا لا نشترط القدرة لوحدها في التنجز العقلي، بل نشترطه في الوجوب أَيْضاً.

وَأَمَّا التقريب الثَّانِي فَلأَنَّ تبعية الدلالتين تَصِحُّ في الحجية، ولو صحت عدم التبعية أَيْضاً إِنَّمَا تَصِحُّ فيما إذا كان الْمُقَيِّد منفصلاً لا متصلاً. وَالْمُقَيِّد في المقام كالمتصل؛ لأَنَّ العقل البديهي أو الظهور العرفي يحكم باشتراط الخطابات بالقدرة، وهو الَّذِي يرفع أصل انعقاد الإطلاق في الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيّ، ومن هنا يقال في موارد العجز: لا إطلاق لخطابات الشَّارِع، لا أن يكون لها إطلاق ولكن ليس لها حجية، وَإِنَّمَا ليس لها إطلاق، ومن هنا لم ينكر أحد تبعيةَ المدلول الالتزامي للمدلول المطابقي في الانعقاد (أَيْ: في ذات الدلالة) وأن سعة المدلول الالتزامي وضيقه تابع لسعة الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيّ وضيقه. فإذا انتفى الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيّ في موردٍ ينتفي فيه المدلول الالتزامي أَيْضاً. إذن، لو جعلنا مُقَيِّد القدرة كالمتصل فسوف لا تتكون الدَّلاَلَةُ الاِلْتِزَامِيَّةُ عَلَىٰ الملاك في موارد العجز أَصْلاً.

التقريب الثالث:

هذا التقريب يتمسك بمبنى الميرزا النائيني في إثبات الملاك؛ فَإِنَّهُ يرضى بالتبعية بتقريب أن المدلول الالتزامي كما يتبع الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيّ ذاتاً كذلك يتبعها في الحجية، ولكن بتقريب آخر يُثبت به الملاك في موارد العجز ويقول: مع أن الوجوب غير موجود في موارد العجز ولكن يمكن إثبات الملاك فيها بالتسمك بإطلاق المادة بلحاظ الملاك.

إيضاح لتقريب النائيني:

يقول النائيني: إن لكل أمر مادةٌ هي متعلق الأمر، كما لها هيئة تعرض عَلَىٰ المادة وتُثبت الوجوب عليها، ولكن ذلك إِنَّمَا هو بلحاظ اللفظ وعالم الإثبات، بينما في عالم الثبوت والمعنى تضاهي المادةُ الموضوع، كما يماثل مدلولُ الهيئة المحمولَ. فيكون معنى >صلِّ< أن >الصلاة واجبة<، كما يعني >أزل النجاسة عن المسجد< أن >إزالة النجاسة عن المسجد واجبة<. وهذه المادة كما هي موضوع للوجوب وهو ما يستفاد من الهيئة، كذلك هي موضوع للملاك والغرض؛ لأَنَّ الأوامر تابعة للغرض والملاك.

إذن، إن الموضوع له محمولان عرفاً، أحدهما أن >هذا واجب< والآخر أن >غرض الآمر موجود فيه<. ومن هنا يوجد لدينا لبّاً محمولان في الخطابات:

الأول: محمول الإيجاب والبعث.

الثَّانِي: محمول الغرض والملاك.

ودليل الْمُقَيِّد الَّذِي يقول باشتراط القدرة ومانعية العجز، إِنَّمَا يقول به بلحاظ المحمول الأول، فيقيِّدُه؛ لأَنَّ البعث نحو شيء غير مقدورٍ لغوٌ، ومن هنا فإن البعث والتحريك الَّذِي هو الوجوب يختص بالحصة المقدورة، ولكن إطلاق المحمول الثَّانِي الَّذِي هو الملاك يبقى عَلَىٰ حاله وتحتوي مادتُه عَلَىٰ الغرض (سواء كان الوجوب أم لم يكن)؛ لأَنَّ الملاك أمر تكويني ويمكنه أن يكون مَوْجُوداً في حصة غير مقدورة، فيمكن التمسكُ بإطلاق المادة للحصة غير المقدورة ويثبت فيه الغرض والملاك، ومعنى ذلك عدم أخذ القدرة في الملاك، ونحن في المقام نحرز فعليةَ الملاك بإطلاق المادة، وَبِالتَّالِي تجب المقدمة الْمُفَوِّتَةُ.

رد تقريب النائيني:

أَوَّلاً: أن كبرى هذا التقريب غير تامة وسوف يأتي في بحث الضد أَنَّهُ لا يستفاد محمولان من الخطابات والأوامر، بل هناك محمول واحد هو الوجوب ويستفاد الغرض ضمنياً وبالدلالة الالتزامية، والتمسك به يُعَدُّ رجوعاً إلى الوجه الثَّانِي، وقد أبطلناه سابقاً.

وَثَانِياً: حَتَّىٰ لو كان هناك من يقول بإطلاق المادة (كالميرزا النائيني) فإن هذا البيان إِنَّمَا يَصِحُّ فيما إذا كان أصل الوجوب فِعْلِيّاً عَلَىٰ الْمُكَلَّف ولم يقدر الْمُكَلَّف عَلَىٰ بعض حصص الواجب، كمن صلى جاهلاً في المكان المغصوب. إذن، إن الامتناع أو الصلاة داخل وقت وجوب الإزالة الفوري، بِنَاءً عَلَىٰ امتناع الترتب القائل بفعلية وجوب أصل الصلاة عَلَىٰ الْمُكَلَّف، ولكن الْمُكَلَّف يأتي بالحصة غير المقدورة (ولو شَرْعاً)، أو أن في موارد صدور الفعل الواجب من الْمُكَلَّف عن غير اختيارٍ؛ فإن الميرزا يتمسك في هذه الموارد بإطلاق المادة ومتعلق الأمر الْفِعْلِيّ عَلَىٰ الْمُكَلَّف لأجل الحصة غير المقدورة، بينما أصل الوجوب ليس فِعْلِيّاً عَلَىٰ الْمُكَلَّف في ما نحن فيه، ولا يمكن التمسك هنا بإطلاق المادة؛ لأَنَّ أصل الوجوب والأمر لا يشمل الْمُكَلَّفَ حَتَّىٰ يمكن التمسك بإطلاق مادته.

التقريب الرابع:

وهو التمسك بِالدَّلاَلَةِ الاِلْتِزَامِيَّةِ العرفية دون العقلية منها، أي: بإمكان قائل أن يقول بأن القدرة غير دخيلة لدى العرف والعقلاء في الملاكات وَإِنَّمَا تتدخل القدرة في استيفائها.

وبعبارة أخرى: إن الملاكات في الأوامر العرفية قائمة بفعل الْمُكَلَّفِ ولا ينتفي الملاكُ بالعجز عن الفعل أو عدم القدرة عليه، وَإِنَّمَا يتسبب العجز إلى عجز الآمر عن تحريك الْمُكَلَّف وجعل الوجوب عليه، وهذا ضرب من الفهم العرفي يفيد في الأوامر العرفية بِأَنَّ الملاكات فيها لا ترتفع بالعجز. فمن آمن بهذه المقولة يمكنه أن يطبّقها عَلَىٰ الخطابات الشرعية ويقول: إن الخطابات الشرعية تُحمل عليها فيقال بأن الشَّارِع حينما يقول >صل متوضئاً< إِنَّمَا يرى مصلحة وغرضا في فعل ذاك الوضوء، حَتَّىٰ لو لم يكن الْمُكَلَّف قَادِراً عليه.

وفي ضوء هذا تبين أن القدرة لم تؤخذ في الملاك وَإِنَّمَا أخذت في فعلية الوجوب فحسب، وملاكاتها فعلية في موارد العجز أَيْضاً، وتصبح هذه دلالة التزامية عرفية لأصل الخطاب وهي حجة، ومدلولها المطابقي الَّذِي هو أصل الخطاب إِنَّمَا يثبت في موارد القدرة عَلَىٰ الواجب، ولا يسقط عن الحجية حَتَّىٰ تسقط الدَّلاَلَة الاِلْتِزَامِيَّة أَيْضاً.

دراسة التقريب الرابع:

ويرد عليه أَنَّهُ غير تام؛ لأَنَّهُ حَتَّىٰ لو صَحَّ هذا الكلام في الخطابات الشرعية ولكنه لا يَصِحُّ في التكاليف والخطابات الشرعية الَّتِي تمتاز تكاليفها عن التكاليف العرفية، ولا يمكن حمل التكاليف الشرعية عَلَىٰ التكاليف العرفية إِلاَّ في الموارد الَّتِي توجد فيها قرينة، أو إذا علمنا من الخارج أن الملاك فعلي في فرض العجز أَيْضاً، كوجوب حفظ النفس المحترمة وأشباهه، بينما لا يمكن القول في سائر الموارد خاصة في العبادات بفعلية الملاك في مورد العاج

وعليه، يمكن أن لا يكون الملاك فِعْلِيّاً في حق العاجز عن الوضوء في باب العبادات، أو أن يكون الملاك مَوْجُوداً بنفسه في التيمم لما ورد من أن >التراب أحد الطهورين<، وحتى لو احتملنا الأخذ في الملاك يكفي ذلك لإجراء أصالة البراءة وَبِالتَّالِي لا تكون المقدمة الْمُفَوِّتَة واجبةً.

والحاصل أن التقريب المذكور حَتَّىٰ لو تم إِنَّمَا يَتُِمّ في الموارد الَّتِي توجد فيها قرينة أو نعلم فيها أن القدرة لم تؤخذ في الملاك، فلا يمكن الرضوخ له كتقريب كلي أو كأصل عمومي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo