< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

42/10/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الصيد والذباحة

 

القول: في الذباحة

 

تابع مسألة (26): ما كان بيد المسلم من اللحوم والشحوم والجلود -إذا لم يعلم كونها من غير المذكّى- يؤخذ منه ويعامل معه معاملة المذكّى؛ بشرط تصرّف ذي اليد فيه تصرّفاً مشروطاً بالتذكية على الأحوط، فحينئذٍ يجوز بيعه وشراؤه وأكله واستصحابه في الصلاة، وسائر الاستعمالات المتوقّفة على التذكية، ولا يجب عليه الفحص والسؤال، بل ولا يستحبّ، بل نهي عنه. وكذلك ما يباع منها في سوق المسلمين؛ سواء كان بيد المسلم أو مجهول الحال، بل وكذا ما كان مطروحاً في أرضهم إذا كان فيه أثر الاستعمال، كما إذا كان اللحم مطبوخاً والجلد مخيطاً أو مدبوغاً. وكذا إذا اخذ من الكافر، وعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم على الأقوى بشرط مراعاة الاحتياط المتقدّم. وأمّا ما يؤخذ من يد الكافر ولو في بلاد المسلمين ولم يعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم، وما كان بيد مجهول الحال في بلاد الكفّار، أو كان مطروحاً في أرضهم ولم يعلم أنّه مسبوق ‌بيد المسلم واستعماله، يعامل معه معاملة غير المذكّى، وهو بحكم الميتة.

والمدار في كون البلد أو الأرض منسوباً إلى المسلمين غلبة السكّان القاطنين؛ بحيث ينسب عرفاً إليهم ولو كانوا تحت سلطة الكفّار. كما أنّ هذا هو المدار في بلد الكفّار. ولو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة فحكمه حكم بلد الكفّار[1] .

 

وذلك لقيام الدليل على حلية ذبائح المسلمين دون سواهم فإما أن يعلم إسلامه أو يُعلم كفره أو يكون مجهول الحال وهو على قسمين:

الأول: مجهول الحال في بلاد المسلمين.

الثاني: مجهول الحال في بلاد غير المسلمين.

فمن عُلم إسلامه أو كان مجهول الحال في بلاد المسلمين فيتعامل معه معاملة المسلم كما تقدم لما تقدم.

وأما غير المسلم ومجهول الحال في بلاد غير المسلمين فلا يحكم على ما عندهم من اللحوم والشحوم والجلود بالتذكية فلقيام الدليل على حلية ذبائح المسلمين دون غيرهم ولما مرّ في صحيحة مولانا الرضا الأولى (عليه السلام):

-(عن محمّد بن علي ـ يعني ابن محبوب ـ عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فرا، لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة، أيصلّي فيها؟ فقال: نعم، ليس عليكم المسألة، إنّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم، إنّ الدين أوسع من ذلك)[2] .

بقي أن المدار في كون البلد أو الأرض منسوبًا إلى المسلمين غلبة السكان والقاطنين بحيث يُنسب عرفًا إليهم ولو كانوا تحت سلطنة الكفار، وذلك لأنه المنساق عرفًا من سوق المسلمين وأرضهم من خلال ظاهر بعض الروايات المتقدمة ومنها:

صحيح إسحاق عن العبد الصالح:

-(عن سعد ،عن أيوب بن نوح، عن عبدالله بن المغيرة، عن إسحاق بن عمّار، عن العبد الصالح (عليه‌ السلام) أنّه قال: لا بأس بالصلاة في الفرا اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام، قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس)[3] .

وهكذا هو المدار على كون البلد والأرض منسوبًا إلى الكفار.

نعم لو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة لأحد الطرفين على الآخر لمسألة لا تخلو من إشكال.

وإن كان الأقرب البناء على الغلبة الحكومية فإن كانت الغلبة النوعية الحاكمة هي للمسلمين فيحكم بالتذكية والحلية وإلا، فلا.

 

مسألة (27): لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمناً، أو مخالفاً يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ، ويستحلّ ذبائح أهل الكتاب، ولا يراعي الشروط التي اعتبرناها في التذكية. وكذا لا فرق بين كون الآخذ موافقاً مع المأخوذ منه في شرائط التذكية -اجتهاداً أو تقليداً- أو مخالفاً معه فيها؛ إذا احتمل الآخذ تذكيته على وفق مذهبه، كما إذا اعتقد الآخذ لزوم التسمية بالعربية، دون المأخوذ منه إذا احتمل أنّ ما بيده قد روعي فيه ذلك؛ وإن لم يلزم رعايته عنده. واللَّه العالم[4] .

 

هذا ما عليه الأدلة الشرعية في إطلاقاتها وعموماتها دون خلاف من أحد يُعتد برأيه من فقهاء الإمامية (اعلى الله مقامهم)، وهذا ما ينسجم مع روح الشريعة السمحة السهلة، خصوصًا أن الإسلام العزيز بكتابه الكريم وسنة نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) ومنهج أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) قد أكدوا على ذلك لأجل الحفاظ على البنيان الإجتماعي الإسلامي كصف مرصوص، لا ينبغي أن يزعزعه أحدٌ من أعداء الإسلام المحمدي الأصيل ... والله العالم.

وقد فرغت بفضل الله ورأفته ورحمته تعالى من كتاب الصيد والذباحة في ليلة الثالث عشر من شهر رجب الاصب شهر مولانا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (سلام الله عليه) حامدًا شاكرًا مصليًا عابدًا راضيًا بقضاء الله وقدره سائلًا المولى تعالى أن يمن على جميع المؤمنين والمؤمنات وعليّ باليمن والبركة وحب العلم والنفع والانتفاع به لمرضاة الله تعالى والحمد لله أولًا وآخرًا حمدًا دائمًا منطوقًا متواصلًا.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo