< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

43/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الأطعمة والاشربة.

القول: في الحيوان.

مسألة (34): يحرم الدم من الحيوان ذي النفس حتّى العلقة، عدا ما يتخلّف في الذبيحة؛ على إشكال فيما يجتمع منه في القلب والكبد. وأمّا الدم من غير ذي النفس، فما كان ممّا حرم أكله كالوزغ والضفدع، فلا إشكال في حرمته، وما كان ممّا حلّ أكله كالسمك الحلال ففيه خلاف، والظاهر حلّيته إذا اكل مع السمك؛ بأن اكل السمك بدمه، وأمّا إذا اكل منفرداً ففيه إشكال، والأحوط الاجتناب من الدم في البيضة وإن كان طاهراً.[1]

في المسألة عدة أمور:

أما مسألة حرمة الدم من الحيوان ذي النفس حتى العلقة، فهو مما توافق الاصحاب عليه بلا خلاف ولا نزاع، وعليه الاجماع، بل عُدّ من ضروريات مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) ويدل عليه من الكتاب:

(قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[2] .

ومن النصوص الشريفة:

-(محمّد بن يعقوب، عن عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن عمرو بن عثمان، عن محمّد بن عبد الله، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام)، وعن عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن مسلم، عن عبد الرحمان بن سالم، عن مفضّل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه‌ السلام): أخبرني ـ جعلني الله فداك ـ لمَ حرّم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟ قال: إنَّ الله تبارك وتعالى لم يحرّم ذلك على عباده وأحلّ لهم ما سواه من رغبة منه فيما (حرّم عليهم)، ولا زهد فيما (أحلّ لهم)، ولكنّه خلق الخلق، (فعلم) ما تقوم به أبدانهم، وما يصلحهم، فأحلّه لهم وأباحه؛ تفضّلاً منه عليهم به لمصلحتهم، وعلم ما يضرّهم فنهاهم عنه وحرّمه عليهم، ثمَّ أباحه للمضطرّ، وأحلّه له في الوقت الّذي لا يقوم بدنه إلاّ به، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك، ثمَّ قال: أمّا الميتة فانّه لا يدمنها أحد إلاّ ضعف بدنه، ونحل جسمه، ووهنت قوَّته، وانقطع نسله، ولا يموت آكل الميتة الاّ فجأة، وأمّا الدم فانّه يورث أكله الماء الأصفر، (ويبخر الفم، وينتن الريح، ويسيء الخلق)، ويورث الكلب، والقسوة في القلب، وقلّة الرأفة والرحمة، حتى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالديه، ولا يؤمن على حميمه، ولا يؤمن على من يصحبه، وأمّا لحم الخنزير فانّ الله تبارك وتعالى مسخ قوماً في صور شتّى مثل الخنزير والقرد والدبّ، (وما كان من المسوخ) ثمَّ نهى عن أكله للمثلة لكيلا ينتفع الناس (به، ولا يستخفوا بعقوبته)، وأمّا الخمر فانَّه حرَّمها لفعلها وفسادها، وقال: مدمن الخمر كعابد وثن يورثه الارتعاش، ويذهب بنوره، ويهدم مروءته، ويحمله على أن يجسر على المحارم من سفك الدماء، وركوب الزنا، ولا يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه وهو لا يعقل ذلك، والخمر لا يزداد شاربها إلاّ كلّ شرّ)[3] .

-(محمد بن عليّ بن الحسين في (العلل) و (عيون الأخبار) بأسانيده عن محمد بن سنان، عن الرضا (عليه‌ السلام) فيما كتب إليه من جواب مسائله: وحرَّم الخنزير؛ لأنّه مشوّه، جعله الله عظة للخلق وعبرة وتخويفاً، ودليلاً على ما مسخ على خلقته؛ لأنَّ غذاءه أقذر الأقذار، مع علل كثيرة، وكذلك حرَّم القرد؛ لأنَّه مسخ مثل الخنزير، وجعل عظة وعبرة للخلق، ودليلاً على ما مسخ على خلقته وصورته، وجعل فيه شبهاً من الإنسان؛ ليدلّ على أنّه من الخلق المغضوب عليهم، وحرّمت الميتة؛ لما فيها من فساد الأبدان والآفة، ولما اراد الله عزّ وجلّ أن يجعل تسميته سبباً للتحليل وفرقاً بين الحلال والحرام، وحرّم الله الدم كتحريم الميتة؛ لما فيه من فساد الأبدان، وأنّه يورث الماء الأصفر، ويبخر الفم، وينتن الريح، ويسيء الخلق ويورث قساوة القلب، وقلّة الرأفة والرحمة، حتى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالده وصاحبه)[4] .

-(وفي العلل، عن أبيه، عن محمد بن أبي القاسم ماجيلويه، عن محمد بن عليّ الكوفي، عن عبد الرحمن بن سالم، عن المفضّل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه‌ السلام) لِمَ حرَّم الله لحم الخنزير؟ قال: إنَّ الله مسخ قوماً في صور شتّى مثل الخنزير والقرد والدبّ، ثمَّ نهى عن أكل المثلة؛ لكيلا ينتفع الناس، ولا يستخف بعقوبته)[5] .

وهي متحدة في العبارة مع اختلاف يسير.

وفيها تعليل لحرمة اكل الدم.

وأما استشكال سيدنا الماتن (قده) فيما يجتمع من الدم في القلب والكبد فهو لكونه يُنظر إليه من جهتين، فوجه الحرمة لإطلاق حرمة الدم في النصوص المتقدمة وعند الشك في استثنائه يتمسك بإطلاق الحرمة ولا نرفع اليد عنه إلا بدليل خاص

ووجه الحلية أيضًا لإطلاق حلية الذبيحة بما فيها بعد خروج الدم المتعارف عليه، ويحلّ المتخلف فيها عدا ما اُستثني وليس منه دم القلب والكبد، اللهم إلا أن ينفصل عنهما ويصدق عليه عنوان الخبائث.

وأما الدم من غير ذي النفس كالوزغ والضفدع والبق والسمك والجراد وغيرها.

فهو إن كان الحيوان ذي النفس مما يحرم أكله كالثلاثة الأولى فيحرم اكل دمه أيضًا ذلك لإطلاق الأدلة على حرمة أكل الدم عدا ما استثني وليست منها مضافًا إلى الاجماع على ذلك.

وما كان مما يحل أكله كالأخيرين (السمك والجراد) فإن اُكلا مع دمهما فلا اشكال لإطلاق دليل حلية السمك والجراد الشامل لما فيهم ومنه الدم، وإن انفرد الدم عنهما فهو محل اشكال، من جهة عموم حرمة الدم بنفسه دون كونه تابعًا لذيه، ومن جهة أخرى الحلية الشك في شمول حرمة الدم من غير ذي النفس المحلّل أكله وعندئذ يمكن الرجوع إلى اصالة الحلية والاباحة.

وأما الدم في البيضة فقد احتاط سيدنا الماتن (قده) في اجتنابه وإن كان طاهرًا، بل هو الأقوى وذلك لكونه دمًا يحرم أكله لما تقدم من الاخبار والاجماع.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo